كتب / محمدعبده سعيد
كنت حينها في السادسة من عمري، وبينما انا منهمك في نوم عميق، كان جدي رحمة الله عليه منهمك في مشاهدة التلفاز ومتابعة احداث مؤتمر الاصلاح العام، لم اكن اعرف حينها ماذا يعني كل ذلك ولماذا كل هذا الاهتمام بمتابعة المؤتمر وبالذات كلمة الحزب الاشتراكي والتي القاها الشهيد جار الله عمر.
اختتم جار الله عمر كلمة الحزب الإشتراكي وارد النزول من على المنصة ليعود مكانه، وكان هناك من ينتظر جسده النحيل ليمطره بوابل من الرصاص افقدته حياته.
عندما اطلقت رصاصات الغدر صوب صدر جار الله كنت اغوص في نوم عميق، وسمعت جدي يصيح بكل مااوتي من قوة، (قتلنه قتلنه قتلنه ) رددها ثلاث مرات واتبعها بتكبيرات ( الله اكبر) فزعت من نومي ساعتها ولم اذق النوم طوال الليل من هول الفاجعة رغم اني كنت لا اعلم ماذاء يعني جار الله عمر .
انهمكت في السكوت والناس تتبادل الحديث فيماء بينهاء ونساء قريتنا النائية يتبادلين الحديث والتنهدات والالم لهذا الفعل الشنيع، ويرافق حديثهن دعاء بالخسف بالمجرم ومن يقف خلفه .
صرخة جدي المدوية بين حيطان الغرفة وفزع الناس في القرية والفاجعة التي لحقت بي جراء ذلك الصوت المدوي والذي افزعني من نومي جعلني ابحث عن جار الله عمر،وماذا يعني جار الله عمر .
استمريت في البحث عن سر هذه الشخصية بالذات بعدما اختار عدد من سكان القرية اسماء لاطفالهم المواليد حديثاً هذا الاسم، وابرزهم الرفيق عمر عبده حمود ذلك المناظل الصلب، بحثت كثيراً وبعد عناء طويلاً وجدت ما كنت ابحث عنه، وعرفت من يكون جار الله عمر، وماذا يعني لكل هؤلاء البسطاء من الناس، عرفت بان جارالله كان يمثل حلم وطموح وتطلعات كل تلك الامال والاهداف المرسومة في عيون عجائز القرية الحزينة .
عرفت بان جارالله كان ذلك المهدي المنتظر للاخذ باياديهم والانطلاق صوب بر الامان والثورة و بان جارالله صاحب مشروع السلام والاخاء والتوحد ونبذ الثارات والحروب الاهلية، والمناطقية والقبلية، وصاحب المقولة الشهيرة بانه من يحكم باسم طائفة او قبيلة فعليه ان يتوقع ظهور معارضة من نفس النمط، وانه مهندس اكبر تحالف سياسي واجه فيما بعد اشرس سلطة إستبدادية قمعية رجعية متخلفة، و ماقام به جار الله عمر فجر ثورة الشباب واطاح باكبر طاغية مستبد ومتمترس خلف كرسي السلطة .
عرفت كل ذلك واكثر، وايقنت بان لامجال لنا من ان نصل إلى الشاطى ونعبر المضيق غير مشروع وهدف جار الله عمر، ومن يومها وانا اعاهد نفسي باني لن احيد عن دربه ولن اسلك مسلك غير مسلكه حتى نعبر المضيق ونصل للشاطئ حيث ينتظرنا هناك الملايين من الغلاباء والبسطاء، والمقهورين، من احرمتهم سلطة القبيلة الامان وادنى مقومات العيش، سنواصل نهج وطريق ذلك الرجل الهزيل صاحب الجسد النحيل والقامة القصيرة وسنبلغ مانريد.
من اجل كل تلك الحشود التي خرجت تودعه الوداع الاخير، ومن اجل كل تلك الدموع التي انهمرت تبكي ذلك الفراق المر، ومن اجل كل تلك الصدور العارية التي لحقت بجار الله، سنواصل مسيرته ونحقق ماكان يصبو أليه.
ستبقى تلك الصرخة المدوية والتي افزعتني من نومي تجلجل في اذني وتلاحقني كل تلك الدموع التي انهمرت من عيون عجائز القرية تثيرني وتدفعني للمواصلة والاستمرار في مشروع ذلك الشهيد الخالد في ذاكرة كل يمني