صالح البيضاني
بات واضحا أن الحوثيين يلعبون لعبة إقليمية خطرة لصالح إيران من دون الإلمام بقواعد وتفاصيل هذه اللعبة المميتة، التي جعلتهم في مرمى إدانات المجتمع الدولي، الذي ظل لسبع سنوات يراهن على إمكانية جذبهم إلى طاولة حوار سياسي تنهي الحرب اليمنية وتوقف تداعياتها الإنسانية التي يزعم العالم أنها تؤرقه.
وفيما لا يغيب الهدف الداخلي المتمثل في محاولة ابتزاز التحالف العربي لوقف عملياته، خصوصا تلك التي تعيق المشروع الإيراني في اليمن، وعلى وجه الدقة مخطط استكمال السيطرة على محافظة مأرب، بات من المؤكد ارتباط التصعيد الحوثي بأجندات طهران السياسية والتي برزت في صورة أخرى خلال الأيام الماضية من خلال الصواريخ المتساقطة على مطار بغداد، كمحاك ميليشاوي عراقي لما تقوم به الميليشيات الحوثية في اليمن.
وفي وجه آخر من وجوهه يعكس التصعيد الحوثي، والذي بلغ مستوى جديدا مع استهداف دولة الإمارات، حالة الأزمة الداخلية العميقة والارتباك السياسي التي تمر بها الجماعة المدعومة من إيران، والتي تسعى لإخفاء الشحوب والهزال الذي يعتريها شعبيا وأخلاقيا وعسكريا واقتصاديا، خلف طبقة سميكة من مساحيق القوة المصطنعة التي يحاول الحوثيون الظهور بها في أكثر أوقاتهم ضعفا وهشاشة.
وعلى خلاف تصريحات قادة الجماعة التي تسعى للظهور كقوة صاعدة ومتعاظمة بعد سبع سنوات من الحرب، تختبئ الكثير من التفاصيل عن صراع داخلي محتدم في أوساط الميليشيات التي بات قرارها السياسي مختطفا بالكامل من قبل الحرس الثوري الإيراني ودهاليز المراكز الإيرانية التي تتحدث بوقاحة منقطعة النظير عن أذرعها القذرة التي تغسل بها وجه طهران المعفر بالصراعات الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من حالة التشاؤم التي قد تبرز عند تتبع فصول التصعيد الحوثي وخصوصا باتجاه دولة الإمارات، بعد أن ظل هذا الاستهداف مقتصرا لسنوات على المملكة العربية السعودية، لا يبدو أن الميليشيات الحوثية بصدد وقف سياستها لتوسيع دائرة التوتر وفق ما تقتضيه مصلحة النظام الإيراني الذي يعمل على مقايضة المشروع العربي، بسلام هش ووقف لإرهاب الحوثي الطائر والعابر للحدود، مقابل تنازل هذا المشروع الذي تقوده السعودية والإمارات عن تحفظاته تجاه صفقة غير واضحة المعالم، يتم تحضيرها في فيينا بين العالم وإيران، ولا يبدو أنها تراعي الحد الأدنى من متطلبات الأمن القومي العربي.
وقد كشفت التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة عن حقيقة كانت غائبة عن الكثير من المراقبين للمشهد اليمني وهي أن جذر المشكلة لا يكمن في التوصل لصيغة تسوية سياسية تنهي الحرب وتحظى بموافقة الحوثيين، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الحوثيين ليسوا بصدد القبول بأي سلام لا تقبل به طهران ولا يرضي غرورها الأيديولوجي والسياسي ولا يحقق أهدافها الاستراتيجية في السيطرة على المنطقة برمتها.
وعلى الطرف الآخر، يمكن تفسير مواقف العديد من الدول الغربية الفاعلة في الملف اليمني التي ظل خطابها السياسي لسنوات حول الأزمة اليمنية وطرق تسويتها يتسم بالسذاجة، أو هكذا كنا نعتقد، عندما ظلت تحرص على المساواة بين الجلاد والضحية وبين الشرعية والانقلاب وتوزع المسؤولية عن استمرار الحرب بالتساوي بين الطرف الذي أشعلها والطرف الآخر الذي يريد إخمادها، ولكن وفقا لمرجعيات السلام الدولية والأممية والمحلية التي توافق عليها اليمنيون.
ولا يبدو اليوم في ظل هذا الوضوح الجلي والسافر في أجندات الحوثيين وارتباط تصعيدهم العسكري بالمشروع الإيراني في المنطقة، أن استمرار الأداء الدولي والأممي إزاء الأزمة اليمنية بالطريقة السابقة مقبولا، إلا إذا كانت مواقف تلك القوى الدولية تنسجم مع أهداف طهران البينة والتي تنصب حول ابتزاز التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، وإرغام المشروع العربي الذي يتزعمه هذا المحور على القبول بطبخة غير ناضجة يتوق الاتحاد الأوروبي كما يبدو لوضعها على مائدة مباحثات فيينا مع إيران، ويعتقد أن ما يؤخر هذه الطبخة في الوقت الراهن هي لاءات التحالف العربي الذي يخوض معركة مفتوحة منذ سبع سنوات نيابة عن العالم “المتحضر” في وجه مشروع إرهابي طائر يستخدم المفخخات الجوية لضرب إمدادات الطاقة وممرات الملاحة ويستهدف نماذج السلام في المنطقة، من دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا، عدا الإدانة التي تتضمنها بيانات الدبلوماسية الساذجة.
نقلاً عن العرب اللندنية