كتب : عبدالستار سيف الشميري
أتدرين، يا شمس ماذا جرى؟
سلبنا الدجى فجرنا المختبي!
البردوني
في داخله يكمن مخزون التحدي، يصنع قاموس أفراحه الخاص وينتزع بهجته من ركام الأحزان.
يصهر الصعب ويغالب المستحيل، يدرك بوضوح أن المتفائلين هم الذين يصنعون المجد لأمتهم.
يحاول أن يطير إلى المستقبل وجناحه مكسور، يشرق بالأمل ليمنح ذاته يقين الحب للحياة وإمكانية التغيير، ويرى زوايا السعادة رغم كل الكوارث.
يعلل نفسه ووجدانه بالآمال ويغني أهازيج الصبر والسلوان.
إنه الشعب اليمني الذي عبر عن كل ذلك في فرحته بحصول شبابه على بطولة غرب آسيا الأخيرة.
شعب ليس له مقاعد انتظار لحدوث معجزات كبرى تمنحه الفرحة أو تبدل أحواله، يقتنص الفرصة في ذات لحظة ما. لم تكن متوقعة فيلطف بها حياته ويعيد توازنه ويجدول حياته من جديد.
لم تكن تلك الفرحة الجامعة في الأيام الماضية مشهدا عابرا، بل حالة من حالات العلاج بالمعنى ورسالة ممزوجة بالغضب قبل الفرح.
إنها رسالة ليست مشفرة ولا ضمنية، بل واضحة شفافة عن مكنون الوجع والحاجة إلى قول “ااااح” بصوت مختلف وطريقة مختلفة.
لم تكن فرحة بل فرصة أو منحة كي يعبر عن هذا الوجع المرتل ويقول “ااااح” بلغة فريدة.
إنها تعبير عن حالة يمنية سئمت السياسة والحرب والجماعات والتنافر وحنت إلى الدولة والسلام.
لذلك كان التعبير عنها مميزا، اختلطت فيه دموع الفرح والحزن معا.. شعر بها كل اليمنيين حتى الذين هم في يسر من العيش ورغد من الحياة.
ذلك أنه قد يكون في حياتك بعض الأمل والتجديد على المستوى الخاص، فقد تتغلب على همومك وتكابد منغصات الأيام، لكن على المستوى العام الأمر أصعب من أن تسيطر عليه وتتدافع معه.
هناك يأس عام ومزاج جمعي حزين، هناك أكوام من المَلل والإحباط لا يجدي معه استخدام المضادات الحيوية كالقراءة والكتابة وغيرها.
صحيح أنه قد يخفف أحيانا، لكن تكرار الأحداث والوجوه المُنهكة بالبؤس والشقاء أمر موجع وباعث على الألم والتكيف الذاتي للفرد مع واقعه، يسرق منه عنوة بفعل الهم العام واحتراق الناس في المدن اليمنية الميتة والمغموسة بجحيم الحاجة والمرض والخوف.
فخلال سبع سنوات مضَت، تجمّدت خلالها الأمكنة والأزمنة، وتخلّقت في وجدانيات كل منا مفردات غريبة عن سجايانا وعن ملامح وجوهنا، فكانت هذه النسمة التي أشرقت فيها الحياة.
إنها حالة من حالات الاستشفاء بالمعنى، تحتاج إلى مزيد وإلى تتابع والى صناعة إنجازات في نواح مختلفة لشعب قادر ومستحق.
قد تمضي هذه الفرحة وتنسى ويعود الكابوس والملل من جديد وربما أننا سنتابع غفواتنا وهفواتنا لأعوام قادمة إذا لم تأت منح أخرى.
فالأجسام لها صلاحية انتهاء لكن الوطن قد لا ينتهي، لكنه حين يظل حبيس الحروب والأمراض ينتفي معناه وظله ويتناثر أبناؤه في بقاع الأرض يبحثون عن المن والسلوى والسلوان وينضدون معايشهم من جديد ولا يبقى من الوطن إلا أحاديث التاريخ وسجلات الحروب وذاكرة الأمكنة وبقايا مدن.
إن الفرحة الكبرى هي محط أنظار اليمنيين بالتحرير والدولة والسلام، وحتى ذلك الحين تبقى الآمال مشرعة لانتظار الفرحة الكبرى وعسى أن يكون قريباً.