كريتر نت / الشرق الاوسط
انقضى العام الرابع على التوالي منذ الانقلاب الحوثي على الشرعية، ولم تنكشف غُمّة اليمنيين، فما زالت الميليشيات الحوثية تُحكِم قبضتها على العاصمة صنعاء، ولا يزال عناصرها يسومون السكان العذاب بأنواعه، بين حملات اختطاف وتعذيب ونهب للمساعدات الإنسانية، باستثناء الانكسارات الميدانية التي تلقتها الجماعة الموالية لإيران في جبهات الساحل الغربي وصعدة، وما أحرزته الجهود الدولية والإقليمية من أجل بصيص للسلام لا يزال كثير من المراقبين يرونه بعيد المنال.
على الصعيد الإنساني، شهد النداء الأممي أكبر نسبة استجابة إنسانية من دول تحالف دعم الشرعية في اليمن، إذ أوفت السعودية والإمارات بمليار دولار، تبعتها الكويت بنحو 250 مليون دولار، وتحاول الأمم المتحدة عبر منظماتها العاملة في اليمن، في التخفيف، ولو قليلاً، من حجم المأساة الإنسانية التي تسبب بها الانقلاب الحوثي إلى جانب ما حققته دول التحالف الداعم للشرعية بقيادة السعودية في تطبيع الأوضاع في المناطق المحررة على صعيد توفير الخدمات الضرورية وتوزيع المواد الإغاثية، وقبل ذلك إنقاذ الاقتصاد اليمني من الانهيار عبر تقديم وديعة للبنك المركزي اليمني في عدن بمبلغ ملياري دولار، فضلاً عن 200 مليون دولار قدَّمَتها حكومة المملكة منحة للبنك إلى جانب ما قامت به من توفير للمشتقات النفطية بمبلغ 60 مليون دولار شهرياً.
واختتم العام بمساهمة سعودية إماراتية للتعليم بنحو 500 مليون دولار، بعد أن بدأ العام باستحداث مركز «إسناد» العمليات الإنسانية الشاملة الذي برز أداؤه في تحسين مختلف القطاعات والخدمات وتدفق المساعدات والتجارة وعبور قوافل الإغاثة، فضلاً عن البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، الذي بدأ بعد منتصف العام لكنه حقق تقدماً لافتاً في سقطرى والمهرة ودشن من حضرموت مساعدات نفطية تسهم في توفير الكهرباء لجميع أرجاء المناطق المحررة بواقع 60 مليون دولار شهرياً، لتوفير الكهرباء على مدار الساعة.
واستطاعت حكومة الشرعية خلال عام أن تفي بالتزاماتها من أجل كل الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرتها، إلى جانب أنها حققت، بدعم من التحالف العربي، الاستقرار النسبي في نحو 85 في المائة من الأراضي اليمنية المحررة، بالتوازي مع إحلال الأمن والسكينة ودحر الخلايا الإرهابية في معظم مناطق حضرموت وشبوة وأبين وعدن، واستعادة النسبة المعقولة من الحياة الطبيعية.
أما أكبر اختراق حققته قوات الشرعية اليمنية بدعم من التحالف الداعم لها فهو تقليص السيطرة الحوثية على الأرض في الساحل الغربي، وفي مناطق واسعة من محافظة صعدة، وهو الأمر الذي أجبر الميليشيات المدعومة من إيران على الرضوخ للمساعي الأممية للسلام والحضور أخيراً إلى السويد لإبرام اتفاقها مع الشرعية على تسليم الحديدة وموانئها، والرضوخ لتبادل الأسرى والمعتقلين وفتح الممرات الإنسانية في محافظة تعز، وهو الاتفاق الذي شدد عليه القرار الأممي «2451» الداعم لاتفاقات السويد، التي يرى فيها كثير من المراقبين للشأن اليمني الخطوة الأولى نحو إحلال السلام واستعادة الشرعية واستئناف العملية السياسية الانتقالية بموجب القرار الأممي «2216».
