محمد يحيى
في صيف عام 1972، أرسل قابوس بن سعيد سلطان عُمان، ممثلًا رسميًا إلى طهران، طالبا المساعدة من شاه إيران محمد رضا بهلوي، بعد أن تمكنت “حركة تحرير ظفار” من إخراج أجزاء من إقليم ظفار من سيطرة حكومة السلطان، ليستجيب الشاه الإيراني للطلب، ويرسل في أواخر خريف العام نفسه آلاف الجنود ومروحيات هجومية إلى عمان للمساعدة في إخماد الانتفاضة، ويستمر الوجود العسكري الإيراني حتى عام 1976؛ بعدما تمكنت القوات الإيرانية من اخماد الانتفاضة واستعادة ظفار، بما في ذلك مدينة صلالة عاصمة الإقليم وسلمتها للسلطان.
وما بين عامي 1972 و1975، كانت إيران ترسل عدة آلاف من جنودها دورياً إلى عُمان، لكن الوجود الإيراني في السلطنة كان سِرياً آنذاك، ولم يُعلَن عن هذا الوجود إلا بعد السيطرة على ظفار، وواجه قابوس انتقادات من الدول العربية لإشراك إيران في الشؤون العربية، لكنه دافع عن قراره بحجة أن لديه كل الحق في طلب مساعدة إيران، خصوصاً أنها بلد مسلم ودولة مجاورة.
ولم ينسَ السلطان قابوس قط أهمية الدور الإيراني في عُمان، واحتفظ بعلاقات مع الإيرانيين حتى بعد قيام الثورة الخمينية، وتغير الإدارة السياسية في طهران من النقيض للنقيض، وذلك ما جعل “مسقط” تلتزم بدور الوسيط في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية ورفضها الدعوة لمقاطعة طهران.
ورغم ما تبديه التصريحات الإيرانية من حرص على تقوية أواصر العلاقة مع مسقط، إلا أنه بات ينظر إلى هذه العلاقة كمصلحة إيرانية؛ لاستغلال حياد عُمان، وضمان عدم تدخلها في أزمات المنطقة.
ووفقا لمركز “ايروديبوماسي” الإيراني للدراسات المتخصصة، فإن طهران تستغل موانئ السلطنة، لتحويلها إلى مركز للشركات الإيرانية، لأنها تسعى إلى اختراق الأسواق الآسيوية والعربية الجديدة عقب الاتفاق النووي.
وبعد انقلاب مليشيا الحوثي على السلطة عام 2014، رفضت عمان تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وفتحت أحضانها لقيادات المليشيا الإرهابية الموالية لإيران، ودعمتهم ليصبحوا طرفا في مسار المفاوضات السياسية، وصارت “مسقط” المقر الإقليمي للقيادات الحوثية، ومنها يرسلون التهديدات ويهاجمون دول التحالف العربي وعلى رأسها السعودية والإمارات، كما أنها صارت أيضا القنطرة التي تربطهم بإيران، والتي تمدهم بالسلاح والصواريخ والطيران المسير القادم من إيران.
ويرى مراقبون أن لإيران مصلحة بالنفوذ في عُمان لدعم الحوثيين في اليمن ضد السعودية والإمارات، وأن ما يتردد عن إقامة جسر بري بين طهران ومسقط، ليس هدفه التجارة بين البلدين بقدر ما هو الربط بين إيران ومصالحها باليمن ودعمها للحوثيين.
وفي تحليل نشرته صحيفة “ذا ناشيونال انترست”، دعت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية، إدارة بايدن بمطالبة سلطنة عمان بتفكيك المقر الإقليمي للحوثيين الذي يعمل داخل حدودها، مشيرة الى أن الحوثيين استغلوا وجودهم في عمان ليس فقط لإضفاء الشرعية على عملياتهم والوصول إلى النظام المالي الدولي، ولكن أيضًا لتهريب الأسلحة إلى اليمن.
وكشفت تقارير أممية عن وصول شحنات سلاح متنوعة للحوثيين من بينها قطع غيار لصواريخ وطائرات مسيرة عن طريق الحدود العمانية مع اليمن، كما ضبطت السلطات خلال السنوات الست الماضية عشرات الشحنات القادمة من عمان.
وتشير تقارير مختلفة إلى أن أحد مسارات التهريب يمر بمنطقة “شحن” التي تعتبر أرضا محاددة بين البلدين ومنفذا لدخول محافظة المهرة على الحدود العمانية التي يبلغ طولها 288 كيلومترا، اذ يعتبر منفذ شحن واحدا من أهم معابر تهريب السلاح للمليشيا الحوثية، حيث يتم تهريب السلاح منه عبر طرق تهريب برية تمر بالمهرة والجوف ثم تصل إلى صنعاء، اضافة الى وجود تهريب عن طريق البحر عبر «ابيار علي» على السواحل الجنوبية، وكذلك عبر منفذ نشطون مع السلطنة.
وقامت إيران في عام 2016، بتهريب صواريخ مضادة للسفن وصواريخ أرض-أرض قصيرة المدى وأسلحة صغيرة ومتفجرات وطائرات بدون طيار إلى اليمن عبر عمان، وافادت منظمة أبحاث تسليح النزاعات في مارس 2017 أن الحوثيين قاموا بتهريب طائرات بدون طيار عبر عمان، وذكرت الأمم المتحدة في تقرير لها في 2018 أن عمان كانت الطريق الأكثر ترجيحًا الذي وصلت من خلاله صواريخ بركان 2H إلى اليمن.
وفي يناير 2021 قال تقرير لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، إنهم تلقوا معلومات عن أربعة أشخاص سافروا عبر عُمان إلى جمهورية إيران الإسلامية في عام 2015 وأفاد أحدهم علناً في وقت لاحق أنه تلقى تدريباً بحرياً في بندر عباس ثم قام بتسيير تهريب الأسلحة بحراً إلى الحوثيين.
وأشار الفريق في تقريره إلى مصادرة أسلحة ومكونات مهربة وصلت إلى اليمن براً من صلالة عام 2019، مضيفاً أن بيانات نظام تحديد المواقع العالمي المأخوذة من مراكب شراعية لمهربين في عام 2020، تشير إلى أن مهربي الأسلحة يقومون بنقلها من سفينة لأخرى داخل المياه الإقليمية العمانية، مؤكدا أنه يواصل التحقيق في تهريب ثلاثة أطنان من مكونات الطائرات المسيرة من دون طيار وغيرها من المكونات التي ضبطت في الجوف في يناير 2019.
وفي ديسمبر 2021 أحبطت سلطات الجمارك في منفذ صرفيت البري على الحدود مع سلطنة عمان، محاولة تهريب كميات كبيرة من الذخائر متعددة الاستخدام إلى داخل الأراضي اليمنية، حيث تم ضبط 10 آلاف طلقة نارية لمسدسات كاتمة للصوت صناعة مكسيكية، و15 الف طلقة نارية أخرى صناعة ألمانية، وكانت الشحنة في طريقها إلى مليشيا الحوثي.
وبحسب المراقبين فقد ساعدت عمان على ايصال الاسلحة الى الحوثيين، وعملت بوتيرة عالية خلال الآونة الأخيرة، لأن إيران تشعر بأن الحوثيين في وضع صعب وتريد أن تظهر أنها تقف معهم حتى النهاية.
المصدر نيوزيمن