عماد الدين الجبوري
يوم بعد آخر، يزداد عدم الثقة بالتزام الولايات المتحدة الأمني في الشرق الأوسط، وفي المقابل استمرار إيران بزعزعة المنطقة ومد مشروعها الطائفي من جهة، والاقتراب أكثر نحو امتلاكها السلاح النووي من جهة أخرى. وهذا الأمر يدفع الداخل الأميركي بمطالبة إدارة الرئيس بايدن بالتحرك المضاد والفعّال.
ولقد وجهت أعداد غفيرة من السياسيين الأميركيين المرموقين وقادة عسكريين سابقين نداءً إلى جو بايدن، في 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بينهم ديفيد بترايوس، ليون بانتا، هوارد بيرمان، ميشيل فورني، جين هارمان، ديفيد روس، وآخرين غيرهم، يدعونه للتخلي عن الخيار الدبلوماسي في هذه المرحلة من المفاوضات النووية مع إيران والشروع في سلسلة من العمليات العسكرية المحدودة ضد البرنامج النووي الإيراني، من أجل إيقاف تقدم إيران نحو القنبلة النووية.
ويرى الموقعون على هذا النداء، أنه من أجل إنقاذ التحركات الدبلوماسية التي تحاول حل الأزمة، من الضروري إعادة بناء الخوف لدى الإيرانيين من أن هذا المسار الحالي سيؤدي إلى استخدام القوة ضدهم من قبل الولايات المتحدة، إن التحدي اليوم هو تجديد مصداقية واشنطن في نظر إيران.
وبيّن الموقعون أيضاً، أن تلك الإجراءات يجب أن تشمل مناورات عسكرية تقوم بها القيادة المركزية الأميركية بالتنسيق مع حلفاء واشنطن في المنطقة.
كما يجب أن تشمل تلك المناورات غارات جوية على أهداف أرضية وتدمير بطاريات الصواريخ الإيرانية. وبذلك، ستبين تلك المناورات للإيرانيين ما ينتظرهم إذا واصلوا تقدمهم النووي.
ويقول الموقعون على النداء، إن على إدارة بايدن تزويد الحلفاء في المنطقة بوسائل دفاعية تساعدهم في مواجهة الأعمال الانتقامية الإيرانية، بما لا يقل أهمية عن ذلك هو الوفاء بالوعود الأميركية في الرد عسكرياً على هجمات الطائرات المسيّرة، والسيطرة الإيرانية على السفن التجارية وقتل البحارة.
وفي اليوم ذاته من إعلان النداء، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً جاء فيه، أن هناك أربع شبهات تحوم حول “الأبعاد العسكرية المحتملة” في أنشطة إيران النووية، ثلاثة منها تتضمن جزئيات يورانيوم تم اكتشافها في مواقع لم تعلن إيران أنها منشآت نووية، وهي “تركوز آباد” و”فارامين” و”ماريفان”. وعلى هذا الأساس، اقترحت الصحيفة على إدارة بايدن مطالبة وكالة الطاقة الذرية الحكم في هذه الشبهات الأربع.
كما أوضحت الصحيفة أيضاً، أن “إيران لم يردعها تهديد بايدن المصوغ بلطف”، معتبرة أن “عجز واشنطن عن ردع إيران مقلق مع تجاوز إيران مستويات التخصيب”.
وكذلك على هذا النمط، وفي اليوم نفسه أيضاً، وقع سبعة من أبرز الخبراء الأميركيين في مجال الأمن القومي بياناً، قدموا فيه تقييماً صارماً بشكل خاص للمفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران بحجة أن الدبلوماسية بين البلدين “تبدو وكأنها تتراجع”، بينما طهران “تتحرك بنشاط نحو القدرة على الحصول على الأسلحة النووية”.
كما طالبت هذه المجموعة المميزة إدارة الرئيس بايدن، باستعادة “دبلوماسية التخويف” مع طهران، والاستعداد لاستخدام القوة العسكرية بشكل واضح ضد التقدم النووي الذي تحرزه إيران، إذا لزم الأمر”. وحذروا من أن “إيران تجاوزت الخط الأحمر في الملف النووي”.
وأضافوا في بيانهم بالقول، بينما اعترفت الولايات المتحدة بحق إيران في الحصول على طاقة نووية مدنية، يستمر سلوك طهران في الإشارة إلى أنها لا تريد فقط الحفاظ على خيار الأسلحة النووية، لكنها تتحرك بنشاط نحو تطوير تلك القدرة.
كما ذكر البيان تصريح المدير العام للرابطة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الذي قال “إن قرار إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، وإنتاج معدن اليورانيوم ليس له أي غرض مدني مبرر”.
وتجاه هذا الحراك في الداخل الأميركي، فإن إيران قامت بمناورة عسكرية في 20 الجاري، وعلى مقربة من المفاعل النووي في المنطقة الجنوبية، وأياً كانت رسالة إيران للولايات المتحدة خاصة، وإلى الغرب عامة، سواء بتعزيز موقفها في المفاوضات النووية، أو أنها تملك من القدرة والأسلحة المتطورة في التصدي لأي هجوم عليها، فهو عمل استعراضي وفق المشهد العام على الساحة ليس إلا.
إن نهج سياسة الرئيس جو بايدن تجاه إيران هي امتداد عام إلى سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما (2009-2017)، إذ تتميز بالمرونة واللين وتفضيل المصالح الأميركية الإيرانية، التي لا تشكل 10 في المئة من أهمية المصالح الأميركية العربية، لكنها الرؤية القاصرة وما يتولد عنها من رخو واضح ومقصود للالتزام الأمني الأميركي في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن الحراك النخبوي في الداخل الأميركي ملحوظ وآخذ بالتصاعد، لكننا لا نتوقع في الزمن المنظور غير استمرارية التراخي المريب لإدارة بايدن، والتشدد الإيراني المزعوم في سلسلة المفاوضات النووية، وصولاً إلى المرحلة الثامنة التي انطلقت الاثنين المصادف 27 من هذا الشهر، وكذلك الحفاظ على مشروعها السياسي التوسعي، الذي امتد دماره في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
كما أن مجمل هذه الأوضاع تتيح إلى روسيا والصين حضوراً مقبولاً من دول المنطقة العربية، ضمن سياسة الانفتاح والتوازن والتطوير بما تمليه المصالح المشتركة، لا سيما بالنسبة إلى المنظومة الخليجية وثقلها المركزي في الشرق الأوسط، وأبعادها الإقليمية والدولية.
نقلاً عن أندبندنت عربية