كريتر نت – وكالات
يمر اليمن بتطورات عسكرية متسارعة غير مسبوقة منذ سنوات، وسط مساعِ دولية وأممية متكررة لخفض التصعيد الميداني بين القوات الحكومية والحوثيين في محافظات عديدة، أبرزها مأرب والحديدة الاستراتيجيتين وسط وغربي البلاد.
وفي ظل تقدم الحوثيين في مديريات بمأرب، سيطرت الجماعة خلال الأيام الماضية على مناطق بعضها حيوية، في الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، بعد انسحاب مفاجئ للقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا.
ومساء الإثنين، أعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن قلقه من تطورات الوضع في مأرب والحديدة، مشددا على ضرورة خفض التصعيد العسكري.
وفي اليوم نفسه، أكدت البعثة الأممية في الحديدة انسحاب القوات المشتركة الموالية للحكومة من مدينة الحديدة (مركز المحافظة) ومن مديريتي الدريهمي وبيت الفقيه وأجزاء من مديرية التحيتا، وسيطرة الحوثيين عليها.
وبالرغم من قتال هذه القوات بجانب الحكومة، إلا أنها لا تخضع لسيطرة وزارة الدفاع، وتتلقى دعما ماليا وعسكريا من دولة الإمارات، وفق وسائل إعلام محلية.
وذكرت البعثة، في بيان، أن “هذا الانسحاب ترتب عليه تغيرات كبيرة بخطوط التماس في المحافظة”، داعية الحكومة والحوثيين إلى “فتح نقاش حول تطورت الحديدة”.
وقالت البعثة إن انسحاب القوات المشتركة جاء دون تنسيق معها، كما أعلنت الحكومة أن هذا التطور جاء دون أي توجيه منها.
وأثار هذا الانسحاب حفيظة الرأي العام في اليمن، لاسيما وأن تحرير تلك المناطق سابقًا من قبضة الحوثي كلف القوات المشتركة خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
وبعد أيام من انتقادات وتكهنات وتفسيرات حول أسباب انسحاب القوات المشتركة، أعلن التحالف العربي، بقيادة الجارة السعودية، الإثنين، أن” إعادة انتشار” القوات في الحديدة يتماشى مع خططه المستقبلية.
وقال المتحدث باسم التحالف تركي المالكي، في بيان، إن “القوات المشتركة بالساحل الغربي نفذت الخميس إعادة انتشار وتموضع لقواتها العسكرية بتوجيهات من قيادة القوات المشتركة للتحالف”.
وأضاف أن “العملية اتسمت بالانضباطية والمرونة بحسب ما هو مخطط لها، وبما يتماشى مع الخطط المستقبلية لقوات التحالف”.
وينفذ التحالف منذ مارس/ آذار 2015 عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الحكومية في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
مكاسب حوثية بمأرب وشبوة
منذ أشهر، استطاعت جماعة الحوثي السيطرة على مديريات في محافظة مأرب النفطية، ومديريات أخرى في محافظة شبوة المجاورة.
وتقول الجماعة إنها باتت مسيطرة على كامل مديريات مأرب، باستثناء كل من مديرية مأرب التي تحوي مركز المحافظة ومديرية الوادي التي تحوي حقول النفط والغاز.
فيما قالت مصادر عسكرية حكومية لمراسل الأناضول، إن قوات الجيش ما تزال تتواجد في مناطق بمديريات صرواح والجوبة ورغوان، وإن الحوثيين لا يسيطرون على كامل هذه المديريات.
ومنذ بداية فبراير/ شباط الماضي، كثف الحوثيون هجماتهم في مأرب للسيطرة عليها، كونها أهم معاقل الحكومة والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع، إضافة إلى تمتعها بثروات من النفط والغاز واحتوائها على محطة كانت قبل الحرب تغذي معظم المحافظات بالكهرباء.
وفي محافظة شبوة النفطية، سيطر الحوثيون على ثلاث مديريات قبل نحو شهرين، فيما تقع غالبية المحافظة تحت سيطرة الحكومة، بما في ذلك مدينة عتق مركز المحافظة، وفق مراسل الأناضول.
تداعيات إنسانية كبيرة
التطورات الأخيرة في الحديدة خلفت تداعيات إنسانية جديدة في بلد فقير يعاني معظم سكانه من انعدام الأمن الغذائي.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في بيان الأحد، إن 6200 شخص نزحوا في الحديدة في أعقاب انسحاب القوات الموالية للحكومة، وسيطرة الحوثيين على مناطق عديدة.
وأفادت تقارير حقوقية يمنية بأن جماعة الحوثي نفذت حملة اعتقالات ضد معارضين لها في المناطق التي سيطرت عليها في الحديدة.
كما يبدو الواقع الإنساني في مأرب بالغ الصعوبة، في ظل استمرار موجات النزوح بشكل غير معهود.
