يبدو المشهد في ذلك البلد قاتماً ومفتوحاً على سيناريوهات حرب أهلية شاملة
أماني الطويل كاتبة وباحثة
على الرغم من فوزه بمقعد رئيس الوزراء منتخَباً منذ فترة وجيزة، إثر تسوية سياسية تم التوصل إليها في عام 2018، يبدو أن الحديث عن مستقبل آبيي أحمد أصبح شيئاً من الماضي، فكل المؤشرات الصادرة من أديس أبابا أخيراً تشير إلى أن قوات المعارضة الإثيوبية باتت على مشارف العاصمة أديس أبابا، وأن هزيمة الرجل العسكرية أصبحت واقعاً، خصوصاً بعد إطلاقه نداءً عاماً للمواطنين الإثيوبيين بأن كل مَن يستطيع أن يحمل سلاحاً فعليه أن يشهره. وذلك تحت مظلة إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد، وصدور تحذيرات أميركية لمواطنيها بضرورة مغادرة الأراضي الإثيوبية.
فما تفاصيل المشهد الإثيوبي الراهن؟ وهل يمكن أن تصل إثيوبيا إلى حالة الفوضى الشاملة؟ وما دور المجتمع الدولي في هذه المرحلة الحرجة بعدما كثرت النداءات بضرورة وقف الحرب، وآخرها كان نداء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ومناشدة رئيسة هيئة المعونة الأميركية (يو أس أيد) سامنتا باور.
مشهد قاتم
في هذا السياق، يبدو أن المسؤول عن نهاية المستقبل السياسي لآبيي أحمد هو بدؤه بخوض مشروع القضاء على الفيدرالية الإثنية الإثيوبية قبل عام ونصف العام تقريباً، إذ فشل في فرض رؤيته القائمة على وحدة القوميات الإثيوبية في حزبه “الازدهار”، كحزب حاكم. ونتيجة لذلك خاض رئيس الوزراء الإثيوبي حرباً على إقليم تيغراي، ومن الواضح أنه هُزم فيها بعدما وظفته قومية الأمهرة لإحياء مجدها السياسي الذي اغتالته قومية التيغراي في تسعينيات القرن الماضي.
ويبدو المشهد الإثيوبي قاتماً ومفتوحاً على سيناريوهات حرب أهلية شاملة، ذلك أنه إلى جانب نداء آبيي أحمد لحمل السلاح لكل قادر وإعلان حالة الطوارئ العامة، أعلن مجلس ولاية أمهرة حالة الطوارئ وحظر التجوال وإغلاق مؤسسات الدولة في الولاية. وحدد المجلس تسع نقاط لمواجهة الموقف الراهن، إذ انخرط في حملة عسكرية موسعة بعد استيلاء التيغراي على مدينتي ديسي وكاتلوشيا الاستراتيجيتين.
وربما سيكون أخطر ما في هذه الحملة هو إجبار الناس على القتال ونقلهم إلى الخطوط الأمامية، إذ حدد قرار مجلس ولاية أمهرة أدوار الناس في ثلاثة أمور، هي القتال أو تسليم الأسلحة التي بحوزتهم إما للحكومة وإما لأفراد آخرين من أسرهم للمشاركة في القتال، أو القيام بمهام مراقبة الغرباء عبر تنظيم يشرف عليه مجلس الولاية، وذلك كله تحت مظلة تهديد بأن القوات الأمنية مخولة باتخاذ إجراءات محددة لكل مَن لا ينخرط في هذا المخطط.
تحالف عسكري
في المقابل، دعت حكومة ولاية أروميا، رجال الدين والعنصر النسائي إلى الانخراط في مهمات الدفاع، والحفاظ على المكتسبات العسكرية التي تم اقتناصها مما سماه بيان حاكم الولاية بـ”الطغمة الحاكمة”.
في هذا السياق أعلنت “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” الاندماج مع “جيش تحرير أرومو” في خطوة تُعتبر بمثابة تتويج للتحالف العسكري الشامل الذي تم الإعلان عنه في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بين مكونات متعددة للقوميات الإثيوبية منها “جبهة الوحدة الديمقراطية الثورية عفار”، و”حركة أجاو الديمقراطية”، و”حركة التحرير الشعبية لبني شنقول”، و”حركة العدالة والحق للشعب الكيماني العالمي”، و”حزب كيمانت الديمقراطي”، و”جبهة تحرير سيداما الوطنية” ، و”جبهة مقاومة الدولة الصومالية”، وحكومة إقليم تيغراي و”جبهة تحرير شعب تيغراي”.
وقد جاء هذا الاتفاق في أعقاب حوار سياسي شامل بين أطرافه على مدى ثلاثة أشهر تقريباً.
وخاطب الإعلان الصادر عن هذا التحالف العالم الخارجي للحصول على تأييده أو في الأقل تحييده، فعلى المستوى الإقليمي قدم تطمينات لحليفة آبيي أحمد إريتريا، التي انخرطت في الحرب على إقليم تيغراي، وشملت هذه التطمينات عدم التعرض للجيش الإريتري ولا لعناصره، وعدم ممارسة أي أدوار ثأرية مستقبلية ضد إريتريا. أما على المستوى الدولي فتم تقديم التزام بمواثيق حقوق الإنسان والالتزام بمحددات معاهدة فيينا في التعامل مع أسرى الحرب، مع الانفتاح على سيناريوهات التعاون مع الأطراف الدولية مستقبلاً.
