كتب : محمد صادق الحسيني
كل ما أعدّه له الغرب والرجعية العربية خلال سنوات وصرفوا عليه المليارات تبخر بين ليلة وضحى على يد فلاديمير بوتين!
فخلال أقل من 24 ساعة تمكن بوتين من إحباط أخطر عملية أميركية كانت تقضي بإحراق آسيا الوسطى والقوقاز انطلاقاً من كازاخستان!
فقد استطاعت موسكو نقل أكثر من 20 ألف جندي الى هذا البلد المترامي الأطراف، ونجاحها بضرب الثورة الملوّنة المدعومة أميركياً والمموّلة سعودياً والسيطرة على مفاصل البلاد السياسية والإدارية والجغرافية، ما جعل بوتين ينجح بإخراج بايدن من اللعبة بخفي حنين ويخرج من كازاخستان خالي الوفاض، لا يملك في القمة الافتراضية المنتظرة بينه وبين نظيره الروسي في ١٠ الشهر الحالي سوى خيبة الأمل والذلّ والانكسار بعدما كان بايدن يريدها ورقته الرابحة المضمونة…
جو بايدن الذي كان قد أخفق تماماً في جرّ غريمه على المسرح الدولي فلاديمير بوتين إلى فخ اجتياح جيب أوكرانيا رغم كثرة الضجيج الإعلامي والتحشيد الاستخباري والعسكري على حدود الأمن القومي الروسي.
فكان قرار الدولة العميقة في واشنطن ان ذهبت للعمل بالخطة «ب» في إطار إشغال روسيا بمسرح عمليات أوسع وإبعادها عن تجميع قوى الشرق الصاعدة.
وهكذا تكون روسيا من الآن حتى ذلك اليوم قد نجحت في تفكيك كلّ الوحدات الإرهابية المدرّبة في القواعد التركية والمموّلة خليجياً، والقضاء عليها وتدميرها على امتداد البلاد الكازاخية.
ما يعني موسكو قد أحبطت عملياً أخطر مؤامرة كانت قد أعدّت لها واشنطن وأدواتها منذ سنوات لكازاخستان كما تقول مصادر مطلعة اقتضت نزول من تمّ تدريبهم وإعدادهم جيداً الى الشارع في أكبر بلاد آسيا المركزية الحاضنة للأمن القومي الروسي.
انّ نجاح هذا الإنزال الروسي المجوقل يحمل في طياته دلالات واسعة واستراتيجية في غاية الأهمية لواشنطن والناتو.
فالعملية جرت بسرعة فائقة تمّت السيطرة فيها على مساحة تفوق مساحة كلّ أوروبا، وفي بلاد أكثر تعقيداً من أوكرانيا وبولندا اللتين باتتا عملياً لقمة سهلة على الابتلاع والهضم بالنسبة لموسكو لو قرّرت ذلك في الجولات المقبلة من النزال مع الغرب، ما يجعل واشنطن تحت الصدمة الكبرى الآن وهي تشاهد خططها تتهاوى أمام عيونها من جديد كما حصل في سورية ولكن هذه المرة كلمح البصر!
فالمعروف انّ كلّ الأدوات المنفذة للخطة الأميركية كانت جاهزة عبر توظيف أحزاب ومنظمات مجتمع مدني ومجموعات مستعارة من دول الجوار (مقرّها اوكرانيا) مع غرفة العمليات المشتركة في الما ـ اتا في قبضة الروس!
وبهذا يكون قد سقط سيناريو إشعال «ربيع عربي» معادٍ لموسكو كان يهدف الضغط عليها لتقديم تنازلات للغرب او الانزلاق الى العنف والتورّط بالدم الكازاخي، للذهاب بالبلد الى مسار الثورات الملوّنة.
وكازاخستان الدولة الأهمّ للحلف الروسي الآسيوي للأمن والدفاع المشترك وإحدى مقرات تأمين حشد الأسلحة الاستراتيجية الروسية، كانت البداية التي افترضها الغرب للتسلل الى الصين والى الجمهوريات المسلمة بما فيها المنضوية تحت الاتحاد الروسي.
وهي الدولة الكبرى بمساحة تزيد على 3 ملايين كم2 التي تحاذي كلّ الجنوب الروسي تقريباً بطول حدود مشتركة مع روسيا يبلغ 7664 كلم، وتحاذي الصين شرقاً وشمالاً ايضاً…
وكازاخستان الدولة الغنية بالنفط والغاز وبالمعادن الكثيرة ومنها اليورانيوم كذلك.
تمكنت موسكو عملياً من إنقاذها من أخطر عملية هجوم غربي مسلح في أقل من ٢٤ ساعة من خلال تسيير جسر جوي فائق السرعة والتسليح جعل الناتو مبهوتاً وفاقداً لزمام المبادرة تماماً!
