كتب : وليد فارس الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية
بعد تنفيذ عدد من المناورات لأعضاء في التحالف العربي في الأسابيع الماضية، بات سؤال يدور عبر الأطلسي والمتوسط: هل هناك لاعبون إقليميون ومحليون هم في موقع الشراكة والتنسيق، حالياً، من التحالف وأعضائه، وإلى حد ما، شركاء غير علنيين لمعاهدة “إبراهيم”، وإن كان ذلك واقعاً، فبأية مرحلة تتجسد شراكتهم علناً؟
بالفعل، بعد المناورات الجوية التي نفذها سلاح الجو الأميركي مع مشاركة سلاح الجو السعودي من ناحية، والطيران الحربي الإسرائيلي من ناحية أخرى، والمناورات البحرية المشتركة لسفن الأسطول الأميركي مع قطع بحرية إماراتية، وبحرينية، وإسرائيلية، ظهرت الأوضاع في المنطقة وكأنها أعادت خلط نفسها استراتيجياً بين التحالف العربي، ولجبهة “الإبراهيمية”، والولايات المتحدة، والرسالة باتجاه واحد، أي إيران: محور مقاومة الانفلاش الإيراني يكثف المناورات بإشارة إلى أن جداراً فولاذياً لا يمكن للجمهورية الخمينية أن تخترقه، بات قائماً، وإن كان من بين أركانه دول لم تصل بعد في علاقاتها الثنائية إلى تطبيع شامل مع غيرها من الدول الشريكة.
أضف إلى ذلك جناح متوسطي بات ينمو بسرعة عبر مناورات مصرية مع اليونان وقبرص، تبعتها مناورات يونانية إسرائيلية وإماراتية، وتوّجت بمناورات جوية سعودية يونانية، إضافة إلى الطلعات والعمليات البحرية الأميركية اليونانية، أضف إلى ذلك تنسيق بحري فرنسي مصري يوناني في شرق البحر الأبيض المتوسط، وكل هذه التحركات تشير إلى أن التحالف العربي، بقيادة السعودية ومصر، قد توصل إلى إقامة ثلاثة محاور تقدم مترابطة لمواجهة التحديات في المنطقة:
التحالف العربي، الحلف المتوسطي، والجبهة “الإبراهيمية”.
ولكل محور دوره وأهدافه الاستراتيجية.
والسؤال: من سيتواصل مع هذه المحاور، ولو من دون إعلان رسمي في هذه المرحلة.
المملكة العربية السعودية
نجحت الرياض منذ بضع سنوات بأن تتموقع في وسط تقاطع محاور المقاومة ضد الانفلاش الإيراني والإرهاب التكفيري وشركائهما.
فهي قائدة في محور التحالف العربي تجلب إليه تأييد الدول المشاركة رسمياً، ودول عدة أخرى غير ظاهرة ولكنها داعمة كإندونيسيا، ونيجيريا، وتونس، والمغرب، وغيرها.
وهي أيضاً داعمة ومشاركة في التحالف المتوسطي، وأخيراً هي القوة المعنوية والاستراتيجية التي تستند إليها دول معاهدة “إبراهيم”، والسعودية تربط المحاور كلها مع حلفائها مصر والإمارات والبحرين في مربع صلب.
فما هي القوى الأخرى في المنطقة التي لا تشارك حكوماتها في التحالف، ولكنها متكاملة مع هذا الأخير؟
الأكراد
القيادات الكردية في شمال العراق وشمال شرقي سوريا لها أجنداتها، ومخاوفها، وحذرها، وأمنها القومي لصيانته، وعلاقاتها مع واشنطن، وتحركاتها وفق مصلحتها، ولكن، في العمق تعرف تماماً أن قواعدها الشعبية من أربيل إلى الحسكة تريد التوجه باتجاه التحالف الإقليمي ضد الإرهاب، والمجتمع في كردستان العراق، من أكراد وأقليات مشرقية يتطور باتجاه الحداثة وليس باتجاه الثقافة الخمينية والتكفيرية، شبابه ينظر إلى دبي وبيروت لا إلى طهران وقندهار.