وقالت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين (حكومية) إن تصاعد الصراع في مأرب أدى إلى نزوح 93 ألف شخص خلال سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين.
والسبت، كشف وكيل محافظة مأرب، عبدربه مفتاح، عن أن آلاف الأسر النازحة حديثا بالمحافظة تعيش في العراء بدون إيواء في ظروف بالغة الصعوبة، بحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ).
وأودت الحرب المستمرة، منذ نحو 7 سنوات، بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم قرابة 30 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
تضارب أجندات وأهداف
وقال الدكتور عادل دشيلة، كاتب وباحث، للأناضول، إن “انسحاب القوات المشتركة من الحديدة جاء بطريقة غامضة، والغريب في الأمر أن الحكومة لم تكشف السر وراء هذا الانسحاب المفاجئ”.
ورأى أن “هذا الانسحاب دليل على أن من يتحكم بالمشهد السياسي والعسكري والأمني، خصوصا في مناطق الاشتباك، ليس لحكومة، وإنما التحالف العربي”.
وتابع: “هذا الانسحاب أثر على سير المعركة عسكريا وعلى الوضع الإنساني، فالكثير من أبناء هذه المناطق تم التنكيل بهم مؤخرا من قبل الحركة الحوثية عندما سيطرت عليها، بعد انسحاب القوات المشتركة”.
وأردف “دشيلة” أن “هذه الحرب لم تتضح استراتيجيتها بعد، وإن كانت في بدايتها واضحة المعالم بأنها لإنهاء انقلاب الحوثيين ومساعدة الحكومة”.
واستطرد: “ونتيجة لتضارب الأجندات والأهداف والخلافات الجيوسياسية والاستراتيجية وغيرها، نرى هذه الأحداث (انسحاب القوات المشتركة)”.
واستدرك: “لكن في نفس الوقت، تطورات أزمة اليمن تعبر عن الموقف الإقليمي وعن القوى الخارجية المنخرطة في الصراع، أما بالنسبة للقوى الوطنية في الداخل فليس لها خيار سوى أن تواجه الحركة الحوثية”.
وبالنسبة لتراجع الجيش في مأرب، قال: “طبيعي أن يحصل هذا التراجع؛ فالجيش بلا إسناد حقيقي وبلا مرتبات منذ قرابة عامين، ولكنه واجه الحوثيين بالإمكانات المتاحة وما زال يحافظ على المناطق الاستراتيجية، بما فيها مناطق النفط والغاز، وعلى المناطق ذات الكثافة السكانية بالمحافظة (مدينة مأرب)”.
وزاد بأنه “إن حصل تراجع مؤخرا جنوبي مأرب، فمن الطبيعي جدا أن نرى مثل هذه الاختلالات، لأنه لا توجد قيادة مركزية موحدة للدولة الوطنية اليمنية، ونتيجة أيضا لتدخل التحالف العربي في كل صغيرة وكبيرة”.
تفاهمات إقليمية
اعتبر حسن الفقيه، كاتب سياسي، أن “انسحاب القوات في الساحل الغربي تم بطريقة مفاجئة وغامضة، وتفسيرات قيادة التحالف جاءت متأخرة وغير متسقة”.
واستدرك الفقيه، في حديث للأناضول: “لكن الواضح أن هناك تفاهمات إقليمية لأحد أقطاب التحالف (يقصد الإمارات) وقفت وراء الانسحاب، وأعطت الأوامر للقوات الموالية لها بفعل ذلك، وهذا الطرف بات يمرر ترتيباته منفردا”.
وتابع: “استراتيجيا، لا أحد ينسحب من مساحات شاسعة من تخوم مدينة ساحلية واستراتيجية (الحديدة) ليتموضع في مكان أقل أهمية”.
ومضى قائلا: “في النهاية للحليف والممول أولوياته وترتيباته ومقايضاته على حساب مكاسب وأولويات حلفائه المحليين، وبدون وجود أطراف لديها القدرة على المناورة وانتزاع مكاسبها والمحافظة عليها، تبدو في موقع المنفذ ليس إلا”.
وبشأن الواقع العسكري في مأرب، الجبهة الوحيدة الملتهبة منذ سنوات، رأى الفقيه أن “ما حدث من اختراقات لا تعدو كونها مهمة طالما لم تحقق هدفا استراتيجيا يمكن البناء عليه (السيطرة على مدينة مأرب وحقول النفط)”.
وقلل من التأثير المحتمل لهذه التداعيات على مسار الأزمة، معتبرا أنه لن يتغير الوضع كثيرا إلا بسيطرة طرف بطريقة كلية.. هذا لن يتأتى قريبا على الأقل، والأزمة في طور التعقيد ميدانيا ودبلوماسيا، بل يتوقع أن تزيد التهابا وسخونة”.