هشام الشبيلي
عندما بدأ ناجي محمد العمل في المجال الإنساني في مدينته خوخة، جنوب محافظة الحديدة اليمنية، كان النازحون قد ازداد عددهم في المنطقة، لذا واصل بعد زواجه من رباب برفقتها جهود المساعدة في المجال الإنساني منذ اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء وتوسعهم إلى بقية المحافظات.
في أحد الأيام تلقى ناجي اتصالاً من شخص يخبره بأن رجل أعمال سيتكفل بتوفير 90 سلة غذائية وعليه الحضور لاستلامها وتوزيعها للمستحقين، ليتفاجأ عند وصوله إلى المكان المحدد أن الاتصال عبارة عن فخ نصبه الحوثيون لاعتقاله، بحسب ما قاله لـ”اندبندنت عربية”.
اقتادوه إلى مدينة الحديدة وظل في أحد السجون قرابة الخمسين يوماً قبل نقله إلى سجن آخر، ولم يعرف أحد مصيره.
هذا الغياب شاركته إياه زوجته رباب، لكن من خارج السجن.
فرج بعد انتظار
أثناء شهور الانتظار الذي كابدته رباب، كان ناجي يعيش تحت سياط الأسئلة والتهم التي لم يفكر حتى بمحادثة نفسه بها، تهمة توزيع الإغاثة الإنسانية وتجييرها لصالح المقاومة اليمنية التابعة للشرعية، على رغم أن عمله اقتصر على توزيع الإغاثة للنازحين في المخيمات.
مضت الأيام والليالي ثقيلة عليه في ظلمات الزنازين، كان يعيش في حيرة كيف يتواصل مع أهله ليخبرهم أنه لا يزال على قيد الحياة، وأنه في معتقلات الحوثيين التي تمنع فيها وسائل التواصل مع من هم خارجها أو حتى من هم في زنازين مجاورة.
بعد عشرة أشهر من الإخفاء القسري سمح لناجي أن يتواصل مع عائلته، ولأول مرة ولمدة خمس دقائق وهو معصوب العينين أجرى ناجي اتصالاً بزوجته رباب، وأبلغها أنه على قيد الحياة وأنه في أحد سجون الحوثيين في صنعاء ولم يسمح له بتحديد المكان.
خيط الأمل نما وكبر بعد تلقي رباب الاتصال من زوجها، وعادت لها الحياة بعد يأس التعرف إلى مصيره، ومنحها ذلك دفعة للتحرك في سبيل إخراجه من السجن.
تحركت رباب وعائلة زوجها لمناشدة المسؤولين الحوثيين في مدينة الحديدة بالإفراج عنه أو حتى تيسير اللقاء به، وبعد شهرين من المعاناة، جاءها اتصال آخر من زوجها، يقول فيه إنه نقل إلى سجن آخر في صنعاء مسموح فيه بالزيارة، فاتجهوا إلى العاصمة مباشرةً.
ليلة ما قبل الزيارة
بفرح وشوق كبير، قضت رباب ليلتها ترسم في مخيلتها لحظات اللقاء، ومع بزوغ فجر الـ22 من يوليو (تموز) 2018، حزمت رباب حقائبها التي تحتوي على ملابس وهدايا وصورة أمه الكبيرة في السن، وكعك من الذي كان يحبه ناجي، صعدت مع ابن أخيها معين الذي يبلغ من العمر 12 سنة وابن عمها سائق المركبة، وتحركت نحو صنعاء لتطفئ لهيب الشوق ونار الفراق.
من خوخة، المدينة التي تسكنها رباب وتتبع إدارياً محافظة الحديدة، خرجوا باتجاه مفرق حيس الخاضعة أيضاً لسيطرة الحوثيين، والمفخخة بآلاف الألغام، انفجر أحدها بالمركبة التي تقلهم، توفي سائق المركبة وابن أخيها على الفور، فيما سقطت رباب مضرجة بالدم ممزقة الجسد لتنقل على إثرها لأحد مستشفيات مدينة إب وسط البلاد، ثم إلى أحد المستشفيات في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وظلت هناك لخمسة أيام على قيد الحياة والأمل ووعد بزيارة زوجها لها، ولكن الميليشيات حالت بينها وبين أملها ولم يسمحوا لهما باللقاء الأخير، لوحت تلويحة الوداع وغادرت الدنيا.
الناجي في السجن
يروي ناجي أنه ظل شهراً كاملاً لا يعرف بخبر وفاة زوجته، وعندما سمح له بالاتصال، اتصل على هاتفها وجده مغلقاً، ثم هاتف والدها وكان مغلقاً أيضاً، ويضيف “ثم هاتفت أحد أصدقائي وأبلغني بالخبر الذي نزل علي كالصاعقة، حينها شعرت بمعنى الفقد حقاً، لم يهزمني السجن كما فعل الفقد”.
ماتت رباب وظل زوجها خلف القضبان يعاني مرارة السجن، ليضاف إليه معاناة فقدان زوجته.
حرية بعد حين
يقول ناجي “استقبلتني أمي وكل أهلي في مطار عدن قادماً من صنعاء بعد الإفراج عنا بوساطة أممية في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، كنت أتمنى أن تكون رباب ضمن المستقبلين”.
وأضاف أنه بعد الخروج من السجن، فرض عليه النزوح القسري، فيقول معلقاً على التهجير “كما حرمت من وداعها الأخير على سرير المستشفى، حرمت حتى من زيارة قبرها حتى 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، إلى أن تم تحرير المنطقة من الحوثيين”، ليذهب من جديد إلى القرية ويزور ضريحها ويضع عليه إكليل ورد.
المصدر أندبندنت عربية