مسعود الزاهد
نشر قراصنة يطلقون على أنفسهم “عدالة الإمام علي” وثائق سرية للغاية لاجتماع خلف الأبواب المغلقة بين مسؤولين إيرانيين، كشفت عن اتساع رقعة الاستياء داخل المجتمع الإيراني، مؤكدة اقتراب المجتمع من هوة الانفجار.
وذكرت الوثيقة التي وصفت بـ”سرية للغاية”، أرسلتها مجموعة مخترقون “عدالة علي” السيبرانية، خصيصاً لإذاعة “فردا” الأميركية الناطقة بالفارسية، تفاصيل اجتماع لـ”مجموعة العمل المعنية بالوقاية من الأزمات الأمنية الناجمة عن الوضع المعيشي”، وأعلنت أن “ثمة انفجار تحت جلد المجتمع الإيراني”، مؤكدة أن “السخط الاجتماعي قد ازداد بنسبة “300%” في العام المنصرم”.
نص كامل من سبع صفحات
هذه الوثيقة، التي كشفت عنها مجموعة “عدالة علي” السيبرانية، عبارة عن نص كامل لمحضر اجتماع مقر “ثار الله”، مكون من سبع صفحات، وعقد الاجتماع بتاريخ 21 نوفمبر 2021، برئاسة نائب قائد الحرس الثوري في المقر، العميد “حسين نجات”، بمشاركة ممثلي الادعاء العام بطهران، وجهاز استخبارات طهران، ومخابرات قوات الأمن العام والشرطة، ومخابرات الباسيج الاقتصادية، وفيلق “حضرة سيد الشهداء”، وفيلق “حضرة الرسول”، وباسيج المهن، وجهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني.
يذكر أن مقر ثار الله التابع للحرس الثوري الإيراني هو أحد المؤسسات الرئيسية المسؤولة عن قمع الاحتجاجات والمظاهرات، ويعتبر أهم معسكر أمني في العاصمة الإيرانية، وهو المسؤول عن حماية طهران والمؤسسات الحكومية السيادية فيها، أمام أي تهديد، بما في ذلك أعمال الشغب والاحتجاجات الواسعة المناهضة للحكومة أو التهديدات العسكرية ضد الحكومة، مثل الانقلابات.
وبالنظر إلى أن قائد مقر “ثار الله” هو القائد العام للحرس الثوري الإيراني، وبما أنه لا تتاح له فرصة القيادة المباشرة للمقر، فإنه عمليا يفوض سلطته القيادية إلى من ينوب عنه في المقر.
“إيران تعيش حالة الانفجار تحت جلد المجتمع”
وفي هذا الاجتماع قال “محمدي”، مساعد منظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني في الشؤون الاجتماعية: “تم إجراء مسح في المجتمع، يظهر أن المجتمع يعيش حالة انفجار تحت الجلد”.
وفي إشارة إلى صعود الحكومة الأصولية المتشددة لإبراهيم رئيسي، زعم في مطلع حديثه “فقد ترممت مؤشرات الثقة الوطنية”، لكنه تابع القول إن “عدة صدمات في الأشهر الأخيرة ألقت بظلال من الشك على ما إذا كانت هذه الحكومة قادرة أم لا”. وأشار محمدي إلى أن “موضوع (ارتفاع أسعار) السيارات و(انهيار) البورصة تسببت في اهتزاز شديد في مؤشرات الثقة في الحكومة” و”الآن ينظر 53٪ من المجتمع بالشك والريبة إلى ادعاء الحكومة”.
الاستياء الاجتماعي زاد بنحو 300% خلال العام الماضي
وأضاف مسؤول في الحرس الثوري الإيراني في الاجتماع السري، أن “الاستياء الاجتماعي زاد بنحو 300 في المائة خلال العام الماضي” وأن الاحتجاجات التي شهدتها إيران، ركزت على “التضخم والمتأخرات القانونية والفوضى الاجتماعية والمياه”.
كما أشار محمدي إلى حذف عن عرض الدولار بالسعر الحكومي بسعر 4200 تومان في الوقت الذي يتراوح سعر الدولار بين 28 إلى 30 ألف تومان، مما تسبب “زيادة الاحتكار والاحتفاظ بالأدوية وارتفاع أسعارها”، مشيراً في الوقت نفسه إلى تباطؤ وتيرة التطعيم ضد كورونا في البلاد، واحتمال حدوث عصيان مدني لدى المرحلة الثالثة من التطعيم.
توقع الاحتجاجات في الأشهر في نهايات السنة الإيرانية
وفي هذا الاجتماع قدم “العقيد كاوياني من مخابرات الأمن العام والشرطة الأمن العام” تقريراً عن التوقعات حول الاحتجاجات في الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 1400 الإيراني والذي ينتهي في مارس 2022 وقال إن “التجمعات في عام 1400 زادت بنسبة 48% مقارنة بعام 1399 وازداد في هذه الفترة، عدد المشاركين في الوقفات الاحتجاجية بنسبة 98%”.
وأضاف: “التجمعات لأسباب اقتصادية زادت بنسبة 56% مقارنة بالعام الإيراني الماضي، وزادت التجمعات في بيئات الطبقة العاملة بنسبة 136%، وكانت معظم الأماكن للوقفات الاحتجاجية، أمام مجلس البرلمان ووزارة العمل”.
وأردف هذا المسؤول الكبير في الشرطة الإيرانية، شهدنا معظم الاحتجاجات في “الصيف والخريف”، وفي منتصف الخريف لدينا أكبر عدد من الاحتجاجات لأسباب اقتصادية” وكانت معظمها أمام البرلمان.
