هل تسيطر حكومة ظل على الولايات المتحدة إثر انهيار تتسبب به انتخابات 2024 الرئاسية؟
إميل أمين كاتب وباحث
مع بداية عام جديد، يطل العنف من نافذة الأحداث في الداخل الأميركي، وتتصاعد نبرة الجماعات اليمينية التي تؤمن بالعنف، فيما يتوقع مراقبون سياسيون، وكوادر حزبية وفكرية أميركية، أن تصل ذروة المواجهة إلى حدها الأقصى، المتمثل في حرب أهلية، عام 2024، أي مع انتخابات الرئاسة المقبلة.
تبدو الولايات المتحدة اليوم في مواجهة تحديات داخلية جسام، ذلك أن فكرة الصراع بين البيوريتانيين والجاكسونيين، أي بين أولئك الذين يؤمنون بفكرة أميركا بوتقة الانصهار، وأميركا الأعراق المختلفة، تحتدم بشكل غير طبيعي، بل غير مسبوق، ما يعيد قصة النزاعات العنصرية مرة جديدة.
ولعل المخاوف التي تخيم فوق الداخل الأميركي لا تتصل فقط بالمدنيين، ذلك أن هناك تحذيرات من قيادات عسكرية أميركية، حتى وإن كانت خارج الخدمة، تشي بأن احتمالات التمرد واردة وبقوة ضمن صفوف الجيش الأميركي، وهنا قد تضحى هذه النقطة تحديداً المفصل الرئيس الذي يفكك ويفتت الاتحاد الفيدرالي، ويعيد البلاد إلى دائرة المواجهات الأهلية، بل والمذهبية.
يحاجج البعض بأن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب هو السبب الرئيس في ذلك الحال، فيما يقول آخرون إن هناك عناصر افتراقية سابقة بزمن على ترمب، حتى وإن كانت رؤى الرجل قد أظهرت المخاوف من جديد على السطح، وما جرى في السادس من يناير (كانون الثاني) من عام 2021 ليس إلا قمة جبل الثلج، فيما جسم الشقاقات البينية غاطس في عمق المياه الأميركية التي باتت مضطربة، هائجة ومائجة بكل عوامل اللا استقرار.
من أين يمكن للمرء أن يقرأ المشهد الأميركي والعنف المتوقع والتنبؤات التي تفت في عضد الحلم الأميركي الذي يكاد يتحطم على صخرة النسيج المجتمعي المهترئ في الحال، والذي يكاد ينزلق في دائرة الكراهيات الشعبوية، والعداءات الطبقية في الاستقبال القريب وليس البعيد؟
هجوم أنصار ترمب على الكونغرس ذروة التهديد للديمقراطية الأميركية
إحياء تيار التشدد اليميني من جديد
ليكن البحث عن مرحلة التشدد اليميني من الزمن القريب والمنظور لا من الأفق التاريخي البعيد.
مرت التيارات الأميركية اليمينية، التي يصعب وضعها في بوتقة دينية واحدة، بمراحل زمنية، وهناك منها جماعات يسارية، كما أن من بينها ما لا علاقة له بالأديان بالمرة.
تاريخياً اشتد عود تلك الجماعات في أواخر ستينيات القرن الماضي، وبالتحديد حين انتصرت إسرائيل على العالم العربي في حرب الستة أيام، فيما كانت أميركا تتلقى المذلة والهوان في فيتنام.
في ذلك الوقت سرى في الأفق حديث عن أن روح الرب ساند إسرائيل، وفارق أميركا، ولهذا قويت شوكة التيار الإنجيلي الذي بلغ أوْجَه في زمن الرئيس الجمهوري رونالد ريغان.
