كريتر نت – العرب
مع تصاعد الأصوات المطالبة بتصنيف المتمردين الحوثيين منظمة إرهابية، برز موقف عماني لافت يتحفّظ على مثل هذه الدعوات، الذي يرى بأنها تشكل تقويضا لفرص التسوية في اليمن. ويقول مراقبون إن هذا الموقف الذي يبدو أنه يسير عكس التيار ليس بغريب أو مستجدّ، وهو في صلب السياسة التي تتبناها مسقط حيال اليمن منذ تفجّر الصراع في العام 2015.
وتبنّت عمان وجهة نظر مختلفة عن الموقف العربي الذي يطالب بضرورة تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن منظمة إرهابية، في توجه غير جديد يعكس نهج السلطنة الذي يستند على الحياد، وعلى سياسة الأبواب المفتوحة في علاقة بحل الأزمة اليمنية المندلعة منذ نحو ثماني سنوات.
وقال وزير الخارجية العماني بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي إن إعادة تصنيف الحوثيين تنظيما إرهابيا من شأنه أن يقوّض جهود دفعهم إلى طاولة الحوار، مشددا على أن مثل هذه الخطوة ستعيق إيجاد تسوية سياسية للأزمة.
وجاءت تصريحات الوزير العماني خلال مقابلة مع موقع “مونيتور” الأميركي، نشرت في السادس والعشرين من الشهر الماضي أي بعد أيام قليلة من الهجوم الأول الذي شنه المتمردون اليمنيون على مواقع مدنية في الإمارات العربية المتحدة أسفر عن وقوع ثلاثة قتلى. وقد تم تداول هذه التصريحات على نطاق واسع خلال اليومين الماضيين.
وتعرضت الإمارات منذ السابع عشر من يناير لأربع هجمات بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، تبنى المتمردون الحوثيون المسؤولية عن ثلاث منها، فيما أعلن فصيل عراقي يطلق على نفسه “ألوية الوعد الحق” مسؤوليته عن الهجوم الرابع فجر الأربعاء باستخدام مسيرات.
وأثارت الهجمات غير المسبوقة على الإمارات، موجة تنديد دولية واسعة، وسط مطالبات عربية بضرورة تحرك حازم من قبل المجتمع الدولي ولاسيما من الولايات المتحدة لوضع حدّ لهذه الاعتداءات، ومن بين الخطوات التي يستوجب القيام بها إعادة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية.
ونددت عمان بالهجمات الحوثية، وأعلنت عن تضامنها مع دولة الإمارات، وتأييدها في ما تتخذه من إجراءات للحفاظ على أمنها واستقرارها، لكن مسقط ترى بأن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية قد يؤدي إلى المزيد من إطالة عمر الأزمة اليمنية، لكونهم طرفا رئيسيا فيها لا يمكن تجاوزه.
وقال وزير الخارجية العماني إن “الحوثيين عنصر رئيسي في الحل في نهاية المطاف، ويجب أن يتم إشراكهم والاعتراف بهم كمكون مثل باقي المكونات الأخرى في اليمن، ونحن نريدهم أن يكونوا جزءا من الحل”.
واعتبر البوسعيدي أنه “من الخطأ مجرد التركيز على الأعراض والتأثيرات، نريد معالجة الأسباب والدوافع ولا يمكن القيام بذلك إلا من خلال إشراك جميع الأطراف، بمن في ذلك الحوثيون، لأن لهم دورا مهما للتوصل إلى حلول لهذا الصراع، الذي استهلك بالفعل الكثير من الموارد واستنزف الكثير من الأرواح”.
وجاءت الهجمات على الإمارات على وقع انتكاسات ميدانية تعرض لها المتمردون الموالون لإيران على أيدي ألوية العمالقة الجنوبية المدعومة إماراتيا في عدة جبهات بدءا بالساحل الغربي ومرورا بشبوة جنوب غرب اليمن، ووصولا إلى مأرب آخر معاقل الحكومة المعترف بها دوليا في الشمال.
