عيسى نهاري
عندما تأخذ نظرة سطحية على مشاريع صندوق الثروة السيادي في السعودية، ستجد استثمارات جاذبة للأضواء تبدأ من عوالم السياحة والاستدامة في نيوم والقدية ولا تنتهي عند جدالات الدوري الإنجليزي. لكن الصندوق السعودي ما زال يوسع من نطاق استثماراته التي تعكس احتياجات البلاد في المستقبل، ومن أحدث هذه المشاريع مصنع للإلكترونيات الدفاعية.
المصنع الواقع في ضواحي العاصمة الرياض، يصفه المسؤولون السعوديون بـ”جوهرة التاج” للصناعة العسكرية الناشئة في السعودية، كونه يتماشى وفق صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، مع رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتنويع مصادر الدخل في البلاد، وزيادة الإنتاج المحلي إلى 50 في المئة من إنفاقها الدفاعي.
ويتبع المصنع لشركة “الإلكترونيات الدفاعية المتقدمة” التي تنتج أجزاء من القنابل والطائرات من دون طيار، وتدعم استثماراتها مساعي البلاد الأخيرة لتوطين التقنيات العسكرية.
السيادة والاكتفاء
بالنظر إلى إنفاق السعودية الضخم على مبيعات السلاح، فإن التفاتها إلى تعزيز الصناعات العسكرية المحلية هو الواقع الطبيعي لبلاد تنفق ما بين 50 و70 مليار دولار سنوياً على التسليح، مما يجعل ميزانيتها الدفاعية ضمن أعلى ميزانيات الدفاع عالمياً.
لكن الطموح السعودي في الاعتماد على الصناعات المحلية في المستقبل يستمد أهميته من توقيته في ظل قيادة الرياض تحالفاً ضد ميليشيا الحوثي الموالية لإيران التي تستهدف المدن والمنشآت الحيوية في السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة، ناهيك بالضغوط التي تواجهها مبيعات السلاح الأميركية للسعودية ومحاولات منعها في الكونغرس أو تأخير إجراءاتها.
وتعول السعودية على شركة الصناعات العسكرية “سامي” التي أسسها صندوق الاستثمارات العامة السعودي، في النهوض بقطاع التصنيع العسكري، وزيادة المحتوى المحلي من المنتجات والخدمات العسكرية، إذ وقعت الشركة منذ تأسيسها عام 2017، مذكرات تفاهم مع شركات سلاح أميركية وروسية وفرنسية، سعياً لتحقيق أهدافها المتمثلة في رفع مساهمة الصناعات العسكرية في الاقتصاد بشكل عام.
ويذكر وليد أبو خالد، الرئيس التنفيذي لشركة “سامي”، بأن أحد أسباب تأسيس الشركة هو تحقيق السيادة والاكتفاء الذاتي، إضافة إلى تجنب التأخر الناتج عن إصلاح المنتج وصيانته، إذ قد تصل مدة انتظار قطع الغيار عامين. وأضاف، “هناك حاجة ماسة لتعزيز القدرات العسكرية والاكتفاء الذاتي وتقوية النظم الدفاعية في منطقتنا، بما في ذلك السعودية”.
توطين التقنية
وأبرز ما تحتاجه شركة “سامي” لتحقيق أهدافها الطموحة هو أن تنقل شركات الأسلحة عمليات الإنتاج والصيانة إلى السعودية، إذ يقول رئيسها التنفيذي “كل شركائي يعرفون أن الأيام الخوالي قد ولّت”، في إشارة إلى الآلية المعمول بها في الماضي، حين كانت الشركات المصنعة تأتي لتوقيع العقود ومن ثم تسليم الأسلحة من الخارج، من دون المساهمة في المحتوى المحلي.
ويضيف أبو خالد بأن التحول الجديد سيجبر اللاعبين الكبار في القطاع على التفكير بشكل مختلف، وإدراك الحاجة إلى العمل مع “سامي”، أو شركاء محليين سعوديين آخرين، للفوز بعقود السلاح، مؤكداً أن الفرصة متاحة أمام مصنعي المعدات الأصلية لبناء منشآتهم الخاصة في السعودية.
وينطوي هذا التحول ضمن رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي قال في عام 2017 إن بلاده لن توقع صفقة سلاح لا تشمل محتوى محلياً، مؤكداً أنها ستركز على “رفع المحتوى المحلي في الصناعات العسكرية” و”دعم قطاع التصنيع العسكري”.
وباتت الشركة السعودية للصناعات العسكرية بصدد تجميع مروحيات “بلاك هوك” التابعة لشركة لوكهيد مارتن الأميركية، داخل السعودية بعمالة محلية، إضافة إلى مركبات مدرعة بالشراكة مع شركة إماراتية. وتجري الشركة السعودية التي تضم أقساماً خاصة بالطيران، والأنظمة الدفاعية، والصواريخ، محادثات مع شركات أخرى.
وعن التصنيع بشكل كامل، قال أبو خالد إن “الشركات والدول الأخرى استغرقت ما بين 30 و50 عاماً للقيام بذلك…” الأمر الذي يحتّم التعاون الدولي والنظر في عمليات الاستحواذ، لكنه أشار إلى أن إحدى أولويات شركة “سامي” إنشاء نظام دفاعي بطائرات من دون طيار.
من جانبه، قال تشارلز فورستر، محلل قطاع الشرق الأوسط والميزانيات في شركة جينيس للاستشارات الدفاعية، إن “السوق السعودية أكبر من أن تفوتها صناعة الدفاع الأجنبية”. وأضاف “السعودية بالنسبة إليهم أكبر من أن يتجاهلوها”، مشيراً إلى إنفاقها الكبير على الأسلحة.
وتملك السعودية واحدة من أكبر ميزانيات الدفاع في العالم، إذ أنفقت العام الماضي 57 مليار دولار على صفقات السلاح، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، لكن البلاد باتت تسعى إلى استثمار أموالها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال توطين التقنيات العسكرية وتحفيز الشركات على فتح مصانع داخل السعودية.
المصدر : أندبندنت عربية