الحبيب مباركي
غادر منتخب تونس منافسات بطولة كأس أمم أفريقيا لكرة القدم التي تقام في الكاميرون، تاركا حسرة كبيرة في قلوب عشاقه الذين كانوا يمنون أنفسهم ببلوغ المربع الذهبي على غرار نسخة 2019 التي أقيمت في القاهرة. وساد الإحباط الشارع الرياضي التونسي الذي أجمع على أن عقدة الفشل مازالت متواصلة، وطالب بفتح ملف الإخفاق لتحديد المسؤوليات وإيجاد الحلول، خاصة أن الموعد الذي يفصل منتخب تونس عن استحقاق الدور الفاصل للتأهل لكأس العالم في قطر 2022 بات قريبا.
وظل منتخب تونس لكرة القدم، طوال عقدين من الزمن تقريبا، عاجزا عن إدخال الفرحة على قلوب جماهيره الواسعة إلا في ما ندر، إما بلقاءات ودية لا قيمة لها وإما بمشاركات محتشمة في أغلب الأحيان تتباين حولها رؤية المحللين والنقاد للمسار الذي يسلكه الفريق التونسي منذ آخر تتويج قاري له في 2004.
هذا المسار يدفع إلى التساؤل عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الفشل المتكرر ورؤية المسؤولين لمستقبل كرة القدم في تونس، هل هي انعكاس للوضع الذي تعيشه البلاد أم أن هناك أزمة حقيقية على مستوى التخطيط والتسيير والاستراتيجيات المتبعة لمختلف الفاعلين في القطاع الرياضي.
تابع الملايين من التونسيين الخروج المخيّب للمنتخب التونسي في نهائي كأس العرب الأخيرة التي أقيمت بالدوحة رغم أنه بلغ دورها النهائي لكنه فوّت الفرصة على العودة إلى تونس معززا باللقب الذي أهداه إلى نظيره الجزائري بشهادة المحللين والفنيين. لكن الأمل ظل مركزا على الخروج بمجموعة من اللاعبين الشبان الذين شاركوا لأول مرة وقدموا أداء لافتا رغم التذبذب الذي لاح على العناصر التونسية بين مباراة وأخرى.
هذه الاستفادة التي أحيت في قلوب الكثير من التونسيين شعورهم الدائم بالوقوف وراء المنتخب في مسابقة كأس أمم أفريقيا التي استتبعت بطولة كأس العرب سرعان ما انقلبت إلى انتكاسة بعدما تبخرت أحلامهم جميعا بالوقوف على حقيقة ذلك الحلم الذي لم يكن سوى وهم كُتب لهم أن يعيشوا على وقعه لسنوات وسنوات. فقد خيّم صمت كبير على الشارع الرياضي في تونس بعد الخروج المخيّب للمنتخب التونسي من بطولة أمم أفريقيا بالكاميرون. ومع كل مسابقة قارية تنتهي فيها آجال عقد هذا المدرب أو ذاك، سواء أكان محليا أم أجنبيا لا يهمّ، مثلما هو واقع الحال مع منذر الكبيّر الذي تمت إقالته وتعيين مساعده جلال القادري مدربا رسميا.
في الأثناء فإنه بين مشاركتين تزامنتا في وقت قصير تقريبا، الأولى عربية (كأس العرب) والثانية أفريقية (بطولة أمم أفريقيا)، نجح منتخب تونس فقط في تعزيز رصيده البشري بعناصر جديدة قادرة على البروز في قادم الاستحقاقات وهذه نقطة تحسب للمدرب الكبيّر دون سواه. وفي المقابل ظهر جليا أن هناك عناوين مكررة للانتكاسة التي يتعرض لها منتخب تونس في السنوات الأخيرة يجب الوقوف عندها ورفع اللبس عن بعض جوانبها الخفية لكي يتكشف للجميع المسار الصحيح الذي تسير فيه رياضة كرة القدم وتأثيراتها المتباينة على المنتخب التونسي.
اختيارات لا مسؤولة
تعاقب على تدريب منتخب تونس قرابة 12 مدربا منذ رحيل الفرنسي روجي لومار في العام 2008 إلى تاريخ رحيل المنذر الكبير
أول هذه العناوين يتركز حول سوء الاختيار للمدرب الذي كان منذ تعيينه على رأس الإدارة الفنية في 2019 عنوانا منتظرا لفشل سيعيش على وقعه المنتخب التونسي بشهادة جميع الخبراء والمحللين. وهنا تكمن الأزمة الحقيقية داخل هيكل الاتحاد التونسي لكرة القدم على مستوى استراتيجيات التخطيط والإشراف والتسيير أيضا. وإلا بماذا يفسر الاختيار على مدرب وطني لا يملك من السيرة ما يشفع له بأن يكون على رأس مجموعة يشهد الكثيرون أنها قادرة على الذهاب بعيدا على أقله في المسابقتين اللتين أقيمتا مؤخرا وكانت فرص التتويج بإحداهما متاحة أمامه ويكذب جميع التكهنات التي شككت في قدرته واختياراته الفنية.
