كريتر نت – العربي / محمد راجح
برزت كارثة التصحر في اليمن كمعضلة رئيسية تضاف إلى قائمة واسعة من الأزمات التي تهدد القطاعات الإنتاجية وسبل العيش وتعمق من أزمة انهيار الأمن الغذائي في البلاد التي يعصف بها صراع طاحن منذ نحو سبع سنوات، أدى إلى تغافل السلطات الحكومية عن مواجهة عديد الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي فاقمت من معاناة معظم سكان البلاد.
وازداد الصراع العسكري اشتعالا خلال الفترة الأخيرة، وخاصة بين الحوثيين والإمارات إذ تبادل الطرفان القصف، الأمر الذي انعكس سلباً على مختلف القطاعات الإنتاجية ومنها الزراعة.
أشكال متعدّدة للتصحر
وتشير تقارير رسمية اطلعت عليها “العربي الجديد”، إلى انتشار التصحر في اليمن بأشكال متعدّدة حيث إن ما يقارب 97% من أراضي البلاد تعاني من التصحر بدرجات متفاوتة.
ويتمثل ذلك في تدهور الأراضي الزراعية والمراعي وتدمير النمو الشجري، إضافة إلى ظواهر الانجراف الذي يرجع إلى التضاريس الجبلية، إلى جانب تدهور الموارد الطبيعية المختلفة من مياه ونبات ومحاصيل زراعية، عدا عن التعرية الهوائية والمائية وتملح التربة وزحف الرمال والتوسع العمراني.
وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة حوالي 3% من إجمالي مساحة الأراضي في اليمن البالغة نحو 52 مليون هكتار (الهكتار =10000 متر مربع)، فيما مساحة الصحراء تصل إلى 52.4%، ونحو 40.8% أراض رعوية، وما يقارب 3.7% مساحة الغابات والأحراش.
وتقدر بيانات حديثة حجم الأراضي المتدهورة الناتجة عن التغيرات المناخية، منها الانجرافات المائية والانجراف الريحي والتدهور الكيميائي بنحو 5.6 ملايين هكتار، في حين 97% من أراضي اليمن تعاني التصحر بدرجات متفاوتة.
أبرز الأسباب
الخبير في المناخ، منصور الزبيري، يشرح لـ”العربي الجديد”، الأسباب التي أدت إلى بروز مشكلة التصحر في اليمن مؤخرًا وتحولها إلى إحدى أهم الأزمات التي تعاني منها اليمن وتؤثر على أهم قطاع يستوعب مشغلا للأيدي العاملة في البلاد ويهدد سبل العيش وتعميق أزمة انهيار الأمن الغذائي.
وينوه الزبيري إلى أن الجفاف وشح الأمطار وتغير مواسم هطولها من أهم العوامل التي أدت إلى توسع رقعة التصحر ليقضم مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، إضافة إلى تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة.
وأشار إلى أسباب مرتبطة بكوارث السيول والفيضانات والتي تقضي على طبقات واسعة من التربة وتساهم بالتالي في جعلها صلبة متصحرة، وتحولها مع مرور الزمن وعوامل التعرية إلى مواقع يستهدفها الزحف العمراني الذي لا يقل في خطورته عن مثل هذه الكوارث التي تهدد القطاع الزراعي في اليمن.
وتحتل اليمن المرتبة 172 من بين 182 دولة من حيث القدرة على التكيف العالمي والاستعداد للتغيرات المناخية، في حين تتوقع تقارير دولية تفاقم الانكماش في الاقتصاد اليمني بسبب تغير المناخ.
أضرار السيول والاحتطاب
خلال العامين الماضين تأثر نحو 96 ألف أسرة يمنية في 13 محافظة بسبب السيول والفيضانات التي ضربت البلاد وألحقت أضرارا بالغة بالأراضي الزراعية والممتلكات العامة والخاصة، إضافة إلى ظهور الآفات الزراعية ومنها الجراد الصحراوي الذي يهدد الإمدادات الغذائية من الإنتاج الزراعي المحلي وبالتالي الأمن الغذائي الذي يهدد بدوره 16 مليون شخص في اليمن بما نسبته 54% من إجمالي عدد السكان، من بينهم 5 مليون شخص يصنفون في المرحلة الرابعة الطارئة ومعرضون لخطر المجاعة.