لاحقاً اعتبرت سنوات جورج بوش الابن امتداداً لهذا النهج الفكري، وقد خُيل للرجل أنه مبعوث العناية الإلهية والقادر على انتشال الولايات المتحدة من وهدة انكسار الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، والصعود بها إلى مكانة الأمة القائدة دينياً وإيمانياً، ما أعطى قبلة الحياة للعديد من تلك الجماعات لأن تطفو على السطح ثانية، وتعيد تجذير حضورها بقوة في المجتمع الأميركي.
حين غادر بوش الابن البيت الأبيض، وجاء باراك أوباما، خُيل للناظرين أن طريق التشدد اليميني قد ضاق إلى حد الانسداد، غير أن أخطاء أوباما التي تقترب من حد الخطايا، ما بين توجه اشتراكي داخلي، وقيادة من وراء الكواليس خارجياً، فتحت الباب للذين يؤمنون بفكر المؤامرة بنوع خاص، لاعتبار الرئيس أداة تفخيخ لأميركا “الواسب”، أي أميركا البروتستانتية البيضاء الأنجلو ساكسونية، وبالتأكيد كانت اتهامات الإسلاموفوبيا التي طاردته سبباً رئيساً في تعزيز شوكة جماعة الباحثين عن الجذور الراديكالية.
حين حلَّ دونالد ترمب سيداً وحاكماً في البيت الأبيض، بعد فوزه عام 2016، كانت جوقته الفكرية قد أجادت العزف على أوتار الأصوليين من اليمين الأميركي.
ارتقى، ستيف بانون، الذي عين كبير مستشاري ترمب قبل أن يقال سريعاً، جبل اليمين وقوته الضاربة بامتياز، وهو المؤمن بكل قوته وبالغ قدرته بالعنف والحرب، منطلقاً من فكر ثيؤولوجي عتيق، تجاوزته أزمنة التنوير، فكر يرى أن القتال والعنف والحرب لها تأثير تطهيري جيد على الأرواح، كما آمن بأن العنف له فاعلية في مواجهة الإرهاب.
كان عقل بانون مليئاً بأفكار لينين الخاصة بالدولة القائمة، وإقامة صروح جديدة، الأمر الذي انعكس على شعارات ترمب في شأن “أميركا الجديدة”، أو “أميركا من جديد”، وربما “أميركا الأولى”، وكلها منطلقات شوفينية من دون أدنى شك.
أربع سنوات لترمب في البيت الأبيض، دعم فيها تلك الجماعات، عطفاً على تعضيده حق الأميركيين في حمل السلاح، وحين لاحت هزيمته التي شكك فيها، كانت أميركا جاهزة لاحتضان جنين الغضب الساطع الآتي من بعيد.
ساعة الصفر و60 مليون قطعة سلاح
في عددها الصادر بتاريخ 20 ديسمبر (كانون الأول) المنصرم، نشرت مجلة “نيوزويك” الأميركية تقريراً عن حالة الاستعداد الجارية بين صفوف الجمهوريين، تحسباً لانتخابات الرئاسة الأميركية 2024.
التقرير أعده الكاتب الصحافي، دافيد فريدمان، الذي التقى عدداً من الجمهوريين الغاضبين مما جرى في 2020، الذين يؤمنون بأن الدولة الأميركية العميقة هي من دبر المكيدة لترمب لدفعه خارج البيت الأبيض بعد تزوير الانتخابات الفائتة.
من هولاء الذين التقاهم فريدمان، يأتي مايك نيزناني، أحد المحاربين القدامى في فيتنام والمقيم في ولاية جورجيا، ويمارس حياته العملية على الرغم من إصابته في ساقه.
يبدو نيزناني صاحب صوت عالٍ وتحريضي يطالب بإسقاط الحكومة الاتحادية، ويرى أنها باتت غير شرعية، ومبالغة في الحد من الحريات الشخصية، وقد حصدت منشوراته على شبكات التواصل الاجتماعي أكثر من أربعة ملايين مشاهدة.
