رفيق خوري كاتب مقالات رأي
ليس في البيان السعودي- الفرنسي مفاجأة لأحد، باستثناء الطرف الذي يعمل لقطع لبنان عن العرب والغرب في خدمة مشروع إمبراطوري إيراني. ولا في خريطة الطريق التي رسمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون في محادثات جدة، ما لم يطلبه اللبنانيون والعرب والعالم. من تطبيق القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 إلى حصر السلاح في يد الدولة. ومن الإصلاحات المالية والاقتصادية إلى احترام “اتفاق الطائف” كضمان للوحدة الوطنية والعيش المشترك. من الحرص على ألا يكون لبنان “مصدراً لأي عمل إرهابي يزعزع الاستقرار في المنطقة ولتصدير المخدرات، إلى الحفاظ على السيادة. ومن التشدد في مراقبة المعابر والمرافق الشرعية براً وبحراً وجواً، إلى إغلاق المعابر غير الشرعية. وهذه ليست شروطاً لفتح الطريق إلى علاقات لبنان مع أشقائه في السعودية ودول الخليج، فالطريق مفتوح، بل هي تذكير بالحاجة إلى إزالة الحواجز التي تضعها جماعة “الممانعة” على الطريق.
والترجمة العملية لذلك ليست عودة لبنان إلى العرب، فهو هناك وهم هنا، بل عودة لبنان إلى نفسه.
ذلك أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان خاطب اللبنانيين من باريس وفي بيروت بمعادلة واضحة: “ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”. وشخّص وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان العلة بقوله إن “السبب الرئيس لمشكلات لبنان هو إصرار حزب الله على فرض هيمنته. والأزمة في لبنان لا في العلاقات مع المملكة”. لكن الكل يعرف أن الظروف الضاغطة على اللبنانيين تجعلهم يكملون معادلة لودريان بمعادلة ثانية هي: ساعدونا لنساعد أنفسنا.
وكما في لبنان كذلك في العراق. هناك يقول وزير الخارجية فؤاد حسين إن “خرق السيادة ليس فقط حين تهاجم دولة الأراضي العراقية، فالخرق الخطير هو خطف القرار العراقي”.
وهنا، فإن المخطوف ليس فقط قرار الحرب والسلم وإدارة اللعبة الداخلية بل أيضاً لبنان لضمه إلى “محور الممانعة” بقيادة إيران. والأخطر هو أن لبنان صار بلد “استيراد وتصدير” لزعزعة الاستقرار. فما يقوم به “حزب الله” نيابةً عن جمهورية الملالي هو تحويل لبنان جبهةً أمامية في “محور الممانعة”، والانخراط في حرب سوريا والتدخل في العراق ومساعدة الحوثيين في حرب اليمن وأمور أخرى. وما يراهن عليه ليس الخروج من أزمة العلاقات مع السعودية ودول الخليج بل التسبب بالأزمة وتصعيدها وتوظيفها في إخراج البلد من المدار العربي.
والمفارقة كبيرة: مطلوب من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي يسيطر عليها “حزب الله”، دفعه إلى التخلي عن سلاحه ودوره في مشروع “ولاية الفقيه”. وأمامها في مواجهة التحدي ثلاثة أنواع: ممكن، وصعب، ومستحيل.
الممكن هو تشديد الرقابة على التهريب، وإجراء إصلاحات شكلية.
والصعب هو إنهاء الإنقلاب على الطائف، بحيث نعود إلى الخروج من الباب الأمامي الذي رسمه الطائف، وهو تجاوز الطائفية على طريق الدولة المدنية، بدل جرنا إلى الخروج من الباب الخلفي الذي ينقلنا من الطائفية السياسية إلى المذهبية السياسية على طريق الدولة الدينية.
والمستحيل هو استعادة قرار الحرب والسلم وإقناع “حزب الله” بتسليم سلاحه للدولة والتخلي عن دوره الإقليمي في العمل للمشروع الإيراني الذي هو مبرر وجوده وتسليحه وتمويله.
وما كان من المفاجآت أن يصف وكلاء الاحتلال الإيراني للبنان البيان المشترك بأنه “انتداب سعودي- فرنسي” على لبنان.
نقلاً عن أندبندنت عربية