كريتر نت – متابعات
هنا “تولبة” قرية تاريخية تربض بهدوء في أحضان وادي دوعن العظيم، غربي محافظة حضرموت، شرقي اليمن.
يخترق هذا الوادي (80 كم) هضبة حضرموت من الجنوب إلى الشمال ويعتبر قِبلة للسياح، ويضم العديد من المناطق الأثرية والمواقع التاريخية والسياحية، أبرزها قرية “تولبة”.
ظلت هذه القرية منسية حتى 1984، عندما وجدت بعثة سوفيتية نقشا أثريا على إحدى الصخور في غيل “تولبة” بوادي ليسر في دوعن، توثق بالخط المسند الحميري قصة شخص أصلح مجرى الزراعة.
وبحسب هيئة الآثار والمتاحف اليمنية فإن ترجمة هذا النقش تعني أن “شخصاً من قبيلة علم أصلح وصان قناة ومجرى مياه غيله المسمى تولبة حتى تشرب أراضيه الزراعية”.
أما اسم “تولبة” فلا تزال القرية تحتفظ به لأكثر من 2000 عام، وبالمثل بعض المصطلحات للأهالي القاطنين في القرية كـ”بقل” ويعني الزرع و”أذبره” وتعني الأرض الزراعية.
كما لاتزال مبانيها الطينية تشهد لمكانتها التاريخية، وهي عبارة عن طراز معماري فريد يتحدى الحرب وتغيرات الزمن.
اسم لم يتبدل منذ ألفي عام
قال مدير هيئة الآثار والمتاحف بساحل حضرموت، رياض باكرموم إن “تولبة إحدى قرى وادي ليسر بدوعن، تتميز عن غيرها من البلدان الحضرمية بوجود نقش أثري قديم منحوت في صخرة بغيل تولبة يذكر ويؤرخ اسم القرية تولبة”.
وأضاف في تصريحات صحفية، أنه “لا تزال بعض وديان وقرى حضرموت مثل أودية دوعن وعمد ووادي العين تحتفظ بالطراز المعماري الطيني الذي ينتمي إلى النموذج التقليدي للبناء في حضرموت”.
وتابع: “المباني الطينية يمتد تاريخها لأكثر من 3 آلاف عام من الخبرات المتراكمة في استخدام الطين المحلية وتقنية البناء والأسلوب المتوارث”.
ويستشهد المسؤول اليمني بالتنقيبات الأثرية في مدينة “ريبون” التاريخية بدوعن والتي كشفت عن مبانٍ طينية عمرها 3 آلاف عام.
ويعتبر هذا، وفقا لباكرموم، امتدادا حضاريا “حُقّ لنا أن نفتخر فيه ونحميه من تمدد العمارة الجديدة بالاسمنت التي للأسف تتمدد وتتوسع بشكل ملحوظ وحتى في أودية الطين”.
قبلة للسياح
من جانبه، قال مدير مكتب الثقافة في دوعن، محمد سالم بن صويلح، إن أهالي قرية تولبة التاريخية كغيرها من سكان دوعن يزرعون التمور والذرة البيضاء والقمح.
وأضاف أن المناطق الأثرية والمواقع التاريخية والسياحية في دوعن منها قرية “تولبة” تعتبر قبلة للسياح سواء من الداخل اليمني أو الخارج وذلك إثر المناخ شبه المعتدل وأمطاره الموسمية والتي تسقط بغزارة في فصلي الصيف والخريف.
عن الطابع المعماري للمباني التاريخية، أوضح، أن المادة الأساسية في البناء قديما هي الطين والنورة والأخشاب خصوصا خشب أشجار السدر وبالذات الأشجار القديمة جدا والحمراء اللون التي لاتستطيع حشرة (الأرضة) أن تأكلها.
وأما الأعواد الصغيرة التي توضع على سقوف المباني فهي أيضا من نوع “العشر” أو “الجعبور”، وهي شديدة المرارة لدرجة أن حشرة الأرضة لا تستطيع أن تأكلها أو تتلفها حيث كانت تبنى البيوت من هذه المواد المحلية، وفقا لمدير الثقافة.
وتابع: “البيت الطيني القديم يتكون من طابقين إلى 3 طوابق وتتميز بصغر حجمها وانخفاض سقوفها ويخصص الطابق الأول من البيت كمخازن ومستودعات لحفظ التمور والمواد الغذائية والأدوات التي تستخدمها الأسرة في الأعمال الزراعية وتسمى بـ(المعاقيب) وتثبت به مجموعة من الأدوات الفخارية والتي تعبأ بالتمر لتؤكل بعد انتهاء موسم التمور”.
وطبقا لبن صويلح، فإن الطابق الثاني من المبنى كان مخصصا كغرف لسكن أفراد العائلة ثم ينتهي البيت بالسطح والتي يطلق عليها في دوعن “الريوم” والتي تكون مسورة بجدران تحمي من السقوط وتستخدم للسمر والنوم خصوصا في فصل الصيف.