الوجه المخيف الذي يعكسه نيزناني “يتمثل في أنه طليعة لملايين من زملائه المحتملين” على حد قوله، للتمرد على السلطات الرسمية الاتحادية، الذين هم بمثابة “قنبلة موقوتة” تستهدف مبنى الكابيتول. يقول “هناك الكثير من الأشخاص المسلحين بالكامل يتساءلون عما يحدث لهذا البلد. هل سنسمح لبايدن بمواصلة تدميره؟ أم أننا بحاجة إلى التخلص منه؟”.
دافيد فريدمان وعلى صفحات “نيوزويك”، يحذر من أن المشهد الآن تجاوز ملامح ومعالم جماعة الكو كلوكس كلان العنصرية التي أُسست في الولايات الجنوبية، عام 1865، كأقدم منظمة إرهابية، وكذلك جماعات مثل “براود بويز” و”أوث كيبرز”، التي شاركت في أعمال الشغب في 6 يناير في مبنى الكابيتول، وربما لعبت أدواراً تنظيمية… ما القصة إذن؟
يبدو أن التيار الذي يمثله نيزناني شيء آخر تماماً، إنه يمثل كتلة جماهيرية شعبوية أميركية حرجة، تمتد من ألاسكا شمالاً إلى تكساس جنوباً، ومن نيويورك شرقاً إلى كاليفورنيا غرباً.
في تقريرها تؤكد “نيوزويك” أن 17 مليون أميركي اشتروا في عام 2020 نحو 40 مليون قطعة سلاح، وأنهم في 2021 قد أضافوا إليها 20 مليون قطعة أخرى، ناهيك بما هو موجود بالفعل في أيدي الأميركيين، ما يعني أن هناك في الأقل مئة مليون قطعة سلاح في أيدي الأميركيين ديمقراطيين وجمهوريين، وأن هذه الأسلحة تنتظر ساعة الصفر التي هي انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة.
مجموعة “براود بويز” التي تعتبر الأكثر تشددا في المعسكر اليميني
الرئاسة الجديدة وتنبؤات روبرت كاغان
يفترض الجمهوريون أن دونالد ترمب سيكون مرشح الحزب الجمهوري، وإن كانت هذه مسألة غير واضحة حتى الآن، وأن جو بايدن سيكون الند والمنافس، وأن هناك سيناريو معداً للمرة الثانية، سينتصر فيه بايدن على ترمب.
هذا السيناريو التخيلي، يكاد يكون بايدن قد عززه في أذهان الأميركيين قبل بضعة أيام من انتهاء العام الميلادي الماضي، حين أشار إلى أنه سيترشح حكماً إن سبقه ترمب إلى ملعب الانتخابات.
وعلى الرغم من أن بايدن ربط ترشحه بتطورات أوضاعه الصحية، فإن جماعة اليمين الأميركي رأت في التصريحات عينها طريقاً إلى تكرار ما جرى في 2020.
في هذا الإطار استرجع الأميركيون ما سطره، روبرت كاغان، أحد أهم أساطين المحافظين الجدد، والمشارك الرئيس في كتابة ما عرف بمشروع القرن الأميركي، الأرضية التي حلمت بأن تصدر السلام الأميركي، أو “الباكسا أميركانا” إلى العالم، أي أن تصبح واشنطن المكافئ الموضوعي لروما في زمن الإمبراطورية العتيدة.
عبر صحيفة “واشنطن بوست”، كتب كاغان منذ ثلاثة أشهر، منذراً ومحذراً من احتمال وقوع حوادث عنف جماعي في الولايات المتحدة وانهيار السلطة الاتحادية وتقسيم البلاد إلى جيوب متحاربة يتباين ولاؤها بين جمهوريين وديمقراطيين على مدى السنوات الثلاث إلى الأربع المقبلة، واعتبر أن الولايات المتحدة تسير قدماً نحو أكبر أزمة سياسية ودستورية لها منذ الحرب الأهلية.
