9 آلاف أسرة تلجأ إلى مركز المحافظة والوادي في ظل عجز السلطات عن إيوائهم
توفيق علي صحافي
بما تيسّر حمله من زادٍ يسير، وما خفّ من متاع الارتحال القاسي للأيام المريرة، أُرغم آلاف المدنيين في محافظة مأرب (شرق اليمن) ؛ معظمهم أطفال ونساء، على النزوح القسري نحو المجاهل المرعبة، تاركين المراتع وأداروا ظهورهم النحيلة للديار كي لا تجلدها صواريخ الحوثي وسياط رصاصه المتناثر وهو يستميت لكسر محافظتهم وبيوتهم التي تقاتل مشروعه الإيراني.
صور الأطفال والفتيات والنساء والعجائز وهم يرتحلون بلا حيلة في الفيافي والقفار، هرباً من ملاحقات الميليشيا الدموية، وسط ظروف إنسانية مريعة، تلخص المأساة الصارخة التي حلّت على رؤوسهم المثقلة بهموم الجوع والحزن والنزوح، فلا ملجأ إلا افتراش التراب، والتحاف السماء الملبدة بدخان أسود حملته الريح من البيوت المحترقة.
إنها آلة الزحف الحوثي، التي لا يوقفها إنسان ولا زرع أو بيت، تمضي “بثبات نحو القدس” لتَعبُر من فوق الأشلاء والركام والعيون الدامعة في حاضرة “الملكة بلقيس”، جراء تصعيد الميليشيات على جنوب المحافظة الاستراتيجية وقصف المناطق السكنية بالصواريخ الباليستية لتستمر معها موجات النزوح اليومي لمئات الأُسر في مشاهد مروعة لم يألفها اليمنيون على امتداد تاريخهم.
وفيما تثغو الأغنام المنسية من جوع الأيام، تحتدم المعارك على مشارف المناطق النفطية وسط تصعيد حوثي غير مسبوق، أدى إلى مقتل وجرح عشرات المدنيين وتسبب بتهجير عدد كبير من أهالي المحافظة في وقت تفاخر الجماعة أنها صارت قاب قوسين أو أدنى من وضع ذراع إيران على المحافظة بعد سيطرتها على أربع مديريات خلال شهر، هي حريب والجوبة والعبدية وجبل مراد، عقب معارك دامية استنزفت كثيراً من قواها البشرية والعسكرية.
آلاف الأسر نحو المجهول
وفي إحصاء يوضح جانباً من هول المأساة الإنسانية، كشف مساعد مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين خالد الشجني، عن نزوح أكثر من 8 آلاف أسرة من المديريات الجنوبية لمحافظة مأرب منذ مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، نتيجة التصعيد العدواني لميليشيا الحوثي. وأفاد بأن “الهجمات العدائية على الآمنين في عزلهم وقراهم ومناطقهم الآهلة بالسكان، لم تتوقف منذ مطلع سبتمبر الماضي، ولهذا اضطرت آلاف الأُسر إلى ترك منازلها وما تملكه من مواشٍ ومزارع، هرباً من القصف الحوثي الذي يستهدف قراهم بلا توقف”. وأضاف أنه نتيجة “الوحشية الحوثية، نزح ما يزيد على 70 ألفاً، يمثلون نحو 10 آلاف أسرة، من مديريات: رحبة والجوبة والعبدية وحريب، جراء استمرار هذه الأعمال العدائية لميليشيات الحوثي واستهدافها التجمعات السكانية بالصواريخ الباليستية والقذائف كما هي الحال على أطراف مديرية الجوبة التي ما زالت تشهد تصعيداً متواصلاً”.
وتؤكد الأمم المتحدة أن إجمالي تعداد ا لنازحين بلغ 3.3 مليون شخص، مشيرة إلى أن أكثر من 24.1 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة، أي أكثر من ثلثي السكان في البلد الذي تصفه بأنه يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم حالياً.
إلى مأرب والوادي
عن وجهة هؤلاء اليمنيين، يشير الشجني إلى نزوحهم إلى مناطق آمنة في مدينة مأرب (مركز المحافظة) ومديرية الوادي. وتطرق إلى عجز الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين عن مواجهة هذه الأعداد الهائلة، مع تردي وضع الاستجابة السريعة وبطئها من قبل شركاء العمل الإنساني، في مقابل اتساع فجوة الحاجات الإنسانية الطارئة في كل المجالات الأساسية، وأهمها المواد الغذائية والإيوائية.
