كريتر نت – عربي بوست
بعد أن كان هدف السعودية إيجاد مخرج من الحرب في اليمن، تغير الموقف من التهدئة إلى الهجوم وبداية ذلك من محافظة شبوة التي اعترف الحوثيون بخسارتها لصالح القوات المدعومة من التحالف، فما أسباب تغير الموقف السعودي؟
كانت السعودية قد أعلنت، منذ أواخر 2020 وخلال 2021، مبادرات عديدة لوقف إطلاق النار من طرف واحد، بالإضافة إلى دعوات لإجراء مفاوضات مع جماعة الحوثي، لكن الجماعة تمسكت برفض هذه المبادرات، وكثيراً ما قابلتها بتصعيد عسكري، عبر إطلاق صواريخ بالستية وطائرات مسيرة مفخخة على أهداف داخل اليمن وفي العمق السعودي.
الحرب في اليمن بدأت مع انقلاب جماعة أنصار الله (الحوثيين) على الحكومة اليمنية في سبتمبر/أيلول 2014، وقادت السعودية والإمارات التحالف الداعم للشرعية في اليمن منذ مارس/آذار 2015 بهدف القضاء على الحوثيين وإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الحكم.
لكن تسببت الحرب التي تقترب من نهاية عامها السابع في نزوح ما يزيد على أربعة ملايين شخص، بينما يعتمد نحو ثلثي سكان اليمن، أي أكثر من 20 مليون نسمة، على المساعدات الإنسانية العاجلة، منهم نحو خمسة ملايين يعانون من مجاعة، إضافة لمقتل نحو 13 ألف مدني وإصابة 112 ألفاً آخرين تقول منظمات حقوقية دولية إنهم ليسوا طرفاً في الحرب.
السيطرة على محافظة شبوة
أعلنت القوات الموالية للحكومة اليمنية، الإثنين 10 يناير/كانون الثاني، أنها انتزعت السيطرة الكاملة على محافظة شبوة الغنية بموارد الطاقة من أيدي الحوثيين، وذلك في خضم معركة للسيطرة على شبوة وعلى محافظة مأرب المجاورة، والتي أصبحت محور الصراع ككل.
وقالت ألوية العمالقة ، وهي مجموعة مدعومة من الإمارات وتشكل جزءاً من التحالف بقيادة السعودية الذي يقاتل الحوثيين المتحالفين مع إيران، إنها استعادت السيطرة الكاملة على المحافظة بعد قتال على مدى 10 أيام.
واعترف الحوثيون بانتصارات قوات التحالف في شبوة.
وكانت القوات اليمنية الموالية للتحالف، ومن بينها ألوية العمالقة، قد استعادت يوم الإثنين السيطرة على أجزاء من عسيلان في شبوة وزحفت باتجاه بيحان، وقال مصدران عسكريان لرويترز إن عشرات القتلى سقطوا على الجانبين في قتال الأسبوع الماضي.
بينما قالت ثلاثة مصادر عسكرية وقبلية أخرى إن المقاتلين الموالين للحكومة استعادوا أيضاً بعض المناطق في الضواحي الجنوبية والغربية لمدينة مأرب.
والثلاثاء 11 يناير/كانون الثاني وصل العميد تركي المالكي المتحدث الرسمي باسم التحالف الذي تقوده السعودية إلى شبوة، معلناً “إطلاق عملية تحرير اليمن السعيد”، في إشارة على تغيير الموقف السعودي والتوجه مرة أخرى نحو السعي لحسم الحرب عسكرياً.
“حرية اليمن السعيد”
عقد المالكي مؤتمراً صحفياً بحضور عوض العولقي محافظ شبوة، أعلن خلاله أن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن أطلق عملية “حرية اليمن السعيد” على كافة المحاور والجبهات، مضيفاً: “أن هذه العملية ليست عملية عسكرية بالمصطلح العسكري، أي الحرب، بل أن تنقل اليمن إلى النماء والازدهار”، مؤكداً أن الشعب اليمني يستحق الحياة ولديه الكثير من المقومات التي لم تستغل، بحسب موقع سكاي نيوز الإماراتي.
وتأتي هذه التصريحات بعد أيام قليلة من إعلان المالكي أن التحالف يعتقد أن استخدام حركة الحوثي لمواقع مدنية سيحول ميناءي الحديدة والصليف إلى أهداف عسكرية مشروعة.
وأضاف المالكي في مؤتمر صحفي السبت: “نحن لا نريد استهداف الموانئ.. نريد التوصل إلى حل سياسي شامل لكن عندما يستخدم الحوثيون مواقع مدنية.. فهم يسقطون الحصانة الدولية.. وبذلك تكون (ميناءا الحديدة والصليف) هدفاً عسكرياً مشروعاً”.
