كتب/ شكري حسين
إلى ما قبل انطلاق منافسات دوري كرة القدم لأندية الدرجة الأولى في نسخته الأخيرة، لم يكن فحمان أبين في دائرة الترشيحات لإحراز اللقب، ولم يكن تحت أعين الرصد ومجهر المتابعة، لكنه وبدرع العزيمة استطاع وفي فترة وجيزة، أن يحول البوصلة إليه، لوقوفه على عدة عوامل، أولها وليس آخرها، أنه أمتلك الإرادة والتصميم لأثبات وجوده فتمكن من صنع التاريخ وكتابة أسمه في ذاكرة كرة القدم اليمنية، ودواوين بطولاتها المتعددة.
لم يقف فحمان وهو يخوض غمار منافسات الدوري لهذا العام، على رصيد كبير من البطولات والإنجازات وخزينة ممتلئة بالأموال والامكانيات كغيره من الفرق المشاركة، ولم تصاحب مشاركته صخب إعلامي وصولجان كما هو حال أقرانه، لكنه أمتلك شباب تشربوا الصلابة والعنفوان من الجبال السود في مودية وارتشفوا حليب الإجادة من الماء المخلوط بملح الأرض في أبين العزة والشموخ، ومارسوا الحب والعشق للرياضة على ترابها الممزوج بروث البهائم في أرض النقاء والوفاء: (دثينة الفخر والإباء).
أمتلك فحمان جهاز فني مقتدر ورائع بقيادة الكابتن محمد حسن البعداني، الرجل الذي استطاع أن يشكل توليفة جميلة ومتفاهمة، غرس في نفوس لاعبيه حب الفانيلة والشعار الذي يحملونه ونقل إليهم خصال وجينات الأقدام والشجاعة التي يمتلكها ولسان حاله: (“هم يمتلكون المال ونحن لدينا الرجال)، فليس فينا ومنّا من يشعر بالخوف والجزع أو يعتريه الخذلان، فمن كان معي فأهلًا ومرحبًا، ومن يشعر بغير ذلك فليس له مكان عندي) فجعلهم أشبه بكتيبة محاربين في ساحة وغى وميدان حرب ونزال.
يحسب لفحمان، إنه أمتلك إدارة واعية ليس لديها أرصدة “بنكية”، تتكئ عليها ولا أموال تتدفق على خزائنها، لكنها تمتلك حب الانتماء للأرض والكيان، أبت إلا أن تكون في مقدمة الصفوف لا في آخرها، رفعت راية التحدي وأعلنت الاستنفار فحولت الضعف إلى قوة، والانكسار إلى فلاح وانتصار وعزة، والتجاهل والتغاضي، إلى صورة باهية مكتملة الأركان.
يحق لأبين، المحافظة المكلومة بكثير احزانها وتعدد مصائبها، أن تفرح بفرسانها الجدد (شباب فحمان)، لها أن تتذكر بفخرٍ صولات وجولات فارسها الأول حسان، لها أن تستعيد وتستذكر أناشيد صباحاتها الجميلة وأهازيج عمالها في مزارع الموز والدلتا وأصوات الجرارات فيها، وتغني برائعة العطروش (بالله أعطني من دهلك سبوله واشارح، وهيب هيب هيبه، هيبة، يا سواعدنا القوية).
لها أن تتذكر أهازيج الصيادين في شقره والشيخ سالم وأحور وهي تمخر عباب البحر بدعة وأمان راجية الرزق من الرازق الوهاب، لها ان تستعيد شريط ذكريات ليالي السمر والشرح في أمصره وأمعين ولودر على وقع كلمات احد شعراء ريف مودية حين انشد:
(قال: بو رعد بكرة بايدور الزمن ***** قولوا لصنعاء اليمن يا ويلها من دثينة).
لها أن تستبدل أصوات المجنزرات وروائح البارود والدم وسماع شيلات الحرب والدمار وتعابير البؤس والعبوس على وجوه أبنائها، بصور الحب والسلام والفرح والجمال، لها ان تشدو مع عصافيرها وهي تداعب برقة وحنان أغصان مزارعها الفسيحة، لها أن تخلع ثوب الحزن الذي جثم على صدرها طويلًا، وتستبدله بالافراح والليالي الملاح.
مرحى فحمان، ومرحى لأنصاره في أبين وخارجها، “وهيب هييب هيبه، يا سواعدنا القوية”.