كاغان حذر من أن انشغالات الأميركيين في الوقت الحاضر بمكافحة جائحة “كوفيد-19″، والأزمات العالمية الخارجية وفي مقدمها الصراع الظاهر مع روسيا والخفي مع الصين، ناهيك بالأوضاع المالية المثيرة للترقب في ظل تضخم قادم لا محالة، وارتفاع مستوى الدين العام، يمكنها أن تصنع غشاوة على أعين الأميركيين، غشاوة تمنعهم من رؤية الخطر الداهم القادم والقائم، الذي حذرت “نيوزويك” بصراحة تامة منه في الشهر الماضي.
يصارح كاغان الأميركيين بأن ترمب سيكون مجدداً المرشح الجمهوري للرئاسة في عام 2024، إذ تبين أن الآمال والتوقعات في تلاشي صورته وتأثيره تدريجياً كانت محض أوهام، إذ إن الرجل يتمتع بقدر كبير في استطلاعات الرأي، ويبني صندوقاً ضخماً للحرب الانتخابية، في حين تبدو حظوظ الطرف الديمقراطي ضعيفة.
المخاوف في ذهن رجل المحافظين الجدد كاغان تتمثل في أن المسرح الأميركي قد بات مهيئاً للفوضى، وعنده أنه إذا تخيل الأميركيون أسابيع من الاحتجاجات الجماهيرية المتنافسة عبر ولايات متعددة، عندما يدعي المشرعون من كلا الحزبين النصر ويتهمون الطرف الآخر ببذل جهود غير دستورية للاستيلاء على السلطة، فسيكون حينها الحزبيون من كلا الجانبين أفضل تسليحاً وأكثر استعداداً لإلحاق الأذى بالطرف الآخر مما كانوا عليه عام 2020.
يتساءل كاغان عما سيحدث في ذلك الوقت، وهل سيستدعي حكام الولايات الحرس الوطني لتهدئة الوضع، أم سيستدعي بايدن -إذا كان لا يزال في السلطة ولم تنتقل إلى نائبته هاريس- الحرس ويضعه تحت سيطرته؟
هناك احتمال ثالث وهو الاستناد إلى قانون التمرد، وساعتها يمكن للرئيس أن يرسل قوات إلى بنسلفانيا أو تكساس أو ويسكونسن مثلاً لقمع الاحتجاجات العنيفة.
الاحتمال الأخير قد يعتبره الملايين من أمثال نيزناني بطل رواية “نيوزويك”، ضرباً من ضروب “الطغيان الاتحادي”، وهو الموقف الذي عاشه رؤساء أميركيون سابقون مثل، أندرو جاكسون، خلال ما عرف بـ”أزمة الأبطال” عام 1832 التي كانت مقدمة للحرب الأهلية، وهو المشهد ذاته الذي تعرض له الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن بعد انفصال الجنوب.
هل كان كاغان وحده من أبدى مخاوف شديدة على الحياة الديمقراطية في الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة المقبلة؟
مجموعة “كيو أنون” دورا بارزا في تأجيج الخلاف حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة
ليفيتسكي وكيف تموت الديمقراطيات
في عام 2018 أصدر البروفيسور ستيفن ليفيتسكي، أستاذ الشؤون الحكومية بجامعة هارفارد، وزميله دانييل ويبلات، كتاباً عنوانه “كيف تموت الديمقراطيات”، وفيه تم التركيز على المشاكل التي تواجه السياسة الأميركية في سياق تراجع الديمقراطيات الأخرى نحو الاستبداد.
الفكرة الرئيسة في هذا العمل هي أن الديمقراطيات في العصور الحديثة لا تنتهي عادة بانقلابات مفاجئة، لكنها تتراجع تدريجياً من خلال الاستقطاب الذي يقسم الأمة، بالإضافة إلى ضعف المؤسسات الرئيسة مثل القضاء ووسائل الإعلام.
من هذا المنطلق سعى موقع “كريستيان ساينس مونيتور”، إلى مقابلة البروفيسور ليفيتسكي، من خلال حوار أجراه معه الكاتب بيتر جارير.
