شاكر رفايعة
هل كان من المتوقع أن تتحول قضية النائب السابق أسامة العجارمة الذي قاد مظاهرات لأبناء قبيلته ضد النظام ووجه عبارات مسيئة للملك وتهديدات علنية بالقتل، إلى قصة بطولة قائمة على مقاومة التطبيع مع إسرائيل؟
قد يجادل البعض بأن حكم السجن 12 عاما على العجارمة يُعتبر مشددا ويستهدف إبعاده عن أي نشاط سياسي. وقد يقال إن السلطة أرادت تغليظ العقوبة لردع مؤيديه وإسكاتهم وأن قرار محكمة أمن الدولة الأسبوع الماضي يخالف المبادئ العالمية الراسخة في حرية التعبير.
لا تغيب التوقعات أيضا عن احتمال صدور عفو ملكي عن العجارمة ربما بعد قضاء فترة قصيرة نسبيا في السجن، تأكيدا على سياسة متبعة لدى الملك عبدالله الثاني وقبله والده الراحل الملك حسين في “التسامح” مع المسيئين، واعتبارا لعمل العجارمة في السابق نائبا وضابطا في الجيش.
ويمكن للمتفائلين بالعفو الملكي أن يسوّغوه على أنه تهدئة لخواطر مؤيدي العجارمة الذي انتخبه حوالي خمسة آلاف شخص في الاقتراع البرلماني عام 2020، ولقي دعما، في البداية، من شخصيات وقوى سياسية قبل أن يتحول إلى موجة التصريحات التهجمية على الملك ونظام الحكم.
هذه الاحتمالات واردة، والانتقادات الموجهة للحكم القضائي قد تكون محقة أو قابلة للمحاججة الحقوقية. وكل ذلك لا يخرج عما هو ممكن. لكن ما ليس ممكنا هو أن يكون الحكم المشدد بسبب “مقاومة التطبيع” التي أبداها النائب السابق في أكثر من مناسبة.
بطبيعة الحال، لا يروق لأجهزة الحكم أن تتعالى الأصوات التي تطالب بتحجيم أو قطع العلاقات القائمة مع إسرائيل منذ ثلاثة عقود أو معارضة الاتفاقيات أو التفاهمات التي تعقدها المملكة والدولة العبرية.
لكن السلطة تعلم أيضا أن غالبية الأردنيين ترفض التطبيع مع إسرائيل. ويخرج على الناس نواب ومسؤولون سابقون ومثقفون بتصريحات رافضة للتطبيع ومنادية بإلغاء معاهدة وادي عربة. ولا يتم اعتقالهم أو محاكمتهم لهذا السبب.
طالب مجلس النواب بالإجماع في مايو الماضي بطرد السفير الإسرائيلي واندلعت تظاهرات على مدى أيام قرب السفارة احتجاجا على الاعتداءات الإسرائيلية على غزة في ذلك الشهر. وبعد ذلك، رفض عدد كبير من النواب اتفاق “المياه مقابل الطاقة” الذي وقعته الحكومتان الأردنية والإسرائيلية في دبي. ولم يتم اعتقال أي نائب.
الحقيقة إن كُتابا ومواقع محسوبة على الإسلاميين تستهويها صناعة البطولات البهلوانية التي يسهل تقديمها للناس بصيغة مقاومة التطبيع وتصوير كل من يعارض العلاقات مع إسرائيل على أنه بالضرورة بطل أو على الأقل مشروع بطل.
هذا الخطاب التضليلي يعتمد على إيهام الرأي العام بأن تشديد الحكم القضائي كان بتأثير من السلطة التي أرادت الانتقام من النائب السابق عن تصريحاته حول التطبيع وسعت لمجاملة إسرائيل وإسكات الأصوات المنادية بتحجيم العلاقات معها.
ووصلت الأصداء إلى فلسطين بعد صدور الحكم، حيث شاع وصف العجارمة كـ”بطل مقاوم للتطبيع” وأعيد نشر تصريحاته حول مناصرة الفلسطينيين وفيديوهاته حول قطع العلاقات الأردنية مع إسرائيل.
لكن هذا الخطاب يتغافل عن مقاطع الفيديو التي يظهر فيها النائب السابق وهو يطالب بتولي قبيلته (العجارمة) حكم البلد، وحين قال حرفيا إنه فكّر في إطلاق “رصاصة بين العينين” على الملك عبدالله الثاني.
كذلك يتجاهل هذا الخطاب حالة العصيان والشغب التي صنعها العجارمة في منطقته، وعندما كان يظهر على الملأ مسلحا بمسدس وسيف ويلقي خطابات نارية ويدعو إلى “قطع رأس” كل من “يتواطأ” مع السلطات من أبناء القبيلة.
لا يشار أيضا إلى أن النائب السابق أدين بتعاطي المخدرات، بحسب قرار المحكمة الذي لم يذكر من قريب أو بعيد أي اتهامات مرتبطة بتصريحات النائب السابق عن إسرائيل. وأدان القرار العجارمة بالتحريض على الفتنة ومواجهة الأجهزة الأمنية بالعنف وتصنيع قنابل حارقة.
قبل خمس سنوات ظهر لدينا “بطل مؤقت” اصطنعه الإسلاميون أيضا بعد أن قضى عشرين عاما في السجن عن قتل سبع طالبات من مدرسة إسرائيلية بسلاحه العسكري في 1997، حين كان جنديا على الحدود مع إسرائيل.
وتبين للناس لاحقا أن عناصر البطولة غير متوفرة في هذه القصة. ولم تفلح الدعوات والتعبئة طوال سنوات السجن العشرين في الإفراج عنه وقضى مدة محكوميته كاملة، ربما لأن القصة كانت محمّلة بما لا تطيق ورافقها سيل من التضليل الذي يشابه إلى حد بعيد ما يجري مع النائب السابق.
في كلا القضيتين سعى الإسلاميون لرسم صورة عن بطل مقاوم لإسرائيل وتسجنه السلطات لهذا السبب. وهذا من طبائع جماعة الإخوان المسلمين ومن يدور بفلكهم في الانتقائية المكشوفة ومناكفة أجهزة الحكم والسعي لقيادة الشارع.
وحدهم الإسلاميون من يستفيد من هذا التضليل، الذي قد يضيق الفرص أمام تخفيف الحكم أو العفو عن العجارمة. وذلك لأن من طبائع السلطة أيضا ألّا تخضع للابتزاز وألّا تعطي مجالا أوسع للإسلاميين في قيادة الرأي العام.
إذا أراد أحد أن يساعد النائب السابق، فعليه أن يناقش الأسباب الحقيقية للإدانة ويدعو السلطة إلى التعامل معها بسعة صدر ضمن تحركات صادقة وغير شعبوية ولا تقوم على تلبيس مسألة التطبيع في قضية أمنية انطوت على تهديدات لنظام الحكم وبنبرة قبائلية طاغية.
نقلاً عن العرب اللندنية