كتب : عماد الدين الجبوري
مضى عقد من الزمن وما زالت المفاوضات النووية مع إيران تراوح بين خطوة نحو الأمام وأخرى إلى الوراء، وعلى هذا المسار المضطرب وصلت خطواتها التفاوضية الآن إلى الجولة السابعة في فيينا التي انطلقت بتاريخ 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد خمسة أشهر من انقطاع مناقشة العودة المتبادلة إلى الصفقة لكل من الولايات المتحدة وإيران.
وكان الاجتماع تجاوز قليلاً الساعتين، فقال المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف، إن الجولة بدأت بنجاح، وقال رئيس الوفد الإيراني علي باقري، إنه متفائل بعد جلسة المحادثات. ومع ذلك، فإن المراقبين والمحللين يتوقعون فشل هذه المحادثات، لأن الأشهر الماضية سمحت بتجذر عقبات جديدة، وأن المسائل المطروحة لإحياء اتفاق 2015 معقدة للغاية.
لذلك، في المؤتمر الصحافي، قال رئيس وفد الاتحاد الأوروبي في المفاوضات، إنريكي مورا، إنه متفائل بشأن اليوم الأول للمحادثات لكنه لا يعتقد أنه سيتم التوصل إلى أي انفراج في الجلسة الأولى.
فإيران مصرة على مطالب رئيسة، أولها رفع شامل للعقوبات الأميركية المفروضة عليها، وثانيها ضمان التزام الدول الغربية بعدم انتهاك الاتفاق والتخلي عنه مرة أخرى، وثالثها وضع آلية تنفيذية للتحقيق من رفع العقوبات القاسية.
وفي حين تواصل الولايات المتحدة طرح شروطها التي تراها تخدم أمنها القومي وترمي إلى استقرار الشرق الأوسط، منها الكشف عن البرنامج الصاروخي الإيراني، ووقف إيران سلوكها المزعزع للاستقرار، وإجراءات مراقبة صارمة للمفاعلات النووية، وغيرها من الشروط. وعقب انتهاء الاجتماع الأول في فيينا، قالت وزارة الخارجية الأميركية، إن “استمرار إيران بالتصعيد النووي ليس بنّاء ويتعارض مع هدف العودة للاتفاق النووي”.
خيارات أخرى
ما بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي يقول، إن “إيران لن تتراجع بأي شكل من الأشكال في الدفاع عن مصالحها”، والرئيس الأميركي جو بايدن الذي يشير إلى استعداد الولايات المتحدة لرفع العقوبات إذا أوقفت إيران خروقاتها، وعلى الرغم من استئناف المحادثات الحاسمة مع إيران لمنع انهيار الاتفاق النووي في فيينا، فعلى الأرجح أنه آيل إلى طريق مسدود والعودة إلى المراوحة مجدداً، إذ إنه خلال جلسات اليوم الثاني من المحادثات، قال مصدر إيراني مسؤول، إن لدى بلاده خيارات أخرى في حال فشل التفاوض، والأطراف الأخرى تعلم ذلك. وأضاف “نرفض الاتفاق المؤقت في فيينا لأنه يتعارض مع مصالحنا ويقيد برنامجنا النووي”.
وقبل 24 ساعة من بدء محادثات الاتفاق النووي الإيراني، كتب الصحافي الكندي – الإيراني شهيد سالس مقالة في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، يشير فيه إلى أن نسبة مخاطر تصعيد الصراع بين الولايات المتحدة وإيران ربما تقود إلى الحرب. وبحسب تصوره، حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق في هذه الجولة “فإن العداء المتبادل بين واشنطن وطهران وتحركات خامنئي لعرقلة الانفراج مجرد مسألة وقت، قبل أن يصبح الاتفاق النووي غير مستقر وينهار مرة أخرى”.
كما أوضح الصحافي الكندي – الإيراني أن المسافة بين المتشددين في طهران وإدارة بايدن واسعة للغاية، وأن خامنئي الذي يقود المتشددين، وبوقوف الحرس الثوري الإيراني إلى جانبه، فإن العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي خطوة غير مبررة بالنسبة إلى قاعدتهم الاجتماعية. أي لا يمكن تحقيق الاتفاق النووي الجديد من دون استجابة للمطالب الإيرانية الرئيسة.