لكن الحقيقة عكس ما يتصوره الجمهور العريض في تونس الذي يجد في كرة القدم ومنتخب بلاده ملاذا لزرع الفرحة بين القلوب. هنا تكمن الغرابة وقلة التدبير من رئيس الاتحاد الذي لا يستشير أحدا في اختيار هذا المدرب أو ذاك، حتى أنه عندما سُئل في أحد الأستوديوهات التحليلية عن هذه التعيينات التي تأتي ردّ بفظاعة “نحن من يقرر وليس الجمهور الرياضي وهذه اختياراتنا..”.
نسي رئيس الاتحاد وديع الجريء أو تناسى أن المنتخب هو ملك للشعب التونسي ومن حقه أن يحاسبه على كل كبيرة وصغيرة تتعلق بهذا الهيكل الذي كتب له أن يعيش على وقع خيبات متتالية منذ جيل 2004 الذي حصد أول لقب على أرضه كان للجمهور الرياضي الدور البارز في التتويج به.
واستنادا إلى بعض الأرقام فمنذ 2004 تاريخ حصول تونس على أول لقب أفريقي في تاريخها بعد أن نالته باعتبارها الدولة المنظمة للبطولة لم يتعد المنتخب التونسي دور ربع النهائي في البطولة الأفريقية. فقد تعاقب على تدريب المنتخب قرابة 12 مدربا منذ رحيل الفرنسي روجي لومار في العام 2008 إلى تاريخ رحيل الكبيّر في 2022، أي بمعدل مدرب لكل عام أو عامين وهو ما يعكس حالة الارتباك وعدم الاستقرار التي يعيشها المنتخب مع كل استحقاق رياضي يشارك فيه، إضافة إلى تلكؤ الاتحاد التونسي ومحاولة المناورة بسرديات يقدمها لبعض المنصات والأستوديوهات الرياضية التحليلية لمحاولة الإقناع أو دونه.
العنوان الثاني يتعلق بمستوى الناخب التونسي وطريقة الوقوع في الخطأ حين يقع الاختيار على بعض الوجوه المكررة التي لم تقنع طوال رحلة المنتخب القصيرة مع الألقاب، فإما أن يتم اللجوء إلى أحد الأسماء المستهلكة في عالم التدريب واستوفت مشوارها التدريبي وبقيت نظرتها قاصرة لمواكبة التحولات التي طرأت على كرة القدم في العالم وفي القارة الأفريقية بالخصوص.
من المهمّ التأكيد على الزاوية التي ينظر منها الاتحاد التونسي وكيفية التخطيط للنهوض بواقع الأندية التونسية والمنتخب على وجه الخصوص.
فهذا مبتغى كل مجتمع وكل دولة تقريبا سواء تعلق الأمر بأوروبا أو عربيا أيضا. لسنا ضد المدرب التونسي ولا اعتراض على أن يكون المدرب تونسيا وملمّا بحيثيات كرة القدم في تونس.
يطرح مثال هنا بوضوح حول التغيير الذي يعيشه المنتخب الجزائري مع المدرب جمال بلماضي. فبخلاف النكسة الأخيرة التي تعرض لها منتخب المحاربين بخروجه من الدور الأول للبطولة القارية، فقد حقق هذا المدرب ما يشفع له بأن يحظى بالقداسة والتقدير على الدوام. فمنذ تسلمه الإشراف على حظوظ الجزائر في أغسطس 2018 أحدث الناخب الجزائري تغييرا شاملا في التركيبة البشرية التي منحت الخضر بروفايلا مغايرا لما كان عليه زملاء هلال سوداني ورياض محرز وسفيان فيغولي وغيرهم. انتهت بتتويجهم أبطالا لنسخة أمم أفريقيا 2019 بمصر ومؤخرا بنسخة كأس العرب التي وإن لم يكن بلماضي حاضرا فيها مع المنتخب إلا أنه كان يشرف على كل كبيرة وصغيرة من وراء الكواليس.
المثال يتعلق بالاختيار عندما يكون صائبا ويصيب الهدف ليس إلا. تونس أيضا لديها من الكفاءات الغيورة على قيادة المنتخب ورفع صورته بين الأمم. المثال تجسده بوضوح الوجوه الشابة التي اكتسبت من الخبرة والعمل في أفريقيا وآسيا الشيء الكثير على غرار الأسعد الشابي ونبيل الكوكي والأسعد الدريدي ومن الوجوه الكروية التي يمكن أن تعاضد جهود هؤلاء الكثير على غرار زبير بيّة وشكري الواعر وكريم حقي وغيرهم.