ضحية التحالف مع الأمهرة
وكان آبيي أحمد وقع ضحية تحالفه مع قومية أمهرة التي حاولت العودة إلى حكم إثيوبيا على جسر سياسات رئيس الوزراء، إذ ورطته الأمهرة على أكثر من مستوى داخلي وإقليمي. على المستوى المحلي، حاول الأمهرة إحياء صيغة الحكم المركزي لإثيوبيا الذي حكم به الإمبراطور هيلاسيلاسي وغيره من أباطرة الأمهرة لعقود عدة، وذلك مقابل نظام الفيدرالية الإثنية الذي تم التوصل إليه بعد إنهاء حكم قومية الأمهرة على يد قومية التيغراي بزعامة رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي، إذ ضمن نظام الفيدرالية استقراراً سياسياً منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2015.
أما على المستوى الإقليمي، فورّط الأمهرة رئيس الوزراء الإثيوبي في توتر العلاقات المتصاعد مع السودان بسبب منطقة الفشقة التي يسيطر عليها الأمهرة في المناطق الحدودية بين البلدين، وتشكل مورداً اقتصادياً مهماً بالنسبة إليهم، إذ تم ربط الملف الحدودي بين إثيوبيا والسودان بملف سد النهضة اعتباراً من مارس (آذار) 2020، وهو ما ردت عليه السودان بإعادة التموضع على أراضيها ونشر قواتها في هذه المناطق، ما عُدّ هزيمة للأمهرة ولآبيي أحمد معاً.
الوضع المتفجر
في ضوء المشهد الإثيوبي الدامي، يبدو أن الأطراف الدولية اتخذت قراراً بمراقبة تطورات الحرب عن كثب، وهو موقف مترتب على ما يوصَف بـ”تمترس وعناد” آبيي أحمد في التعاطي مع الوساطات الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب على تيغراي، حتى توسعت لتصبح حرباً شاملة، ذلك أن نداءات واشنطن للأطراف الإثيوبية بفتح حوار سياسي ووقف آلة الحرب قد فشلت، وبالتالي فإن السيناريو المتوقع للتدخل الدولي في هذه الأزمة سيبدأ بعد الحسم العسكري للمعارك، إذ قد يتم التخلي عن آبيي أحمد واعتباره “ورقة محروقة” وذلك بسبب أولاً انحيازه لخيار الحرب ضد إقليم تيغراي، متجاهلاً معطيات أساسية مرتبطة بقدرات حكومة الإقليم العسكرية وحنكتها السياسية.
أما السبب الثاني فهو تمترسه وعناده وعدم قبوله التفاوض السياسي في مراحل معينة، فضلاً عن ممارسة قواته “فظائع” إنسانية قد تتسبب في تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، إضافةً إلى رفضه التعاون مع وكالات الغوث الإنساني التابعة للأمم المتحدة وطرده مسؤولين فيها، وقيامه بحملات وصِفت بحملات “تضليل سياسي وإعلامي” ضد المنظمات الإنسانية العالمية بشكل عام.
الدور الأميركي
إن السيناريو المثالي والمتوقع بنسبة كبيرة هو أن تنشط العواصم العالمية بقيادة واشنطن في درء مخاطر التفتت الإثيوبي، نظراً إلى أهمية تلك الدولة على المستوى الاستراتيجي الغربي الشامل، والأميركي – الإسرائيلي المشترك، إذ نتوقع أن تكون الإدارة الأميركية بدأت بالفعل تواصلاً مع قيادات القوميات الإثيوبية، خصوصاً حكومتَي تيغراي وأروميا حتى يتم ترتيب الأوضاع السياسية في أعقاب سقوط أديس أبابا في يد التحالف العسكري المناهض لآبيي أحمد.
وربما يكون من المنتظر في هذه الحالة الاستقرار على قيادة سياسية بديلة لآبيي أحمد، قد يكون مرشحاً لها جوهر محمد، الزعيم السياسي الأرومي الذي اعتقله آبيي أحمد منذ أكثر من سنة بعد تحالفهما لفترة، وهو الرجل الذي قدم تشريحاً لشخصية آبيي أحمد، وقال إنه “لا يدرك مستويات تعقيد الحالة الإثيوبية، ويفتقد آليات التعامل معها”.
ويوفر اختيار الزعيم جوهر محمد، أو غيره من قيادات الأرومو في هذه المرحلة أمرين، الأول عدم وجود قومية التيغراي في الواجهة السياسية التي كانت تحتلها حتى فترة قريبة، وتم التمرد عليها بسبب ممارسة النظام السياسي الذي قادوه تمييزاً ضد الآخرين، كما أن هناك مزاعم بأنهم قاموا بتزوير الانتخابات أكثر من مرة، ومزاعم بأنهم مارسوا اضطهاداً ضد الأروميين المسلمين، حين تم تصنيف غالبية المعتقلين منهم، تحت مسمى إرهابيين.
أما السبب الثاني فهو حقيقة أن الأروميين هم غالبية الشعب الإثيوبي بنسبة تقترب من الـ50 مليون نسمة.
أما السيناريو السلبي فهو أن تتحول الحملة العسكرية المعارضة إلى حرب أهلية، إما بسبب عدم السيطرة على العناصر المقاتلة على الأرض باعتبارها عناصر غير مؤطرة عسكرياً، وإما بسبب وقوع خلافات بين أقسام التحالف العسكري المعارض يترتب عليه نزاعات مناطقية مسلحة، فيكون هذا السيناريو هو الأسوأ ليس لإثيوبيا فقط ولكن لكل دول القرن الأفريقي التي تعاني هشاشة مؤسسة الدولة وتعقيداً على المستويين الديمغرافي والإثني، وكلها أمور تلقي بظلال قاتمة على أمن البحر الأحمر والمصالح الإقليمية والدولية فيه
المصدر : أندبندنت عربية