كان التساؤل الرئيس في الحوار كالتالي “لقد قلت إنك تعتقد أن عام 2024 يمثل نقطة خطر للديمقراطية الأميركية… هل تعتقد حقاً أن الانتخابات الرئاسية يمكن أن تختطف؟”.
وقد جاء الجواب كالتالي “نعم، من خلال الآليات الدستورية القاسية… ولن يكون ذلك نوعاً من الخداع أو التزوير كما يفعل الديكتاتوريون… بل سيكون قانونياً، أو في الأقل يمكن تفسيره على هذا النحو من قبل القضاة”.
البروفيسور ليفيتسكي وعلى الرغم من أنه توقع العديد من المشكلات التي تواجه السياسة الأميركية، فإنه يقر بأنه أخطأ في تقدير أمر مهم للغاية وهو أنه وصديقه كانا قد قللا من شأن هيمنة الترمبية على الحزب الجمهوري، فيقول “لقد توقعنا أن يستمر الحزب الجمهوري إلى حد ما في السيطرة على المؤسسات مع الالتزام بالحد الأدنى من القواعد الديمقراطية للعبة. وسرعان ما توقف هذا الوضع ووصلنا إلى منطقة لم نتوقعها”.
المنطقة التي يشير إليها بروفيسور هارفاد هي تلك الخاصة بشعبية الرئيس السابق ترمب، التي أطلق عليها تيار الترمبية، الأقرب إلى اليمين الأميركي، الذي لا يزال ترمب يغازله، وقد كانت المرة الأخيرة التي فعل فيها، قبل أسبوعين وخلال احتفالات أعياد الميلاد، حين تحدث عن حاجة أميركا إلى مخلص، متلاعباً بالإسقاطات الروحية.
هذا التيار الترمبي كان لديه ولا شك دوافعه للمضي قدماً وراء رئيس جاء من خارج المؤسسة السياسية، وفي المقدمة من تلك الدوافع الفساد الذي استشرى في الحياة الحزبية والسياسية الأميركية، والديمقراطية التي باتت تباع على الأرصفة كما يقول أحدهم في مؤلف آخر، وارتهان العمل السياسي لضغوطات مجموعات القوى المختلفة.
على أن الجزئية المثيرة في حوار البروفيسور ليفيتسكي هي تلك الموصولة بوضع القوات المسلحة الأميركية، لا سيما أنه يقطع بأن الجيش من غير المرجح أن يتدخل في الصراعات السياسية، إذ لدى أميركا درجة غير عادية من السيطرة المدنية على الجيش… هل الجيش الأميركي بالفعل خارج أطر حسابات الجدل الدائر والثائر في قلب الأمة الأميركية التي تصدع حلمها في السنوات الأخيرة، وقد كان السادس من يناير الماضي بوقاً مدوياً لديمقراطية يمكن أن تكون في بدايات انهيارها بقوة وبسرعة؟
تحذير الجنرالات من تسييس الجيش
يمكن القطع بأن الجيش الأميركي ليس إلا أفراداً من داخل المجتمع، وأنه لا يعقل انقطاعهم عن التعاطي سوسيولوجياً مع ما يدور في جنبات البلاد، يشعرون بالمشكلات ويتطلعون للحلول، يتأثرون بالسياقات والظروف المحيطة إن سلباً أو إيجاباً، ما يعني أنهم ليسوا قطاعاً منعزلاً عن بقية الشعب، فهم منه، وحتى لو كان الولاء الأول للدستور الأميركي الذي يضع خطوطاً فاصلة بين الحياة المدنية ونظيرتها العسكرية.
أخيراً بدأت تتعالى الشكاوى من وجود اختراقات في صفوف الجيش الأميركي، اختراقات أيديولوجية، تميل إلى جهة أنصار اليمين المتطرف وليس المتشدد فحسب.