لكن على العكس تماما مما يردده المحللون الرياضيون والمتابعون لوضعية كرة القدم في تونس، حيث تنتهي الأزمة مع كل تعثر أو خروج من إحدى البطولات القارية أو مسابقة كأس العالم إن صادف الحظ وتأهل المنتخب، بإقالة المدرب وتغيير الأنظار نحو البحث في سيرته الذاتية ونوعية اللاعبين الذين سيركز عليهم في اختياراته ويقفل الموضوع نهائيا.
ليس هذا ما ينتظره جمهور واسع من نخبة النخبة أو من المجموعة التي ينتظر منها أن “تحارب” بلغة كرة القدم على العلم التونسي وأن تمثل بلادها أحسن تمثيل في البطولات الكبرى. هذه عصارة الصيحة التي يمكن أن تطلقها حناجر المهووسين برياضة كرة القدم في تونس والمدافعين عن هوية المنتخب التي يجب أن تعود إلى عهدتها.
غياب الهيكل المشرف
منتخب تونس حقق أول تأهل له إلى كأس العالم في الأرجنتين عام 1978 بعد تصفيات شاقة وطويلة
هناك عنوان ثالث يبدو مهما ويتصل أساسا بالهيكل المشرف على المنتخب ألا وهو الاتحاد التونسي لكرة القدم، وبعد أن كانت البلاد في ما مضى سبّاقة للمنافسة على الإشراف على المسابقات الكبرى وتقديم ملفات تنظيمها هاهي تتراجع مراتب ومراتب لتفسح المجال لبعض البلدان العربية والأفريقية الأخرى لدخول السباق. وهذا يعود بالأساس إلى الهيكل المشرف على رياضة كرة القدم أولا وأخيرا.
صحيح أن التحولات التي عرفتها تونس بعد ثورة يناير 2011 أثرت سلبا على قدرات الدولة وأرهقت قدرتها التنافسية في جميع القطاعات دون استثناء، لكن هذا لا يحجب القصور الذي يعيشه اتحاد اللعبة على مستوى التسيير والتخطيط للنهوض بالقطاع الرياضي. يتجلى ذلك بوضوح على مستوى المنشآت والتجهيزات الرياضية التي تراجعت على مستوى التصنيف لعدم صيانتها والاهتمام بها.
الأزمة الحقيقية تكمن داخل هيكل الاتحاد التونسي لكرة القدم على مستوى استراتيجيات التخطيط والإشراف والتسيير أيضا
فبخلاف ملعب رادس، الذي تغيّرت تسميته ليحمل اسم اللاعب الدولي الراحل حمادي العقربي في ما بعد وتم تشييده في 2001 بمناسبة احتضان تونس للألعاب الأولمبية وفي ما بعد بطولة أمم أفريقيا 2004، لم تشرع الدولة منذ قرابة 20 سنة تقريبا في بناء ملاعب جديدة قادرة على تقليل الضغط على هذا الملعب خلال مباريات الدوري والاستحقاقات القارية والدولية للأندية والمنتخب. فحتى الملاعب القديمة، على غرار الملعب الأولمبي بالمنزه، فقد أدارت السلطات الظهر له وأصبح في يوم من الأيام مهددا بالزوال.
فلطالما شكّل ملعب المنزه المسرح الرئيسي لأهم الأحداث الرياضية في تونس. فعلى أرضيته التي يعشقها كل مغرم باللعبة الشعبية في البلد حقق منتخب تونس أول تأهل له إلى كأس العالم في الأرجنتين عام 1978 بعد تصفيات شاقة وطويلة حينما كان منتخبا وحيدا يتأهل عن القارة.
وتكتسب تلك المشاركة أهمية كبرى في ذاكرة التونسيين كون منتخب تونس حقق فوزا غير مسبوق عربيا وأفريقيا على حساب المكسيك 3 – 1 ما مكن من زيادة عدد منتخبات القارة إلى ثلاثة في مونديال إسبانيا 1982.
وعلى هذا الملعب أيضا، واجهت تونس منتخبات البرازيل المتوجة بكأس العالم في عام 1970 وألمانيا الفائزة بلقب 1990 وفرنسا المتوجة عام 1998، كما استضاف الملعب فرق فلامينغو البرازيلي وبايرن ميونخ وباريس سان جرمان وروما وغيرها في مباريات ودية.
تونس ولادة للأجيال ولها من العناصر ما يشفع بأن تكون دائما ممثلة في كل الأحداث الرياضية قولا وفعلا، لكن غياب التخطيط وتراجع الاهتمام بالأكاديميات والحواضن الصغيرة للعبة إضافة إلى تراجع الدولة عن لعب دورها في مستوى النهوض بالمنشآت الرياضية والاستثمار في هذا القطاع كلها عوامل تدفع إلى فشل بعناوين مكررة مع كل استحقاق رياضي تشارك فيه البلاد.
المصدر : العرب اللندنية