ويرى مراقبون أن هجمات الحوثيين تعكس حجم الارتباك والقلق الذي يسود قيادتهم وراعيتهم طهران، حيال إمكانية تغير موازين القوى التي كانت تميل لصالحهم في السنوات الأخيرة، بعد أن ضمنوا السيطرة على معظم أنحاء الشمال وجزء مهم من وسط البلاد وساحلها حيث يبسطون اليوم نفوذهم على جزء كبير من محافظة الحديدة.
وسحبت الإمارات قواتها العسكرية من اليمن في العام 2019، لكن الحوثيين يحملونها جانبا كبيرا من المسؤولية عن الخسائر التي تكبدوها مؤخرا من خلال دعمها لألوية العمالقة الجنوبية، التي أثبتت قدرة قتالية كبيرة في ساحات المعارك التي خاضتها هذه الألوية ضمن عملية “إعصار الجنوب”.
وأثارت الهجمات على الإمارات، المزيد من المخاوف من إمكانية أن يتجاوز الصراع بين المتمردين والسلطة الشرعية الجغرافية اليمنية ليكون فتيلا لاندلاع حرب إقليمية لا يمكن التكهن بمآلاتها، ويشير المراقبون إلى أن هذا الوضع يدفع بالكثير من الأصوات ومنها عمان إلى التحرك لإنعاش المفاوضات السياسية، خصوصا وأنها تحظى بعلاقات جيدة مع مختلف أطراف النزاع.
وقال البوسعيدي “كما رأينا في الأيام الأخيرة، ما حصل كان مقلقا للغاية، وقمنا بإدانته، وعُمان تقف بقوة في الدعوة إلى وقف تصعيد هذه التطورات الأخيرة”.
وأوضح الوزير العماني أن اليمن يعاني من “أزمة معقدة للغاية، لكن خلاصة القول إن هذه المشكلة يمنية، وتحتاج في نهاية المطاف إلى حل يمني”، مضيفا “دورنا هو المساعدة في تسهيل ذلك، لقد استغرق الأمر وقتا طويلا لسوء الحظ وأخذ الكثير من الموارد والأرواح طوال هذه السنوات السبع أو الثماني”.
وشدد على أن “هناك حاجة ماسة حقا لرؤية وقف إطلاق نار كامل في اليمن، من شأنه أن يسمح للبلد، ولجميع الأطراف في هذا الصراع، وكذلك جميع أصدقاء اليمن، البدء في مهمة إصلاح الضرر الذي لا يحصى”.
ويرى المراقبون أن المواقف التي عبر عنها الوزير العماني تعكس بوضوح المقاربة العمانية لتسوية الأزمة اليمنية، حيث إن مسقط ومنذ البداية تؤكّد على أن الخيار يكمن في دفع جميع الأطراف إلى طاولة الحوار بمن في ذلك الحوثيون.
ويشير المراقبون إلى أن عمان بمواقفها الأخيرة التي تبدو عكس التيار، تسعى إلى ترك الباب مفتوحا أمام فرص الحوار، وهي تقدم نفسها مجددا كوسيط محايد لاستئناف المفاوضات.
وعرض المتمردون الحوثيون الأحد الماضي عقد حوار مع الحكومة اليمنية في سلطنة عمان.
وقال القيادي الحوثي البارز محمد البخيتي في تغريدة على حسابه على تويتر “إن الحل السياسي في اليمن ممكن، إذا ما امتلكت أطراف الصراع الرغبة والقرار”. وأضاف “نحن نملك الرغبة والقرار لعقد حوار يمني – يمني، سواء في اليمن أو أي دولة محايدة مثل عمان”.
وأضاف القيادي الحوثي في تغريدة أخرى “إذا لم تستجب الأطراف التي تورطت في استدعاء التدخل الخارجي، لدعوات السلام الداخلي، فإننا سنمضي قدما في عملياتنا العسكرية في الداخل والخارج”.
ولا يعرف بعد ما إذا كانت دعوة البخيتي مناورة جديدة من المتمردين الحوثيين الذين اشتد عليهم الخناق داخليا وخارجيا، لكن الثابت أن عمان المرشحة الأوفر حظا لاحتضان مفاوضات يمنية – يمنية في حال حصلت باعتبارها الأكثر قبولا بالنسبة إلى مختلف أطراف الصراع.