قبل نحو أسبوعين وعبر مقال رأي في صحيفة “واشنطن بوست”، كانت تحذيرات عالية المستوى تصدر عن ثلاث رتب عسكرية عالية، بشأن احتمالات حدوث تمرد بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في 2024.
ما الذي استدعى كتابة هذا المقال؟
بلا شك اقتراب ذكرى السادس من يناير، يوم الاعتداء على البنتاغون وسقوطه الأدبي الذي زعزع أركان الديمقراطية الأميركية، عطفاً على التوجس من الخطاب الذي وعد ترمب بأنه سيوجهه إلى الأمة الأميركية في ذلك النهار، ومع الأخذ في الاعتبار شبكة السوشيال ميديا التي يقوم ترمب على إطلاقها، وما يمكن أن تحمله من توجهات سياسية تعزز حالة الشقاق مدنياً، وما يمكن أن تؤثر به في العسكريين أيضاً.
في المقال يعرب الجنرال السابق بول إيتن، والجنرال السابق أنطونيو تاغويا، والجنرال السابق ستيفن أندرسون، عن مخاوفهم من تداعيات الانتخابات الرئاسية لعام 2024 واحتمال حدوث فوضى مميتة داخل الجيش الأميركي، الأمر الذي من شأنه أن يضع جميع الأميركيين في خطر شديد.
الجنرالات السابقون أشاروا إلى ما ذهبنا إليه في السطور السابقة، فالجيش الأميركي في تقديرهم مستمد من التنوع السكاني، ويشمل جميع الأفراد، من خلفيات ومعتقدات مختلفة، ومن دون حفظه بعيداً عن المحاورات الانشقاقية إن جاز التعبير، فإن احتمال حدوث انهيار عسكري يعكس الانهيار الاجتماعي أو السياسي، سوف يضحى أمراً حقيقياً للغاية.
الكارثة المخيفة التي لفت إليها الجنرالات، أصحاب المقال، تتمثل في أن واحداً من كل عشرة من الذين قاموا بالهجوم على الكونغرس، لديه سجل خدمة في الجيش الأميركي، كما أن بعض أفراد الخدمة قد يتعهدون بالولاء لـ”خاسر” تابع للرئيس السابق ترمب يرفض الاعتراف بالهزيمة (فما بالنا إن كان الخاسر هو ترمب نفسه)، ويعمل على قيادة حكومة ظل، وتحت مظلة مثل هذا السيناريو، ليس من الغريب القول إن انهياراً عسكرياً قد يؤدي إلى حرب أهلية.
والخلاصة من وراء كل ذلك، هي أن هناك في واقع الأمر الكثير جداً من التفصيلات التي ينبغي التوقف معها، غير أن الجنرالات الثلاثة المتقدمين ربما لخصوا المشهد الأميركي في القول “إنه إذا كانت انتخابات 2024 متنازعاً عليها وتقسم الولاءات، فهناك احتمال لانهيار كامل لتسلسل القيادة على طول الخطوط الحزبية”.
لم يهمل الجنرالات فكرة تنظيم وحدات مارقة فيما بينها لدعم القائد العام الشرعي.
هل تلك الوحدات ستنشأ داخل الثكنات، ولهذا يطالبون الاستخبارات العسكرية بالعمل واليقظة لتجنب تسرب فيروس الانشقاق إلى القوات المسلحة الأميركية، أم أنها وحدات سوف يتم تشكيلها مدنياً من جماعات اليمين التي تحتاج إلى قراءة مفصلة لتبيان توجهاتها وانتماءاتها عطفاً على أهدافها؟
مهما يكن من أمر الجواب فإن النتيجة النهائية خطيرة ومثيرة، لا على الأميركيين وحسب، بل على بقية النظام العالمي الذي تلعب فيه أميركا حتى الساعة دور الأول بين متقدمين في الأقل، ورمانة الميزان في رواية أخرى.
المصدر : أندبندنت عربية