وبحسب ما تقوله الأمم المتحدة فإن منظماتها العاملة في اليمن بحاجة خلال السنة الجديدة إلى أكثر من 4 مليارات دولار، لمواجهة الاحتياجات الإنسانية المتنوعة، إذ تشير التقارير الأممية إلى حاجة نحو 15 مليوناً من تعداد السكان في اليمن البالغين قرابة 28 مليون نسمة، إلى المساعدات الضرورية من أجل توفير الطعام والتعليم ومجابهة الأمراض وتقديم المساعدات لنحو 2.3 مليون نازح بسبب العمليات العسكرية، وفقاً لما أفاد به أخيراً وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والإغاثة الطارئة مارك لوكوك.
وفي الوقت الذي أصدر فيه الرئيس عبد ربه منصور هادي قراراً بتعيين معين عبد الملك رئيساً للحكومة اليمنية خلفاً لسلفه أحمد عبيد بن دغر، اعترف رئيس الحكومة الجديد في أول تصريحاته الرسمية بعد التعيين بصعوبة الملفات الموضوعة على طاولته لجهة إعادة بناء المؤسسات الحكومية وترشيد الإنفاق وتحسين الموارد، فضلاً عن الحاجة إلى إنعاش الاقتصاد المتهاوي بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية.
انكماش ميداني لـ «المليشيات» ومساعٍ لاستكمال تطبيع الأوضاع
لقد استطاعت القوات الحكومية على مدار عام مضى تأمين أغلب مناطق الساحل الغربي وصولاً إلى مدينة الحديدة، حتى باتت على بُعد كيلومترات من مينائها، قاطعة أكثر من 165 كيلومتراً شمالاً، من مدينة الخوخة أولى مديريات الحديدة المحررة، جنوباً مستفيدة من الزخم العسكري الذي أتاحه لها انضمام ألوية العمالقة والمقاومة التهامية.
وفي حين استطاعت القوات اليمنية بإسناد من تحالف دعم الشرعية، تكبيد الميليشيات الحوثية آلاف القتلى والجرحى منذ انطلاق عمليات تحرير الحديدة والساحل الغربي، نجحت كذلك في تضييق الخناق على الميليشيات في الجزء الشمالي من السهل الغربي، حيث مديريات ميدي وحرض وحيران في محافظة حجة الحدودية (شمال غرب)، مستعيدةً أغلب مناطق المديريات الثلاث مع تقدمها باتجاه مديرتي مستبأ شرقاً وعبس جنوباً.
والأهم من التقدم الميداني تحقيق هدف التحالف الرامي، عبر عملياته العسكرية، إلى إجبار الحوثيين على الجلوس إلى طاولة، وبحث الحل الذي تصر الحكومة اليمنية ومعها دول التحالف منذ بداية الأزمات بأنه سياسي، وفقاً لمرجعيات الحل الثلاث.
وإذ لم يكن العام الماضي كما يريده اليمنيون على صعيد إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة اليمنية، فإنه فتح لهم مع نهاياته آمال السلام، في ظل المساعي الأممية والدولية الرامية إلى وضع حد للتمرد الحوثي واستئناف العملية الانتقالية التي كان انقض عليها الحوثيون بدعم إيراني في سبتمبر (أيلول) 2014، وما تلا ذلك من تدمير ممنهج لبنية الدولة اليمنية من قبل الجماعة على الصعيد الإنساني والاقتصادي والثقافي والمذهبي.
وفيما تحاول الجماعة الحوثية المناورة بالملفات الإنسانية، ومحاولة كسب المزيد من الوقت من أجل استكمال حوثنة المجتمع اليمني بعد قضائها على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ومحاولة «تدجين» مَن بقي من قيادات حزبه تحت إمرتها خلال أكثر من سنة كاملة، يرجِّح مراقبون أن الاستمرار في كسر الجماعة عسكرياً هو الخيار الأمثل في إجبارها على توفير الكلفة الناتجة عن إطالة أمد الحرب، من خلال مراوغاتها، خلال مشاورات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.