وأشار العقيد كاوياني إلى أن “التضخم السنوي قد ارتفع بنحو 19.4% من سبتمبر 2020 إلى سبتمبر 2021 محذرا من أن ذلك قد يؤدي إلى “اللاأمن” على حد وصفه.
كما أشار إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وقال إن معدل التضخم الحقيقي للمواد الغذائية الأساسية في نوفمبر من العام الحالي مقارنة بشهر نوفمبر 2019 تراوح بين 86 و268%.
مؤشرات خطيرة بارتفاع نسبة تضخم أسعار المواد الغذائية
يذكر أن هذه الأرقام التي تحدث عنها المسؤول الكبير في استخبارات الشرطة الإيرانية في هذا الاجتماع السري، أعلى بكثير من التقارير الرسمية لمركز الإحصاء وسائر الوكالات الحكومية حول نسبة تضخم أسعار المواد الغذائية.
وحسب تقدير هذا القائد الأمني الاستخباراتي، فإن التضخم الحقيقي للمواد البروتينية مثل لحم الضأن هو 70٪ ولحم البقر 113٪ والأسماك 188٪ والدجاج 138٪ والبيض 186٪.
وواصل يقول، إنه بسبب الزيادة الكبيرة في الأسعار، فقد استبدل المستهلكون اللحوم والدواجن والحبوب، بفول الصويا، كما تم استبدال الأرز المحلي والأجنبي، الذي ارتفع سعره بنسبة 133 إلى 222%، بالمعكرونة.
وتوقع هذا المسؤول في مخابرات الشرطة والأمن العام أن تشهد الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الإيراني الجاري، “55 تجمعا نقابيا” وأضاف “التجمعات النقابية ستنمو بنسبة 22٪ مقارنة بالعام الماضي”.
حذف التسعيرة التفضيلية للدولار
وفي هذا الاجتماع، تحدث شهبازي من منظمة استخبارات طهران، فقال زاعما إن النظام “مجبر” على إلغاء التسعيرة التفضيلية للدولار بـ4200 تومان، وإن طريقة تعويضها يجب أن تكون باللجوء إلى دعم السلع.
يذكر أن سعر الدولار يراوح حاليا بين 28 إلى 30 ألف تومان وكان السعر التفضيلي بقيمة 4200، ويمنح لاستيراد السلع الأساسية إلا أن حكومة إيراهيم رئيسي حذفت السعر التفضيلي في الميزانية التي قدمتها إلى البرلمان، وهذا الإجراء تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل مطرد.
وبحسب شهبازي، فإن أعلى الأرباح من العملة التفضيلية كان يذهب إلى جيوب السماسرة والوسطاء، ولوحظ المزيد من التضخم في السلع الأساسية المستوردة بالعملة التفضيلية، وأكثر الفساد يشاهد في مجال توزيع السلع الأساسية، واقترح دفع إعانات مالية للفقراء وإلغاء الإعانات للفئات الميسورة، بدلا من دفع الدولار بالسعر التفضيلي لاستيراد السلع الأساسية.
وحسب تقديرات “محراب” الذي مثل الاستخبارات الاقتصادية التابع للحرس الثوري الإيراني في الاجتماع، أنه حتى الآن تم حذف 20 سلعة من قائمة العملة التفضيلية ولم يحدث “شيء خاص”، ويمكن تنفيذ هذه الخطة “بهدوء”، إلا أنه حذر من أن “ينبغي مراعاة الاعتبارات الأمنية والنفسية” بالتزامن مع حذف العملة التفضيلية.
رجل الاستخبارات الاقتصادية: إذا لم تؤخذ هذه الاعتبارات سنواجه أزمة حقيقية
ووفقاً لهذه الوثيقة المسربة فأنه من المقرر حذف فئات اجتماعية من تلقي الدعم، وبالمقابل، زيادة الدعم للفئات الأكثر تضررا من حذف العملة التفضيلية، وعليه حذر رجل الاستخبارات الاقتصادية للحرس الثوري، محراب، المشاركين في الاجتماع السري، قائلا “إذا لم تؤخذ الاعتبارات (الأمنية) في الحسبان، سنواجه أزمة، 100 في المائة”.
وكانت حكومة إبراهيم رئيسي قد اقترحت على البرلمان مشروعا لإلغاء العملة التفضيلية، واعتبار العملة بسعر 4200 تومان للدولار الواحد في ميزانية العام الإيراني المقبل وثمة معارضة للمشروع المقترح في البرلمان، ولا يزال مصير الدولار بـ4200 تومان مجهولا، لكن الغموض الناجم عن ذلك وحده تسبب في رفع أسعار السلعة الأساسية.
إلى ذلك تظهر تقديرات اجتماع قادة الحرس الثوري الإيراني أن إلغاء العملة التفضيلية سيؤدي إلى زيادة كبيرة أخرى في أسعار المواد الغذائية، لكن يرون أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع مضاعفات القرار بهذا الخصوص، هو زيادة الإعانات للفئات الأكثر تضررا.
إن تركيز هذا الاجتماع الذي عقد خلف الأبواب الموصدة بحضور شخصيات أمنية واستخباراتية في الشرطة والحرس الثوري الإيراني، يعكس القلق الذي ينتاب النظام الإيراني من ارتفاع الأسعار والذي من المتوقع أن يشهد قفزات عالية مع حذف الدولار التفضيلي أو الدولار الحكومي، لهذا السبب اعتبر العقيد “نجات” من الحرس الثوري الإيراني، أن أهم ما يواجهه النظام في الوقت الراهن، هو حذف التسعيرة التفضيلية للعملة، وتساءل “ما هي خطط الحكومة؟”، وما هو “الإجراء الاقتصادي والإعلاني؟” و”كيف يمكن إقناع الناس وأعضاء البرلمان بذلك؟”.
المصدر : العربية نت