وتعاني الزراعة في اليمن من تداعيات خطيرة وتدهور متواصل بسبب التغييرات المناخية والجفاف والإهمال، والانهيارات الأرضية التي تضرب المناطق المأهولة بالسكان في اليمن مرة واحدة على الأقل كل أربع سنوات، وانعكاسها على الأنشطة الاقتصادية الوطنية بما في ذلك الزراعة.
مجمل هذه الآثار وغيرها تلحق أضرارا بالغة في القطاع الزراعي وتؤدي إلى تآكل الأراضي الزراعية وانخفاض الرؤية التي تتسبب في تعطيل النقل الجوي والبري وأعمال البناء، إضافة إلى تعطيل حركة السياحة الداخلية والتجارة.
ومن أهم العوامل التي تؤثر على الغطاء النباتي في اليمن هي ظهور مشكلة الاحتطاب، والتي تفاقم من ظاهرة التصحر وتهدد الغطاء النباتي في اليمن خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث برزت مشكلة قطع الأشجار في المناطق الحراجية وأراضي الغابات في البلاد لاستخدامها كوقود بديلا عن الغاز المنزلي جراء أزمة المشتقات النفطية.
وتسببت عملية الاحتطاب الجائر بتفاقم المشكلة وأدت إلى زيادة استغلال الغطاء النباتي وتدهوره في مختلف مناطق اليمن، إذ يتمثل ذلك في القطع الكلي للأشجار والنباتات الحرجية لإنتاج الأخشاب والحطب وصناعة الفحم واستهلاكها كوقود لأغراض الطبخ.
ويتم قطع ما يزيد على 866.44 شجرة سنويًا، لتشغيل مخابز صنعاء فقط، إذ يتم حرق قرابة 17.500 طن من الحطب سنويًا، ما يؤدي وفق نتائج مسح أجرته جهات حكومية مختصة إلى القضاء على مساحة قدرها 780 هكتارًا من الأراضي المزروعة.
المساحة قد تزيد في حال شمل المسح محافظات اليمن التي تعاني من أزمة الوقود بشكل مستمر طوال سنوات الحرب الدائرة في اليمن، وقد تصل إلى ملايين الأشجار التي تتعرض للاحتطاب سنويًا.
أزمة سكان الأرياف
يؤكد أستاذ الزراعة في جامعة صنعاء، أحمد شمسان، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن اليمن من أكثر الدول عرضة لتغير المناخ وقد بدأت تأثيرات ذلك تظهر بشكل أوضح خلال السنوات الخمس الماضية بشكل خاص، وهو ما يلاحظ في انخفاض إنتاج المحاصيل الاستراتيجية والحبوب واختلاف المواسم التي أثرت على العملية الزراعية والمزارعين الذين أصبحوا غير قادرين على التعامل معها، وهو ما يلاحظ في التوقف عن زراعة كثير من المحاصيل وترك الأراضي، ما يؤدي إلى تعرضها للتعرية والتصحر.
وحسب شمسان، تبرز التحديات أكثر في تغيرات المناخ والتي بدورها تؤدي إلى شح المياه وتؤثر على مختلف القطاعات الإنتاجية وسبل العيش، وخاصة سكان الأرياف المعتمدين على الموارد الطبيعية في توليد الدخل، في ظل احتياج 16 مليون شخص للغذاء، منهم 5.1 ملايين بحاجة ماسة له.
وتركزت أزمة تغير المناخ بشكل ملحوظ في 13 محافظة يمنية، كثير منها تعد بمثابة السلة الغذائية الرئيسية في البلاد، وهو ما يمثل تهديدًا على مستقبل الاقتصاد، إذ يتوقع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد اليمني على المدى المتوسط بنسبة تصل إلى 24% بحلول عام 2050، بسبب تغير المناخ وتوسع بعض الظواهر كالتصحر والذي يؤثر على فرص العيش ويفاقم من أزمة الغذاء.