كتب : نوفل الشرقاوي
أعلنت السلطات الأمنية المغربية عن تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم “داعش”، على إثر توقيف المكتب المركزي للأبحاث القضائية لشابين، لا يتجاوز عمر أكبرهما 23 عاماً، في إحدى البوادي بمنطقة الرحامنة، مضيفةً أن عمليات البحث والتحقيق مع المتهمين كشفت عن “مجموعة منشورات ذات محتوى متطرف صادرة عما يسمى بتنظيم داعش، إضافة إلى قناع لحجب وإخفاء الملامح”.
مسايرة التطور
ويبدو أن الجماعات المتشددة أصبحت تبحث عن توجهات جديدة لمسايرة التطور الكبير في التدابير الأمنية الحديثة، وتحديداً تلك المرتبطة بمكافحة للتطرف. وأشار باحثون إلى أن توجه الجماعات المتشددة إلى استقطاب الشباب اليافعين في البوادي يهدف إلى تسهيل مهمتها المتطرفة”.
وفي ذلك الإتجاه، قال الباحث المغربي في المجال الأمني، محمد الطيار، إن “عمر المشتبه فيهما بالانتماء لخلية إرهابية تابعة لداعش، والذي لا يتجاوز 23 سنة يبرهن مرة أخرى على استهداف المنظمات المتطرفة هذه الفئة من العمر، لسهولة استقطابها وقدرتها على تنفيذ عمليات انتحارية”، موضحاً أن “انتماء المشتبه بهما إلى البادية المغربية له تفسير يرتبط بتوجه داعش إلى تجنيد عناصر تقيم في البادية وعدم اقتصار اعتمادها على تجنيد أفراد في الحواضر، لتجنب قوة الرصد والمراقبة المشدَدة للانشطة المتطرفة في الحواضر، والتي أسفرت طيلة السنوات الماضية عن تفكيك العديد من الخلايا وإجهاض عمليات إرهابية عدة”، مضيفاً أن “اعتقال المشتبه بهما يوضح ايضاً أن “المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني جعلت من استراتيجيتها الاستباقية سياسة شاملة تشمل كل الأراضي المغربية من بوادي وحواضر وصحاري وحتى خارج المغرب، وتترصد الخطر المحدق أينما كان”.
وأوضح الباحث عبد الواحد أولاد ملود أن “الجماعات أصبحت تبتعد على الإرهاب بمفهومه الكلاسيكي، وبالتالي أصبحت تغيّر توجهاتها بهدف مسايرة تطور السياسات الأمنية المكافِحة لها، وبذلك أضحت تلك الجماعات تستخدم النساء في عملياتها بعدما كان الأمر في السابق يعتمد على الرجال، إضافة إلى استقطاب صغار السن، والتوسع على المستوى المجال الجغرافي”، معتبراً أنه “بعدما كانت المدن هي وجهة الجماعات الإرهابية لاستقطاب الأفراد، أصبحت المناطق الريفية منفذاً لها، وذلك بعد تشديد التدابير الأمنية في مختلف المدن، وبالتالي تظن الجماعات المسلحة، أن المناطق الريفية غير مراقَبة بالشدة المعتمدة في المناطق الحضرية، باعتبار أن المناطق الحضرية فيها تركيز أمني أكبر، بالإضافة إلى الترابط بين السكان والأجهزة الأمنية. كما أن التحرك بسرية الذي يضمنه الفضاء البدوي الممتلئ بالمساحات الزراعية والتي يقل فيها التواجد البشري، بالإضافة إلى تباعد المساكن، هو ما تجد الحركات الارهابية فيه مبتغاها”.
صغار السن
وأضاف الباحث أنه “من جهة أخرى، أصبحت الجماعات المتطرفة تركز على صغار السن لأنهم ما زالوا في بداية حياتهم ولم يمتلكوا في الغالب قناعات راسخة تحصنهم ضد الفكر المتطرف، وبالتالي يسهل على الجماعات الارهابية تلقينهم أفكارها الراديكالية”، مشيراً إلى أن “طبيعة الخلية الارهابية الأخيرة مرتكزة على محددَين أساسيين وهما التوجه نحو الأرياف واستقطاب صغار السن”، موضحاً أن “الجماعات المتشددة زادت أخيراً من حدة نشاطها في الأرياف بما في ذلك تنفيذ العمليات الإرهابية، باعتبار أن القرى المغربية أصبحت وجهة للعديد من السياح الذين يفضلون هدوء المناطق النائية من بوادي وجبال لقضاء عطلهم، الأمر الذي استغله المتطرفون بوحشية في ديسمبر (كانون الأول) 2018، حين قامت خلية موالية لـ “داعش” بقطع رأسي سائحتَين اسكندنافيتَين كانتا في جولة لوحدهما بجبال إمليل المحاذية لمدينة مراكش”. وأشار أولاد ملود إلى أن أجهزة الأمن المغربية أصبحت مطالَبة أكثر من أي وقت مضى بتكثيف الجهود في مختلف المجالات الجغرافية لدرء الخطر الإرهابي، وذلك بالتعاون مع كامل المجتمع.