وقد برهنت الأحداث أن “الحشد الشعبي” “الإيراني” يهدف إلى إسقاط كردستان استراتيجياً، لذا، وبالإضافة إلى الحماية الأميركية المحدودة، فالمربع الطبيعي لمصالحهم هو تجاه التعاون وربما التنسيق مع التحالف العربي والغرب، وبعض أوساطه مهتم بالمعاهدة “الإبراهيمية” أكثر منها بحركة “حماس” و”حزب الله”.
أما مجتمع شمال شرقي سوريا، ولا سيما الأكراد والأقليات، فهو قد برهن أيضاً بقتاله تنظيم “داعش”، وبرفضه الميليشيات الإيرانية في مناطقه، وبالطبع عبر تحالف قيادته مع الأميركيين محلياً، من هنا، فالقوى الكردية والأقليات المشرقية في “الهلال الخصيب” ستتجه طبيعياً إلى التواصل مع التحالف الإقليمي ضدّ الإرهاب، من جبال “زاغروس” إلى المتوسط.
العشائر العربية
هذه القبائل العربية، بدوية وحضرية، الممتدة من جنوب العراق إلى وسطه، إلى الأنبار، إلى بادية الشام، إلى بعض أنحاء لبنان، وإن انتمت قانوناً إلى ثلاث دول منفصلة، فهي متفاعلة مع بعضها البعض، ومع العمق العربي في الجزيرة، وتدفعها المخاطر المحدقة بها من حرس إيراني، إلى ميليشيات خمينية، إلى “داعش” و”القاعدة”، كما تدفعها مصالحها الإقليمية لكي تكون حليفاً طبيعياً للتحالف العربي المنطلق من الرياض.
المقاومة اللبنانية
الدولة اللبنانية تحت سيطرة “حزب الله”، وباتت جيوسياسياً جزءاً من المحور الإيراني، إلا أن أكثرية الشعب اللبناني باتت في محور مقاومة “الاحتلال الإيراني” الذي يجسده “حزب الله” على أرض الواقع. فمن “ثورة الأرز” التي أدت إلى خروج قوات نظام الأسد في 2005، إلى “ثورة أكتوبر” (تشرين الأول)، إلى مقاومة بعض المناطق لـ “حزب الله” أخيراً، فقد بات واضحاً أن خيار معظم اللبنانيين، وهو يتماشى مع الثقافة التعددية اللبنانية، أن يبنوا جسوراً مع التحالف العربي، ويؤيدوا معاهدة “إبراهيم”، ويتواصلوا مع الولايات المتحدة وفرنسا.
المعارضة الإيرانية
المعارضة الإيرانية الداخلية كانت، ولا تزال واضحة حيال النظام، فهي ترفضه، وإن لم تتفق بعد على البديل.
معظم الإيرانيين، فرساً وأقليات، يرفضون المشروع الإيراني في المنطقة، بالتالي يتحولون إلى شركاء للمجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، والتحالف العربي، ومجتمعات المنطقة.
وهذا ما أكدته المعارضة الخارجية لسنوات في مهرجاناتها.
الشركاء غير العلنيين
خلال الاحتلال النازي لأوروبا، كانت لمعظم الشعوب الأوروبية مقاومات وطنية تجهد للتحرير، وقد تضافرت جهودها مع الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة لسنوات قبل اندحار “المحور”، طبعاً لكل مرحلة تاريخية خصوصياتها، إلا أن التاريخ غالباً ما يعاود، ولو بطريقة مختلفة.
فما يبدو بارزاً هو توسع دائرة الشركاء غير المرئيين للتحالف العربي المتوسطي، الساعي إلى الاعتدال والسيادة والسلام.
نقلاً عن أندبندنت عربية