كان الحوثيون قد احتجزوا قبل أيام سفينة شحن ترفع علم الإمارات وقالوا إنها ضالعة في “أعمال عدائية”، لكن التحالف قال إنها كانت تنقل معدات طبية، وذلك ضمن صراع لفرض السيطرة على الواردات القادمة إلى اليمن.
وفيما بدا أنه نفي لاتهامات التحالف، قال حسين العزي نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين إن بعثة أممية تقوم بتنفيذ زيارات إلى موانئ الحديدة بشكل يومي وأسبوعي منذ اتفاق ستوكهولم، وفقاً لما نقله تلفزيون المسيرة التابع للجماعة عقب المؤتمر الصحفي للتحالف.
وتسيطر جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران على الميناءين اليمنيين، ويقول التحالف إن الجماعة تستخدمهما نقطتي انطلاق لعمليات عسكرية وبحرية.
وجرى توقع اتفاق ستوكهولم في عام 2018 بين الأطراف المتحاربة في اليمن، ويهدف للإبقاء على عمل الموانئ.
وقال الحوثيون الأربعاء إن التحالف غيّر مسار سفينة وقود خامسة كانت متجهة إلى الحديدة وأمرها بالإبحار نحو ميناء سعودي.
لماذا تغير الموقف السعودي؟
منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أي قبل أقل من شهرين فقط، سحبت السعودية قواتها من ميناء الحديدة دون مقدمات، ودَخَلَ الحوثيون إلى الميناء في خطوة مفاجئة لجميع الأطراف، حتى مراقبو الأمم المتحدة الذين نُشِروا لمراقبة وقف إطلاق النار في المنطقة منذ عام 2018.
وقالت بعثة المراقبين: “يمثِّل هذا تحوُّلاً كبيراً في الخطوط الأمامية”، بحسب مجلة The Economist البريطانية.
وكان أحد أسباب سعي السعودية للتهدئة والبحث عن مخرج ينهي تورطها في اليمن هو وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، خصوصاً أن إدارته اتخذت عدداً من القرارات هدفها إنهاء الحرب في اليمن.
إذ أوقفت واشنطن بيع الأسلحة والذخائر دقيقة التوجيه إلى السعودية والإمارات إلى أجل غير مسمى، وأعلنت أنها شرعت في إجراءات الإلغاء لقرارٍ أمريكي سابق بتصنيف جماعة الحوثي “منظمة إرهابية أجنبية”.
وفي 10 يونيو/حزيران 2021، أعلنت الرياض وقف هجماتها ضد مواقع الحوثيين في العاصمة صنعاء (شمال)، وباقي مدن اليمن، تمهيداً لتسوية سياسية، لكن في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه السعودية هذه المبادرة من طرف واحد، أطلقت الجماعة صواريخ استهدفت مسجداً وسجناً للنساء في اليمن، ما أسفر عن مقتل 8 مدنيين وإصابة 27 آخرين.
وعلى هذا المنوال استمرت الأمور طوال العام المنصرم تقريباً.
السعودة تلتزم الموقف الدفاعي بصورة كبيرة سعياً للوصول إلى مخرج من الصراع، بينما يواصل الحوثيون التصعيد داخل اليمن وفي العمق السعودي، وباتت مأرب هدفاً رئيسياً للجماعة المدعومة من إيران.
مأرب، الواقعة في وسط اليمن، ظلت محور الحرب لأكثر من عام، حيث تسببت المعركة للسيطرة عليها في تعطيل جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة.
وتسيطر الحكومة على المدينة الرئيسية في المحافظة وعلى البنية التحتية للنفط والغاز القريبة، بينما يكثف الحوثيون من هجومهم للسيطرة على المحافظة التي تعتبر آخر معاقل حكومة هادي في شمال اليمن.
ويعيش في مدينة مأرب حالياً ثلاثة ملايين شخص، من بينهم نحو مليون فرّوا من مناطق أخرى من اليمن بعد أن أطاح الحوثيون بالحكومة من العاصمة صنعاء في أواخر عام 2014.
لكن الأسابيع القليلة الماضية شهدت عدداً من المعطيات يبدو أنها أدت إلى تغيير الموقف السعودي من الدفاع إلى الهجوم.
موافقة الكونغرس الأمريكي على صفقة أسلحة قيمتها 650 مليون دولار للسعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي واحداً من تلك المعطيات الهامة، إذ يبدو أن الرياض نجحت في إقناع كثير من المشرعين الأمريكيين بأن الحوثيين المدعومين من إيران لن يقبلوا التفاوض طالما يشعرون بأنهم في موقف قوي، بحسب محللين.
