عماد الدين الجبوري
استضافت عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض القمة 42 في 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، والتي تُعدّ الأولى بعد المصالحة في قمة العلا مطلع هذا العام، وسط منعطفات مفصلية تخص مستقبل المنطقة، منها استئناف المرحلة السابعة من مفاوضات الملف النووي مع إيران، وتراجع واضح من الجانب الأميركي تجاه التزامه أمن المنطقة، واستمرار الموقف الإيراني بزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط.
وبالقدر الذي استهدفت فيه القمة ما يخص الوضع الداخلي لدول مجلس التعاون الخليجي من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وتعزيز التواصل والتقارب مع بعضها البعض، ورؤية الملك سلمان بن عبد العزيز، التي أقرّها المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي عام 2015، وجهود الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وهو تجديد للمقترح الذي دعا إليه الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، فإن القمة الخليجية تناولت أيضاً الأوضاع الخارجية إقليمياً ودولياً، بخاصة ما يتعلق بالتدخل الإيراني في الدول العربية، العراق وسوريا ولبنان واليمن، واستمرار هجمات الحوثيين بدعم إيراني الذي يهدد الأمن الإقليمي، ومطالبتها بضرورة التزام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حسن الجوار، إضافة إلى تداول القضايا في فلسطين وليبيا وأفغانستان، والشراكة الاستراتيجية مع المغرب.
ومن أهم مقررات هذه القمة التأكيد على أهمية العمل والمصير الخليجي المشتركين، وضرورة مواصلة تفعيل مخرجات قمة العلا، التي أنهت خلافاً استمر لأكثر من ثلاثة أعوام بين قطر من جهة، وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى، إذ أن تعزيز المصالحة الخليجية يزيد من طبيعة الانسجام في اتخاذ القرارات المصيرية، لا سيما الانسجام الحاصل ما بين السعودية وقطر، وترؤس الأمير تميم بن حمد وفد بلاده إلى القمة الخليجية، فهذا الحضور غطى على فتور العلاقة ما بين قطر وكل من الإمارات والبحرين.
فالتطلع نحو تحقيق الوحدة الخليجية يسمو على أي خلاف جانبي عابر، خصوصاً بعد تأكيد قادة دول الخليج العربي في بيانهم الختامي، أن أي اعتداء يقع على أي من دول المجلس الست يعتبر اعتداءً على الجميع. كما أن تجديد هذا الموقف من قبل القادة الخليجيين نابع أصلاً من “المادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك” لدول مجلس التعاون الخليجي.
ومن أجل تحقيق وحدة القرار الخليجي، قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بجولة خليجية شملت دول المجلس كافة، وأجرى خلالها مشاورات مع قادتها تتعلق بما سيتم بحثه خلال القمة.
وفي كلمة بلاده التي ألقاها نيابة عن الملك سلمان بن عبد العزيز، قال ولي العهد السعودي إن المملكة تدعم الحلول السلمية لحل النزاعات في المنطقة، مشيراً إلى دعم جهود المبعوث الأممي لحل الأزمة اليمنية.
كما شدد على أنه “يجب التعامل مع البرنامجين الصاروخي والنووي الإيرانيين بما يحقق استقرار وأمن أسواق الطاقة العالمية”. وكذلك أشار إلى أهمية “استكمال بناء تكتل اقتصادي مزدهر لدول المجلس”.
في الحقيقة، إن مواقف دول المجلس ظهرت موحدة تقريباً بعد قمة العلا، وتجلت هذه الوحدة في الأزمة التي اندلعت بين السعودية ولبنان، بسبب تصريحات وزير الإعلام اللبناني المستقيل جورج قرداحي. وطالبت دول المجلس الحكومة اللبنانية بـ”منع حزب الله الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه للتنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دولية وإقليمية”.
وتجاه البيان الختامي الصادر عن القمة الخليجية، في اليوم التالي، ردّت إيران عبر المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده، في تصريح له، أن “عدداً قليلاً من الدول الأعضاء ما زالت تبدي مواقفها غير البناءة باسم مجلس التعاون”.
وأضاف أن “هذه الدول مطالبة بإعادة النظر في رؤيتها ومقارباتها تجاه القضايا الإقليمية واستبدال مسار الاتهامات المكررة بأسلوب التعاون”. وتابع “لا تتسامح إيران بأي تدخل في برنامجها النووي السلمي، أو برنامجها الدفاعي الصاروخي، أو الأمور المتعلقة بسياساتها العسكرية والدفاعية الرادعة”.
وإذ رفضت القمة الخليجية “استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، فإن بيان الخارجية الإيرانية أكد بالقول: “تدين الجمهورية الإسلامية الإيرانية أي ادعاء بشأن الجزر الثلاث وتعتبره تدخلاً في شؤونها الداخلية ووحدة أراضيها، وإن تكرار هذه المواقف والتدخلات بأي شكل من الأشكال مرفوض تماماً، ولن يكون له أي تأثير في الحقائق القانونية والتاريخية القائمة”.
وعلى أرضية الواقع، لا أحد يتوقع تغيّراً إيجابياً في السياسة الإيرانية، فهي على هذا النمط السلبي بالتوسع والإرهاب منذ عقود، فلها مشروعها الطائفي الذي ازدهر منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. ولكن يتوقع أن تتقدم دول مجلس التعاون الخليجي أكثر فأكثر بخطوات راسخة وثابتة نحو مزيد من العمل والتعاون المشترك لإنجاز التكامل الاقتصادي والوحدة الأمنية للمجتمع الخليجي والدفاع المشترك وغيرها.
وعلى الرغم من أن آلية هذا العمل والتعاون تجري بوتيرة بطيئة قياساً إلى الطموحات والتطلعات العالية، لكنها تتحرك بلا توقف إلى الأمام، لتذليل أية صعوبات تعيق أو تواجه عملية التنفيذ الميداني، ما يؤكد أن مستقبل المنظومة الخليجية ستزداد فيه الأهمية والدور على المستويات العربية والإقليمية والدولية.
نقلاً عن أندبندنت عربية