كريتر نت – بلال الشقاقي
أحمد السلامي (12 عاماً)، يرافق والدته كل أسبوع لحضور جلسات العلاج النفسي، والدته سمية عبد الله حفيظ (29 عاماً)، تعاني من “الفصام الحاد“، أصيبت بهذه الحالة بعد فقدانها لزوجها واثنين من أبنائها في قصف استهدف منزلهم في الحديدة أواخر العام 2018. سببت لها هذه الحادثة انفصاماً في الشخصية، وهلوسة ورغبة شديدة في إنهاء حياتها. يقول أحمد إنها تتحدث مع والده وإخوته الذين قتلوا طوال الوقت وكأنهم موجودين، وتخبره دائماً برغبتها في اللحاق بهم.
يعاني أحمد من حالة والدته النفسية هذه، التي ما إن تأتيها حتى يصيبه الهلع والخوف ولا يدري ماذا يعمل. تقول الطبيبة المعالجة لوالدة أحمد إن أحمد هو الاخر يعاني من اضطرابات نفسية نتيجة معايشته لوالدته وظروف فقدانه لوالده وإخوته، وإن حالته مهددة بالتدهور إن ظل الوضع على حاله.
فئات كبيرة من اليمنيين تُعاني
“أحمد” واحد من كثيرين من الأطفال اليمنيين الذين تأثروا من هذا الصراع، فقد أظهرت دراسة قامت بها منظمة “يمن لإغاثة الأطفال“، ارتفاعاً مهولاً في مشاعر الخوف وانعدام الأمن والقلق والغضب عند الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراع، حيث عانى 31 بالمئة من الأطفال في هذه الدراسة من أعراض جسدية، اعتبرها الباحثون، مؤشرات على وجود مشاكل نفسية.
أما حالة والدته سمية فليست استثنائية، فوفقاً لدراسة أعدتها “مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري“، وهي منظمة متخصصة في الصحة النفسية، فإن حوالي 19.5 بالمئة من السكان في اليمن (5.5 مليون شخص) يعانون من اضطرابات نفسية، بمعدل 195 حالة إصابة من كل 1000 حالة، وأن نسبة انتشار الاضطرابات النفسية عند الإناث بلغت 81.4 بالمئة.
وكان تقرير لـ”مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية“، أكد بأن شرائح واسعة من سكان اليمن يعانون من آثار سلبية طالت صحتهم النفسية، نتيجة شدة وطول أمد النزاع في اليمن، وأشار التقرير إلى وجود زيادة كبيرة في عدد المرضى النفسيين مقارنة بفترة ما قبل الحرب، وحذر التقرير من أن بقاء هذا الأمر من دون علاج، سيؤثر بشكل خطير على احتمالات التعافي حتى بعد انتهاء النزاع، وكذلك سيؤثر على الأجيال اللاحقة من اليمنيين.
الشباب أكثر المتضررين
14 نزاعاً مسلحاً هذه هو مقدار ما عايشه الشباب اليمني، الذين لم تتجاوز أعمارهم الـ 25 عاماً، بحسب “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية”، تعرض خلالها الكثير منهم إلى الأذى المباشر وغير المباشر، هُددت فيه حياتهم، وفقدوا أعمالهم، واختفى الكثير من أقاربهم، وأُجبر الكثير منهم ممن يعيشون في مناطق الصراع على ترك منازلهم، هرباً من الموت وبحثاً عن حياة اعتقدوا أنها ستكون آمنة.
الدكتور أحمد المقرمي اختصاصي الطب النفسي للأطفال والمراهقين ذكر في حديثه لـ”منصتي 30“، أن الصراع في اليمن أثر بشكل ملحوظ على الصحة النفسية عند الأطفال والشباب، وهي الفئة العمرية التي كانت نسبة المصابين فيها قليلة، قبل هذا الصراع، وهو ما أكدته دراسة لـ”مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري” بأن الاضطرابات والضغوط النفسية، منتشرة أكثر عند الفئات العمرية الأصغر ما بين 16 – 28 سنة، وأشار المقرمي إلى أن أغلب الحالات تعاني من القلق الحاد والاكتئاب، نتيجة تخوفهم من المستقبل، إضافة إلى اضطرابات نفسية أخرى متعلقة بالصدمات والضغوط التي تعرضوا لها خلال هذا الصراع.
شُح في الإمكانيات والكوادر المؤهلة
وتسبب الصراع في اليمن في هجرة الكثير من الكوادر الطبية المؤهلة، فمن يعملون حالياً في مجال الصحة النفسية من الأطباء النفسيين، وفق تقديرات “مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري”، لا يتجاوز عددهم 50 طبيباً، وهو ما يعني طبيب نفسي لكل نصف مليون يمني، وعدد المعالجين النفسيين 130 معالجاً نفسياً، أما الممرضين النفسيين فلا يتجاوز عددهم 25 ممرض، إضافة إلى تدهور عمل المراكز الطبية النفسية، التي في الغالب لا تكون سوى أقسام غير رئيسية وعيادات صغيرة داخل بعض المستشفيات، فمن بين 3,507 منشأة صحية، لا يتوفر العلاج النفسي إلا في 21 بالمئة من هذه المنشآت الصحية، بحسب “منظمة الصحة العالمية”، وتتواجد معظمها في صنعاء.
متى ينتهي الصراع؟
في ظل هذا الصراع زادت معدلات العنف والبطالة والفقر والنزوح، كل هذا سبب انتشاراً واسعاً للاضطرابات والأمراض النفسية في اليمن، وشكل استمرار هذا الصراع عائقاً كبيراً أمام فُرص التعافي، وهو ما أكده صفوان الجلال، المختص النفسي في “مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري” في حديثه لـ”منصتي 30“، بأن استمرار الصراع ضاعف من الاضطرابات النفسية وشكل عائقاً أمام تعافي الحالات الحالية، وسبب انتكاسة لعدد كبير من الحالات الأخرى التي كانت تماثلت للشفاء، نظراً لأن مسببات هذه الاضطرابات مازالت موجودة، بل وتزيد من يوم لآخر.