توفيق علي
في حين تعيش اليمن واحدة من أعقد وأصعب فتراتها السياسية والاقتصادية جراء الحرب الدائرة منذ نحو سبع سنوات، تشهد دبلوماسية البلد شللاً في نطاق مجالها الخارجي المفترض أن تشغله في ظل تحديات جمّة، تحول دون إبراز قضية البلد الغارق في الدماء والدمار وما تحفل به من متطلبات سياسية وإنسانية ملحة، ليست تداعيات الانقلاب الحوثي ـ الإيراني، إلا واحدة من تجلياتها.
وعلى الرغم من المنعطف التاريخي الذي يتهدد الدولة اليمنية ونظامها السياسي، إلا أن قنوات الخارجية الرسمية ظلت عرضة للسخط الواسع، واعتبر مراقبون أنها قد تحولت إلى قطاع مكافأة نهاية الخدمة، واستغلالها لتعيين أقارب وأصدقاء كبار مسؤولي الدولة الذين لا يملكون أي خبرة في العمل الدبلوماسي، فيما يعمل الحوثيون، بالمقابل، على كسر حواجز العزلة الدولية التي كانوا يعيشونها.
سلطة أمر واقع
ففي فبراير (شباط) 2019، التقى متحدث الميليشيا الحوثية محمد عبد السلام في بروكسل، وعلى مدى ثلاثة أيام، بعددٍ من مسؤولي الاتحاد الأوروبي بناءً على دعوة رسمية من البرلمان الأوروبي، لمناقشة الأزمة اليمنية، اعتبره مراقبون حينها، توجهاً جديداً من قبل أوروبا للتعامل مع الحوثيين مباشرة كسلطة أمر واقع، بعد ست سنوات من هشاشة وفشل دبلوماسية الحكومة الشرعية التي عملت على النقيض وقدمت نفسها بصورة سيئة للعالم.
كشف الحقيقة
ومع مجيء أحد أبرز الشخصيات اليمنية قرباً من الرئيس عبد ربه منصور هادي، وزير الخارجية، أحمد عوض بن مبارك، الذي برز نشاطه الدبلوماسي بقيامه بجولات مكوكية لا تهدأ، أزاحت السلبية السياسية مع الخارج على صعيد “التواصل الفعال” مع شركاء الشرعية الدوليين، إضافة لما يتطلبه من جهد يحشد الدعم العاجل لملايين الجياع والمشردين اليمنيين في أصقاع الأرض، فضلاً عن الجهد السياسي الذي يقابل المآلات الصعبة التي فرضتها تداعيات الانقلاب الحوثي، ومواجهة حراك مناوئيها في صنعاء الذين يقدمون أنفسهم للمجتمع الدولي كسلطة “أمر واقع”، رهنت الحل والمخرج من الكارثة الإنسانية والاقتصادية والسياسية في اليمن بمجرد الاعتراف بها والتعامل المباشر معها.
وإزاء ذلك، قال وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك في حديث لـ “اندبندنت عربية”، إن ما “تقوم به الدبلوماسية اليمنية بنقل معاناة أبناء شعبنا اليمني جراء الانتهاكات الجسيمة للميليشيات الحوثية في كافة المحافل والعواصم الدولية، نجح مؤخراً في تغيير المواقف على المستوى الدولي واتخاذ إجراءات مختلفة إزاءها”.
وأوضح أن الدبلوماسية اليمنية تعمل بنشاط فاعل وتوضح للعالم “عدوان وإجرام هذه الميليشيات ومحاولاتها لتزييف الحقائق، وتقوم بالتصدي لكافة الدعايات والتضليل المغرض الذي تروج له الميليشيات الحوثية بمساعدة وإسناد من داعمها الرئيسي النظام الإيراني وأذرعه المختلفة”.
أول الغيث… عقوبات
وفي هذا الاطار، استدل بن مبارك باتخاذ المجتمع الدولي فرض عقوبات على عدد من قادة وزعماء الميليشيا الحوثية، سواء تلك التي أقرها مجلس الأمن أخيراً أو بعض الدول بشكل مستقل، مثل الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، “ومع ذلك فنحن نحرص بشكل مستمر على رفع أداء البعثات وتعزيز دور الدبلوماسية اليمنية”.