توجه استباقي
في السياق، يعتقد مختصون أنه بفضل اعتماده على سياسة أمنية استباقية، تمكن المغرب من إفشال مخططات إرهابية عدة سواء ضده أو ضد العديد من الدول في مختلف القارات. وقال الباحث الأمني محمد الطيار، إن “اعتقال المشتبه بهما قبل الشروع في التنفيذ، دليل على نجاعة الاستراتيجية الاستباقية التي اعتمدتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية) في التعامل مع الخطر الإرهابي والجريمة المنظمة، وهي سياسة جنبت البلاد والعديد من الدول الأخرى، في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا، تكبد الخسائر في الأرواح والممتلكات، وجعلت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني موضوع إشادة وطنية ودولية”.
من جانبه، قال حبوب الشرقاوي، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، أن “المكتب فكك 86 خلية إرهابية منذ إنشائه في عام 2015، منها 80 خلية إرهابية على علاقة وطيدة بتنظيم “داعش”، وستة خلايا أخرى تنشط في ما يُطلق عليه “الاستحلال والفيء”، حيث جرى توقيف 1400 شخص وتقديمهم للعدالة، من بينهم 56 من ذوي السوابق القضائية في إطار قضايا الإرهاب، و35 قاصراً و14 امرأة، مشيراً إلى أن “مجال اختصاص المكتب هو: جرائم الإرهاب والعصابات الإجرامية والجرائم التي تمس بأمن الدولة، الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية وخطف واحتجاز الرهائن، وجرائم حماية الصحة العامة والأسلحة والذخيرة والمتفجرات والقتل والتسميم”.
وأوضح المسؤول الأمني أن “المغرب اعتمد استراتيجيةً ترتكز على العمل الاستباقي منذ عام 2013، أُسست على مقاربة أمنية شاملة ومتعددة الأبعاد، لا تعتمد على المجال الأمني فحسب، ولكن هناك مجالات أخرى كالمجال الديني، السوسيو-اقتصادي، والقانوني، وساهمت في أن يتبوأ المغرب مكانة مرموقة على الصعيد العالمي وأن يصبح شريكاً استراتيجياً في هذا المجال”، مذكراً بأن “المملكة انخرطت منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 بشكل غير مشروط وتام إلى جانب دول التحالف في محاربة الجريمة الإرهابية والارهاب والتطرف العنيف، ما جعلها تصبح هدفاً للتنظيمات العالمية الارهابية، بالإضافة إلى أنه لا يمكن محاربة الإرهاب والتطرف العنيف إلا من خلال تعاون دولي وثيق”، مضيفاً “أننا أمام تحديات أمنية ومخاطر كبيرة لا تهدد المغرب فحسب، بل الدول المغاربية ومنطقة الساحل والصحراء وكل دول العالم”. وقال إن “منطقة الساحل أصبحت حالياً ملاذاً خصباً وآمناً ومرتعاً للتنظيمات الإرهابية، بخاصة بعد اندحار داعش في منطقتنا وأيضاً بسوريا والعراق”.
النأي عن المفهوم الكلاسيكي
ولفت الباحث عبد الواحد أولاد ملود، إلى أنه “في السنوات الأخيرة لوحظ تغيير في التوجه التنظيمي للجماعات الإسلامية المتطرفة، فبعد أن كانت تلك الجماعات تعتمد مفهوم الارهاب الكلاسيكي، بمعنى تكوين جماعة تأتمر بأمر أميرها، ولا تقوم بأي تحرك من دون أن يبت فيه، أصبحت تلك الجماعات تعتمد حالياً على مفهوم الذئاب المنفردة، أو خلايا تضم عدداً قليلاً من الأشخاص، والتي بات لديها استقلالية في تنفيذ الهجمات في أماكن معينة، وذلك بعدما كان الموالون للجماعات المتطرفة الكلاسيكية، كتنظيم القاعدة، يستشيرون أمير الخلية الأم لتنفيذ الهجمات، ويبقى الأمر الأهم هو تقديم الولاء، والذي أصبح يتم عن بُعد عبر الانترنت، وبالتالي تيسر أمر المبايعة، الذي كان يتطلب في السابق اجتماع العنصر المستقطَب بأمير الجماعة”.
نقلاً عن أندبندنت عربية