الأشجار بيوتاً
نتيجة هذا العجز، اضطُرت مئات الأسر النازحة من مختلف قرى مأرب، إلى اتخاذ الأشجار والمزارع والصحارى أماكن إيواء لها بعد أن تقطعت بها سبل العيش. ولهذا يوضح الشجني أن الوحدة التنفيذية دعت الحكومة والمجتمع الدولي والوكالات الأممية والمنظمات إلى تحمل مسؤولياتها الإنسانية في حماية المدنيين والنازحين والاستجابة العاجلة والطارئة لحاجاتهم الضرورية والمنقذة للحياة في كل المجالات الإنسانية.
ومن ضمن المعالجات الإسعافية لمواجهة جزء من الحاجة المتصاعدة، قال إن محافظ مأرب قدم دعماً عاجلاً للنزوح الداخلي الجديد لإنشاء 500 مأوى من الخيام التي تتضمن حماماً ومطبخاً لكل أسرة كمرحلة أولى، وتم التنسيق مع ملّاك الأرض ولكن لا تزال الحاجة كبيرة.
بيت اليمنيين
وكانت مأرب بمثابة الملجأ الآمن لكثير من النازحين الذين فروا هرباً من بطش الميليشيا الحوثية والمعارك ليصبحوا اليوم في مرمى النيران في ظل تصاعد القتال للسيطرة عليها.
وفي إحصاءات سابقة، تشير الحكومة اليمنية إلى وجود نحو 139 مخيماً في مدينة مأرب وبقية مناطق المحافظة، استقبلت نحو 2.2 مليون نازح، ولهذا وصفتها الحكومة بـ “بيت اليمنيين الكبير”.
وفي توضيح لما تشهده مأرب، كتب وزير الإعلام والثقافة اليمني معمر الأرياني على “تويتر”، “تواصل ميليشيا الحوثي قصف القرى ومنازل المواطنين… بشكل ممنهج ومتعمد للإيقاع بأكبر قدر من الضحايا بين المدنيين، ما اضطر مئات الأسر للنزوح”، داعياً المجتمع الدولي إلى “إدانة ووقف هذه الأعمال الانتقامية التي تطال المدنيين الأبرياء وتشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
مسألة وقت
وتُعدّ مأرب آخر معاقل الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في شمال البلد الغارق في الحرب. ولهذا، صعّد الحوثيون المدعومون من إيران حملتهم العسكرية للسيطرة على المدينة منذ فبراير (شباط) الماضي، وقد زعموا هذا الأسبوع أنهم باتوا يحاصرونها من جهات عدة وأن سقوطها أصبح “مسألة وقت”.
قلق أممي
وإزاء التصعيد الحوثي، أعرب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، الخميس 4 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عن قلقه إزاء الوضع “الآخذ بالتدهور” في البلاد، مطالباً الحوثيين بوقف التصعيد في مأرب.
كما سبق لغروندبرغ أن قال خلال إحاطته الأولى أمام مجلس الأمن الدولي في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن هجوم الحوثيين على مأرب تسبب في مقتل آلاف المدنيين.
وعلى الرغم من كل التحذيرات الأممية والدولية، إلا أن ميليشيا الحوثي لا تأبه لها، في حين أن السيطرة على مأرب بالكامل تعني تعزيز موقفها التفاوضي في أي محادثات سلام في المستقبل.
استماتة
في غضون ذلك، تواصلت المعارك بين قوات الجيش والمقاومة المدعومين من قوات التحالف العربي من جهة، وميليشيات الحوثيين من جهة أخرى، في عدد من جبهات القتال بمأرب.
وذكر مصدر عسكري يمني لـ”اندبندنت عربية” أن مواجهات عنيفة تدور الآن في مناطق بير الشيخ والوشحة وعرائس والعمود، شمال شرقي مديرية الجوبة، عقب تقدم ميداني للميليشيا التي تسعى إلى الاقتراب أكثر من مدينة مأرب، المركز الإداري للمحافظة الغنية بالنفط.
المصدر : أندبندنت عربية