تغيّر المواقف الدولية
وفي تقييمه للموقف الدولي من الحوثيين في ظل اتهامات لممارسات ابتزاز دولي للشرعية ودول التحالف العربي، كشف الوزير اليمني عن “تغيّر في الموقف الدولي تجاه هذه الميليشيات وهو ما نلمسه مؤخراً في تصريحات ومواقف بعض الدول خصوصاً المنخرطة منها برعاية الحل السياسي في اليمن”، ولكن مع ذلك “ما زلنا نرى أن هنالك الكثير مما يمكن فعله، وأن هذه المواقف ما زالت تحتاج إلى ترجمة فعلية على الأرض، بإجراءات أقوى تعمل على زيادة الضغط على الميليشيات وداعمها النظام الإيراني لوقف عدوانها وتصعيدها العسكري ضد المدنيين، وتنبذ أسلوب العنف والتطرف الذي تستخدمه ضد أبناء الشعب اليمني، وتجنح للقبول بالسلام العادل والمستدام المبني على المرجعيات الثلاث”.
مشهد يتبدل
ولعل أبرز المعالجات المنتظرة أمام بن مبارك الذي كان سفيراً لدى واشنطن، خلال الفترة من منتصف العام 2015 وحتى نهاية العام الماضي، شغور عدد من السفارات من منصب السفير في دول كبرى ومؤثرة كالولايات المتحدة والصين وتركيا وإسبانيا واليابان وإثيوبيا، في حين عُين ناطق الحكومة الرسمي، راجح بادي، مطلع الأسبوع الحالي، سفيراً لدى قطر، للمرة الأولى منذ ست سنوات، في إطار ملء هذا الفراغ.
ولتفعيل جهاز وزارته وزيادة فاعليتها دولياً، قال نؤمن إن هناك دائماً فرصة للتحسين وتقديم المزيد، وهو ما تعمل عليه وزارة الخارجية من خلال تعزيز الأداء في مختلف بعثاتها، وتدريب الكوادر الدبلوماسية، بالإضافة إلى تطعيم البعثات بالكفاءات الدبلوماسية بما يحقق أهداف الشرعية اليمنية في معركتها ضد عدوان وجرائم هذه الميليشيات.
أوروبا أولاً
ويؤكد المسؤول اليمني أنه ركز خلال الأشهر الماضية على تحسين الأداء الدبلوماسي في أوروبا، ولتحقيق ذلك جرى “إعداد خطة للتحرك على أساس علمي مبني على رؤية واقعية بعد دراسة الموقف الأوروبي من الأزمة اليمنية بأبعاده المختلفة، وبناءً على ذلك تم توحيد العمل الدبلوماسي للسفارات اليمنية وفقاً لآلية مؤسسية تضمن أداء فعال ومستدام”.
رغبة دولية لإحلال السلام
وأبرز ما استخلصه وزير الخارجية اليمني من نشاطه الدبلوماسي في الفترة الأخيرة إزاء دعوات السلام، وتصعيد الحوثيين العسكري تجاه مأرب وشبوة وغيرها من المدن، “الزخم المتواصل الرامي لإنهاء الحرب التي أشعلتها الميليشيات الحوثية ضد أبناء الشعب اليمني كافة، وما لمسته خلال لقاءاتي واجتماعاتي المختلفة التي عقدتها في عدد من العواصم العربية والعالمية، هو الرغبة الصادقة والحقيقية من هذه الدول لدعم الحكومة الشرعية وإحلال السلام في اليمن”.
التعنت الحوثي
ويضيف “أثبتت الحكومة للمجتمع الدولي جديتها في دعم كافة الجهود والمبادرات السياسية التي قدمت من مختلف الأطراف لغرض إنهاء الحرب في اليمن، كما قدمت التنازلات المختلفة للوصول لحل يحقن دماء الشعب اليمني”، وفي المقابل أصبح العالم “مدركاً على وجه اليقين أن من يعيق التوصل للسلام ويطيل من أمد الأزمة الإنسانية في اليمن، هو تعنت الميليشيات الحوثية واستمرار عدوانها العسكري ضد أبناء اليمن كافة ورفضها المبادرات المطروحة كلها”.
وعلى الرغم من “هذا التعنت الذي يتحمل تبعاته أبناء شعبنا الذين يتوقون لإنهاء الحرب والعيش بسلام، ولكن الطبيعة العدوانية لهذه الميليشيات تقف حجر عثرة أمام حلم اليمنيين بوطن آمن ومستقر ينعم فيه كل المواطنين بالعدالة والمساواة والحرية”.
عبء السلام
وعلى الرغم من انسداد آفاق الحل السياسي الذي يتوق اليمنيون لرؤيته في نفق الحرب المظلمة، إلا أننا “كحكومة نحمل على عاتقنا عبء تحقيق حلم اليمنيين بالسلام، ولهذا نعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على بحث كل الإمكانيات الممكنة لإنهاء حرب الميليشيات الحوثية وإحلال السلام في اليمن وإنهاء معاناة شعبنا”.
المصدر : أندبندنت عربية