وكان تقرير لموقع The Intercept الأمريكي قد تناول هذا التغيير في مواقف بعض أبرز المشرعين الديمقراطيين المعارضين للحرب في اليمن، وتصويتهم لصالح تمرير صفقة الأسلحة الأخيرة للسعودية.
وهناك أيضاً المفاوضات الجارية حالياً بين السعودية وإيران من جهة، وبين إيران والقوى الدولية بشأن الاتفاق النووي الإيراني، إذ لا يمكن استبعاد مسار تلك المفاوضات من التأثير المباشر على الحرب في اليمن، والتي يصفها كثير من المحللين بأنها حرب بالوكالة بين الرياض وطهران.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفي إطار محاولات الأمم المتحدة تدارُك تداعيات التصعيد في مأرب، زار المبعوث الأممي الخاص هانس غروندبيرغ طهران، حيث التقى كبار المسؤولين، في محاولة لإنهاء الحرب في اليمن.
وقالت وسائل إعلام إيرانية وقتها إن غروندبيرغ فشل في إقناع المسؤولين الإيرانيين بالضغط على الحوثيين لوقف تقدمهم في مأرب، حيث قالوا له إن القرار بيد اليمنيين، وإن الطريق إلى السلام يمر عبر رفع الحصار عن اليمن (يقصدون من طرف السعودية).
هل تستطيع السعودية حسم الأمور عسكرياً إذاً؟
الآن وقد غيرت السعودية موقفها من الدفاع إلى الهجوم والبداية من شبوة والهدف “حرية اليمن السعيد”، كما أعلن المالكي المتحدث باسم التحالف، يصبح السؤال البديهي هل يستطيع التحالف حسم الأمور عسكرياً فعلاً؟
الإجابة البديهية والمنطقية هي النفي بطبيعة الحال، فلا شيء قد تغير في موازين القوة على الأرض خلال الأسابيع القليلة الماضية، بل إن التقارير تفيد بأن السعودية تعاني نقصاً حاداً في ذخائرها الصاروخية الدفاعية وتسعى لتعويض مخزونها الاستراتيجي على وجه السرعة لأن التأخير يعني انكشاف أجواء المملكة أمام مسيرات وصواريخ الحوثي.
فبحسب تقرير نشرته صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، طلبت الحكومة السعودية من إدارة الرئيس جو بايدن تزويد الرياض “على وجه السرعة” بصواريخ باتريوت اعتراضية، كما توجهت السعودية بالطلب نفسه لقطر ودول أوروبية أيضاً، إذ تواجه الرياض “وضعاً خطيراً” بعد أن أوشك مخزونها من صواريخ باتريوت على النفاد.
لكن العنصر الأكثر تأثيراً في الحد من قدرة التحالف على الانتصار عسكرياً على الحوثيين هو الانقسامات بين صفوف التحالف نفسه، والتي لا يبدو أنها قد تراجعت أو حتى توارت رغم الانتصارات في شبوة.
فالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات يرى في “تحرير” شبوة انتصاراً لقواته المتمثلة في ألوية العمالقة، وتصريحات عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي خير شاهد على تلك الانقسامات، إذ قال إن “ألوية العمالقة قوات جنوبية خالصة”.
والمجلس الانتقالي يسعى لانفصال جنوب اليمن وتأسيس دولة جنوبية، ووصلت الأمور إلى الحرب بين قواته والقوات التابعة لحكومة هادي، وتدخلت السعودية وتم التوقيع على “اتفاق الرياض” أواخر عام 2019 دون أن يتم تنفيذه حتى اليوم.
لكن الواضح أن اقتراب الحوثي من السيطرة على محافظة مأرب قد دفع الأطراف اليمنية المتصارعة داخل التحالف بقيادة السعودية والإمارات إلى تنحية خلافاتها جانباً مؤقتاً، إذ إن سقوط مأرب بيد الحوثيين يمثل أسوأ السيناريوهات بالنسبة للسعودية.
وفي هذا السياق أيضاً تأتي موافقة إدارة بايدن على توريد أسلحة إلى السعودية، رغم قرار الإدارة وقف مبيعات الأسلحة قبل ذلك، فالواضح أن إصرار الحوثيين على رفض مبادرات وقف إطلاق النار ومواصلة هجماتهم ضد العمق السعودي كان أهم أسباب ذلك التغير في الموقف الأمريكي.
وبالتالي فإن التغيير المعلن في الموقف السعودي على الأرجح الهدف منه تشديد الضغوط على الحوثي وإيران للموافقة على التفاوض حول مخرج سلمي للصراع.