كتب : محمد العولقي
أعترف أنني كلما حاولت الكتابة عن الرياضة في محافظة الضالع يمتلئ فمي بالماء، ليس في هذا الاستهلال أي تهويل للموقف يدعم كيف نسبر أغوار رياضة و رياضيي الضالع في خمسة أيام وبدون معلم .
تعرضت رياضة الضالع و لا زالت لعمليات تعتيم غير مسبوقة لم تراع حقيقة أن للضالع مبدعين لكنهم يتقوقعون في أندية دكاكينية بعيدة عن عين الدعم و قلب المساعدة .
ومثلما تقدم لنا الضالع دروسا في فنون معارك الوغى، حيث تكتيك الدفاع عن الشرف الرفيع فإنها أيضا محافظة حبلى بالمبدعين الرياضيين الموهوبين، لكن قنوات التواصل مع مثل تلك المواهب مشفرة رغم أننا نعيش في زمن السماوات المفتوحة حيث أصبح العالم أمام التكنولوجيا الحديثة مجرد قرية تتجول فيها بكبسة زر .
مناسبة الحديث عن رياضة الضالع مكالمة من (ضالعي) هزتني من الأعماق .
قال لي هذا الرجل :
نظمنا تظاهرة كروية تقديرا لابن الضالع والجنوب القامة الرياضية الإدارية المرحوم خالد صالح حسين وكيل وزارة الشباب والرياضة و كنا نتمنى لو كنت حاضرا الحدث لترى بنفسك كيف تسري الرياضة في جسد الضالعي سريان النار في الهشيم .
أصبت لحظتها بتلعثم لسببين :
الأول : لم تكن لدي أدنى فكرة عن هذه الفعالية وهدفها النبيل و لا بالجهة التي تبنتها
الثاني : لم أكن أصلا مدعوا للحضور ولو كان عندي خبر أو علم بالحدث لأتيتكم إلى ملعب الصمود مهرولا .
في كل الأحوال تبدو مكالمة هذا الضالعي صرخة في وجوه كل الذين يذرون الرماد في عيون أبناء الضالع، و تبدو لي دعوة للخوض في تفاصيل رياضة الضالع وهي بحكم الزمن رياضة قديمة جدا تمتد جذورها إلى زمان الوصل أي إلى ما قبل انضمامها إداريا إلى لحج .
راجعت أفكاري قليلا فوجدت أنه من المناسب ألا نسير مع رياضة الضالع على منهج أهل بيزنطة الذين أكثروا الجدل العقيم فكان أن استولى المغيرون على مدينتهم .
عرفت رياضة الضالع صغيرا عندما كان نادي الصمود يصول و يجول و يلعب في مختلف الدرجات مع عقد الثمانينيات، لكنني ارتبطت بالكابتن خالد صالح حسين بعلاقة صداقة من نوع خاص و فريد من نوعها.
يمكنني القول إن خالد صالح الذي كان نجما لافتا للأنظار مع الصمود يمثل صفاء و نقاء وجدعنة أهل الضالع، فطوال ربع قرن من معرفتي به كان من ذلك الطراز النظيف الذي ينحط على الجرح فيطيب .
وحتى لا نلوم الإعلام على تقصيره بحق رياضة الضالع و ننسى أنفسنا فإنه من العيب أن يتم تجاهل رياضة الضالع و مصادرة حقها الأدبي و الأخلاقي و منع الأضواء من زيارة ملاعبها الترابية و أنديتها شبه المشلولة، من العيب أن تخلو المحافظة التي كانت بوابة الانتصار وأنجبت أبطالا و قياديين رياضيين على شاكلة الأخ خالد صالح من المنشآت و لا تجد فيها ملعبا معشبا أو صالة أو مقار أندية تستوعب أحلام المواهب .
ليس المطلوب من كل ضالعي يقرأ هذه الدعوة لأن يتذمر ويقول : غطيني يا صفية على أساس أنه مافيش فائدة على رأي سعد زغلول، فالمحافظة التي تنتج الأبطال في الميادين قادرة بعزيمة أبنائها على دحر الصعاب وتأسيس رياضة فيها الحد الأدنى من المقبول و المرغوب .
تناهى إلى ذهني أن أهالي الضالع حاليا يشمرون سواعدهم ويشحنون بطاريات عزيمتهم لبناء ملعب رياضي عملاق يستوعب أحلام الرياضيين، لكن ما يحز في نفسي أن تمويل مثل هذا المشروع تمويل ذاتي من جيوب وعرق أبناء الضالع، يعني مشروعا أهليا ذاتيا خالصا لا تشوبه شائبة .
وأسأل وزارة الشباب والرياضة :
أينكم من رياضة الضالع ..؟
أين موارد الصندوق خصوصا و الضالع ترفد الصندوق يوميا بالملايين لقاء تخصيب القات و نفث الدخان وتعمير البيوت بالأسمنت ..؟
لماذا تذهب أموال الشباب والرياضيين إلى فنادقكم و سفرياتكم و نزواتكم و أقربائكم الأولى بالمعروف بدلا من أن تصب في مجرى الرياضيين؟
ألا تخجلون من أنفسكم ومن بطونكم وأنتم تشاهدون شباب مثل الورد يستقطعون من معاشاتهم الزهيدة لتشييد ملعب يحمي هذا الجيل من التشرد و الضياع ..؟
في الماضي القريب كنت من أشد المتحمسين لنادي نصر الضالع، كنت معجبا بتجربته وهو يتحدى ظروفه و يروض المستحيل و يقهر عوامل تعرية الطبيعة ثم يقف بكل كبرياء ندا لأندية المال وتلنفوذ في صنعاء و عدن و تعز .
النصر اليوم اختفى عن الأنظار لأسباب يعلمها علام الغيوب، و بالتالي أصبحت رؤيتي لكرة القدم في الضالع غائمة إلى غائمة جزئيا حاله حال طقس واقعنا الرياضي في زمن المد الثوري الجنوبي .
سررت وسعدت الأسبوع الماضي عندما عادت رياضة الضالع إلى دائرة الضوء من جديد بفعاليات شعبية تبجل و تعظم قيادات وأبطالا قضوا نحبهم في سبيل استعادة الوطن المسلوب، و غمرتني فرحة لا توصف مع إرادة أبناء الضالع وهم يتحدون ظلم ذوي القربى في الوزارة بتشييد ملعب كروي من عرق جبين محافظة نتعلم منها كل يوم دروسا في ملاحم قهر المستحيل ..!
نقلاً عن أبين ميديا