وهكذا تكون موسكو عملياً قد أحبطت مؤامرة نقل كازاخستان من ضفة الى ضفة أخرى من خلال استخدامها ديناميكية دفاعية عالية جداً ذكرت العالم بعملية كوسوفو وصربيا عندما سيطر الروس على مطار بريشتينا في العام 1999 ما دفع يومها قوات الناتو للتقهقر عن البوسنة وصربيا حتى يومنا هذا…
ويعزو المتابعون نجاح الخطة الروسية للإنزال الجوي في كازاخستان الى علم القيادة الروسية العليا جيداً بما كانت قد خططت له القيادة المركزية الأميركية، المتمركزة في قطر، يوم نقلت آلاف من عناصر داعش، من كلّ من سورية والعراق منذ العام 2017، بعد هزيمتهم على بوابات الشام وبلاد الرافدين على يد جيوش محور المقاومة وانعدام إمكانية معاودتهم القتال بشكل جبهوي (أيّ على شكل جبهه قادرة على شنّ عمليات عسكرية واسعة).
وكيف انّ عمليات النقل لهذه المجموعات، كانت قد جرت بتمويل سعودي قطري، وأنها قد بلغت ذروتها بعد هزيمة داعش في العراق أواخر العام المذكور.
حيث تمّ نقل ما لا يقلّ عن 12 الف عنصر الى شمال أفغانستان وبدأ تسريبهم من يومها الى داخل الجمهوريات الآسيويه السوفياتية السابقة وبينها كازاخستان .
وقد وجد هؤلاء قواعد حاضنة لهم في تلك البلدان، وذلك من خلال 18 ألف منظمة غير حكومية، تموّلها السعودية، في تلك الدول .
ويبلغ تعداد أفراد هذه المنظمات، القادرين على حمل السلاح والمدرّبين والمجهّزين جيداً حسب مصادر محور المقاومة، ما يزيد على 280 ألف فرد .
وما حصل خلال الأيام الماضية، من فوضى ونهب وسلب وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، إنما كان بإشراف غرفة عمليات أميركية «إسرائيلية»، مقرّها مدينة المآ ـ اتا، العاصمة الاقتصادية لكازاخستان.
ـ وقد تشكلت هذه الغرفة من 22 ضابط عمليات أميركي وستة ضباط استخبارات عسكرية «إسرائيلية» و16 ضابط استخبارات تركي، كما استخدمت في تنفيذ العمليات مجموعات مدرّبة على تنفيذ عمليات تخريبية «خلف خطوط العدو/ قوات خاصه أو صاعقة»، كانت حكومة أنقرة قد درّبتهم وأعدّتهم في قواعدها التركية وأرسلتهم بشكل ممنهج ومنظم الى داخل البلاد في تنسيق تامّ مع حلف الناتو.
ولكن مرة أخرى كانت موسكو لهم بالمرصاد وقد بدأت بإفشال العملية عندما تمكّن الجيش الكازاخي بدعم روسي واضح من استعادة السيطرة على مطار المآ ـ تا، الذي كان يُفترض ـ حسب الخطة ـ ان يتحوّل الى مركز لاستقبال الامدادات العسكرية الآتية من الدول التي تدير الجميع .
هذه المعرفة السابقة للخطة الغربية الرجعية هي التي دفعت الرئيس الكازاخي الى اتخاذ إجراءات ميدانيه فورية وحاسمة، ودعوته الى تفعيل دور منظمة الأمن والتعاون، التي تضمً كلاً من روسيا وكازاخستان وروسيا البيضاء وأرمينيا وطاجيكستان الى نشر قوات مشتركة، ما وضع الارضية والإمكانية العملية لحسم الهجوم المعادي وتدمير البنى التحتية لذلك التنظيم .
ـ وكان وصول طلائع القوات المساندة، من الدول المذكورة أعلاه، وعلى رأسها روسيا، هو الذي وضع حداً لعمليات التهريب والفوضى وقطع دابر المؤامرة وقضى عليها في مهدها .
ـ خاصة أنّ هذه القوات كلفت على الفور بحماية المؤسسات والمباني الحكومية والمنشآت الاستراتيجية الكبرى.
ـ وهذا يعني حماية الدولة الكازاخية ومنع سقوطها وتقسيمها وتحويلها الى قاعدة ارتكاز لتنفيذ عمليات أميركية «إسرائيلية» ضدّ كلّ من روسيا والصين وإيران .
ذلك لأنّ المعلومات المؤكدة التي توافرت لدى القيادة الروسية كانت تفيد بأنّ واشنطن وعواصم الناتو كانت تعدّ عملياً لنقل هذا السيناريو قريباً الى موسكو وطهران تحت عنوان الخطة «ج» فور الانتهاء من السيطرة على كازاخستان!
لكن الجميع في دول منظمة شانغهاي كان مستعداً ويقظاً هذه المرة لإسقاط المؤامرة تماماً، ومنع حلم المخطط الأميركي ومنفذيه، الذين باتوا مصابين بالعمى الاستراتيجي والتكتيكي، من التحقق وجعل أدواته تغرق في عملية استنزاف لا تعرف كيف تخرج منها !
الدلالة الأهمّ في ما حصل خلال الساعات الماضية يمكن تلخيصه بأنّ موازين القوى الاستراتيجي بين واشنطن وموسكو قد تغيّر لمصلحة الأخيرة وقواعد الاشتباك بين الشرق والغرب تغيّرت، وانّ أوكرانيا وبولندا باتتا ساقطتين نارياً.
نقلاً عن البناء