وكذلك قبل 48 ساعة من بدء جولة المحادثات الجديدة، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي رفض بلاده للتهديدات الأميركية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن “منشأة كرج” النووية. وكشف إسلامي عن المفاوضات المقبلة في فيينا لن تدور حول القضايا النووية بل ستركز على ضرورة التزام الطرف المقابل بالاتفاق النووي.
وكان البيان الأميركي الموجه إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، جاء فيه أنه لن يكون أمام المجلس خيار سوى معاودة الاجتماع في جلسة استثنائية قبل نهاية العام للتعامل مع الأزمة، خصوصاً في مسألة إعادة تركيب آلات التصوير للوكالة الدولية في “منشأة كرج” النووية، التي تصنع أجزاء لأجهزة الطرد المركزي المتطورة في تخصيب اليورانيوم.
أما رئيس البعثة الإيرانية لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد رضا غائبي، فادعى أن الوكالة لم ترد بالشكل المناسب على النهج البناء والإيجابي الذي اتبعته طهران، معتبراً أن ذلك من شأنه أن يعيق التعاون المستقبلي بين الطرفين.
مواقف إيجابية
وفي هذا الصدد قال مفوض السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، إنه تحدث إلى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قبيل بدء الجولة المقبلة. وعلى الرغم من التوقعات في فشل هذه الجولة التفاوضية الجديدة مع إيران، فإن بوريل يرى، أنه يمكن التوصل إلى اتفاق جيد وفوري بشأن برنامج إيران النووي إذا كانت بقية الأطراف مستعدة لرفع العقوبات وتنفيذ الاتفاق.
وعن رفع العقوبات، أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية في 12 نوفمبر الماضي، أن إحدى الدول أفرجت عن 3.5 مليار دولار من الأموال الإيرانية المحتجزة بفعل عقوبات واشنطن على طهران، من دون الكشف عن تلك الدولة.
آمال ضعيفة
وعلى ما يبدو من سياق الموقفين الأميركي والإيراني، فإن الأولوية بالنسبة لإيران في الجولة السابعة من المحادثات، هي أن يكون التركيز على رفع العقوبات والحصول على ضمانات والتحقق من التزامات الطرف الآخر، وليس بما يخص قضايا مراقبة المفاعلات النووية ومتابعة تخصيب اليورانيوم، الذي قفزت نسبته من 3.67 في المئة وفق الاتفاق المبرم، إلى 20 في المئة، بل وصل التخصيب إلى مستويات متفاوتة، أعلاها نحو 60 في المئة. وعلى العكس تماماً يكون الموقف الأميركي.
وهذا يعني، أن الجولة السابعة من محطات المحادثات النووية لن يتحقق منها الشيء الكثير، خصوصاً أن إيران ترفض “الاتفاق المؤقت”. وبذلك، ستكون هناك جولات مقبلة وفق حالة دوران متوال.
وبصراحة واضحة، فإن إيران تسعى بكل السبل للحصول على سلاح نووي، إذ ترى فيه ضماناً لبقاء نظامها السياسي ومشروعها التوسعي في المنطقة، مع أن حقائق الأمس القريب أثبتت العكس، إذ شاهدنا انهيار الاتحاد السوفياتي من دون أن تسعفه ترسانته النووية، التي كانت الأضخم في العالم. فالقوة لا تعني الجانب العسكري وحسب، بل الاستقرار السياسي والبناء الاقتصادي والتماسك الاجتماعي تشترك في بنية الدولة القوية، وإيران لا تمتلك مثل هذه المواصفات، وأن عقود السنين الماضية أثبتت أن نظام الحكم الديني الطائفي فيها فاشل، ومرفوض داخلياً وخارجياً.
وبصراحة أكثر، لولا المرونة الغربية ذاتها ما وصلت إيران إلى هذا المستوى من السجال التفاوضي العقيم، وإن رضوخ إدارة بايدن للوفد الإيراني الذي يرفض التفاوض المباشر مع الوفد الأميركي المعزول في فندق آخر، فيه إهانة مبطنة. كما أن وقائع الجلسات الحالية تشير إلى جولات تفاوضية مقبلة، ولا أحد بمقدوره التكهن بالنتائج الأخيرة لتنتهي القصة لصالح إيران أو ضدها.
نقلاً عن أندبندنت عربية