وفي تقدير الباحث والسياسي اليمني الدكتور فارس البيل فإن اليمنيين باتوا متلهفين أكثر من أي وقت مضى، لتوقُّف الحرب وعودة الاستقرار وعودتهم إلى طبيعة أحلامهم بالحياة الآمنة.
ويقول البيل: «ربما في العامين الأولين للحرب كان انشغال اليمنيين كبيراً بالترقب، لكن ما إن طالت الحرب، و(تطبعت) للأسف، فإنهم الآن على الأكثر لا ينظرون إلى انتهاء الحرب، بقدر ما ينظرون إلى كيف سيمررون الأيام، وقد وطَّنوا أنفسهم على أزمة لا معالم لانتهائها.
ويضيف: «لم يعد يكترث اليمنيون كثيراً بأخبار المفاوضات أو المعارك على الأرض، فهم يعتقدون أن جميعها لا تفضي إلى شيء وسط حالة اليأس العامة وحالة الحاجة التي صرفتهم عن ذلك كله.. بالإضافة إلى أنهم فقدوا تفاؤلهم وهم ينظرون إلى حالة النهب والخراب والدمار التي تحيق ببلدهم».
وفي رأي الدكتور البيل: «لم يتحقق لليمنيين الكثير على مستوى الكلي، باستثناءات بسيطة في الأشهر الأخيرة مع حركة الحكومة الشرعية وتحسن أدائها، وإن كان ذلك لا يكفي؛ إذ إن منظومة إصلاح اليمن، وإعادة توجيهها للتنمية تحتاج إلى جهود أكبر وصلاحيات ودعم ونزاهة وكفاءات شريفة وتخطيط ذكي يرتب حاجات الناس».
وبينما يمتدح البيل الجهود السعودية والإماراتية من أجل إنعاش الاقتصاد وإزالة المعاناة الإنسانية في جميع مناطق اليمن، يؤكد وجود حالة عامة باتت تسيطر على اليمنيين مردها إلى أنهم باتوا يشعرون بأنهم «وقعوا بين إرهاب ووحشية ولصوصية الحوثيين، وتقصير وتقاعس وغياب الحكومة الشرعية»، وهو الاعتقاد الذي يخلق، بحسب قوله «جوّاً عامّاً من الأداء السلبي في الحياة، ويؤثر على مدى تفاؤل ورغبة اليمنيين في عودة الأوضاع سريعاً إلى حالتها الطبيعية».
وإلى جانب الدكتور البيل يرى كثير من الناشطين اليمنيين، أن أغلب آمال اليمنيين في السنة الجديدة، تتمحور حول حاجتهم، إلى «انتصارات عسكرية مهمة تزيل حالة اللاسلم واللاحرب»، مع الحوثيين، وتؤدي كذلك إلى تحقيق تحسن سريع في الخدمات الضرورية وصرف الرواتب وفتح الطرق والمنافذ.
لقد استطاعت الجهود الإنسانية لدول تحالف دعم الشرعية، أن تجعل عام 2018 أقل فداحة، لجهة المعونات السخية المقدمة لليمنيين في مختلف مناطق البلاد، غير أن هذا وحده، كما يقول المراقبون، لن يكون كافياً، في المستقبل، لجهة أن المعضلة اليمنية (كما يفهمها اليمنيون أنفسهم) لا يمكن لها أن تنتهي في ظل وجود الميليشيات الحوثية على مساحة من الأرض بما فيها العاصمة صنعاء، خصوصاً أن مشاريع الجماعة لا علاقة لها بالإنسان وكرامته، باستثناء جعله أداة طيعة خاضعة لمشروعها الطائفي الخادم للأجندة الإيرانية.