القاهرة – أحمد جمال
بعث الأزهر رسائل عديدة عبر جريدة “صوت الأزهر” الناطقة باسمه رداً على انتقادات تعرض لها رئيسه أحمد الطيب في إحدى حلقات برنامج “الحكاية” الذي يقدمه الإعلامي المصري عمرو أديب على فضائية “إم بي سي – مصر” الذي وصفته الصحيفة بأنه “إعلامي الترفيه”، وفهم منها أنها تنطوي على إشارة إلى هيئة الترفيه السعودية التي يرأسها المستشار تركي آل الشيخ.
ويقول مراقبون إن الهجوم على أديب يخفي قلقا لدى الأزهر من خطاب الانفتاح والإصلاح السعودي، والذي بدأ يناقش قضايا ظلت بمثابة محرمات لدى مؤسسة الأزهر كمؤسسة مرجعية لدى السنة، وإن كان الأزهر سعى لحصر المواجهة بينه وبين “مذيع الترفيه” فقط.
نسوا تسببه بالجراد والوباء
ونشرت “صوت الأزهر”، التي تصدر أسبوعيا في عدد الأربعاء، ملفًا بعنوان “صحيفة المخالفات المهنية لإعلامي الترفيه في قضية ضرب الزوجات”، ووجهت إلى أديب 12 “كذبة”، من بينها أنه شجع على العنف الأسري والإيحاء بأن ضرب النساء بلا عقوبة قانونية حاليّا، وأنه أشاع أجواء من الكراهية، وهدد السلم الاجتماعي بإثارة فتنة بين الزوجات والأزواج وبين النساء ومؤسسة الأزهر.
وأثار عمرو أديب جدلاً خلال حلقة من البرنامج أذيعت الأسبوع الماضي عندما ناقش في برنامجه موقف الأزهر من مشروع القانون الذي تقدمت به أمل سلامة -عضو البرلمان المصري- إلى مجلس النواب والذي يقضي بحبس الزوج الذي يعتدي على زوجته من 3 إلى 5 سنوات، واستشهد بآراء سابقة لشيخ الأزهر وجاء في تفسيره لآية تأديب المرأة قوله “يكون أولاً بالهجر ثم الزجر ثم المرحلة الثالثة الضرب”.
وطرح الرد الصارم من جانب الأزهر عبر صحيفته هذه المرة تساؤلات حول أبعاد استخدامه أساليب صدامية مع عمرو أديب الذي اعتاد توجيه انتقادات للمؤسسة الدينية وكان يتم تجاهله، وما إذا كان الرد مرتبطاً فقط بالإعلامي أم قصد الأزهر توجيه رسائل إلى المحطة المملوكة لمستثمرين سعوديين وجاءت الانتقادات من خلالها؟
وتعامل العديد من المنتمين إلى الأزهر والمتعاطفين مع الشيخ أحمد الطيب مع هجوم أديب على أنه معبّر عن موقف تيار سعودي يقود المشروع الإصلاحي في الرياض، وليس موقفا شخصيا، وتعزز ذلك مع استعانة البرنامج بإحدى الشخصيات التي تعادي الأزهر، وتحديدا الباحث إسلام البحيري الذي سبق أن دخل في خلاف معه وصل إلى ساحة القضاء.
واعتبر هؤلاء أن الحلقة استهدفت شيخ الأزهر هذه المرة كنوع من جس النبض لقضايا داخل السعودية سيتم الاقتراب منها لاحقا، من ذلك مناقشة الأفكار المتشددة لبعض الرموز التي تبدو مواقفها مائعة أحيانا لحساب هيئة الترفيه السعودية.
وأوضح البحيري في مداخلته أن “كلام شيخ الأزهر خطأ وضد الدستور، ولا يوجد ما يسمى الضرب بشروط، وفكرة الضرب لأن الزوجة ردت على زوجها تخلق دولة في الغابة وضد الدستور الذي هو أقوى من أي مؤسسة في مصر”.
وعلمت “العرب” أن موقف الأزهر جاء لأن الهجوم طال “الإمام الأكبر” ووضعه في خانة واحدة أمام أحد الباحثين المحكوم عليه بازدراء الدين، واستخدام مصطلح “الترفيه” يعود إلى أن أديب اعتاد تغطية حفلات هيئة الترفيه في برنامجه ويولي هذا النوعَ من القضايا اهتمامًا، بجانب أن الأزهر أراد التأكيد على أنه لن يقبل بأي هجوم على رموزه من أي جهة داخلية أو خارجية.
أحمد سلطان: الأزهر بعث رسالة ضمنية تفيد بأنه لن يصمت عن الانتقادات
واستبق رئيس تحرير صحيفة “صوت الأزهر” أحمد الصاوي التأويلات السياسية البعيدة للعدد الأخير من الجريدة بنفي وجود خلافات بين الأزهر وجهات سعودية بسبب تجاوزات الإعلامي عمرو أديب، غير أن ذلك لم يوقف الجدل الذي تصاعد على مواقع التواصل الاجتماعي وأوحى تلميحا بوجود خلاف بين الجانبين.
ورد الصاوي في تصريحات صحافية على ما إذا كان الهجوم على شيخ الأزهر تقف خلفه المنصة السعودية ويعبر عن توجه رسمي بالتأكيد على أن “المسألة شخصية جداً وتعبر عن بضعة أفراد، معروف مستوى تأهيلهم وأغراضهم في خلق هذا الجدل”.
وأشار إلى أن جميع المسؤولين في السعودية يقدرون الأزهر وشيخه ولا يقبلون مساسا به، خاصة إذا كان مقصوداً لذاته، وما جرى استند على معطيات لا تعبر عن الحقيقة.
ويرى مراقبون أن هناك محاولات من تيار متشدد داخل الأزهر للزج به في صراع خفي مع جهات معتدلة في السعودية تتخذ خطوات إيجابية على طريق تجديد الخطاب الديني وتسيير مؤسساتها بوتيرة أكثر سرعة من المؤسسات الدينية المصرية، ما يُظهر الأزهر كمؤسسة مناهضة لجهود الإصلاح داخل السعودية.
وأكد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد سلطان أن الأزهر بعث رسالة ضمنية تفيد بأنه لن يصمت عن الانتقادات الموجهة إليه وأن موقفه الدفاعي الذي تطرق بشكل مباشر إلى الإعلامي عمرو أديب تمت صياغته بدقة دون التطرق إلى مشاريع أو جهات لها علاقة بتمويل المنصة التي صدر عنها الهجوم.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الأزهر لا توجد لديه اعتراضات على الرؤى الإصلاحية، وأنه يحافظ على ردة فعل هادئة على الآراء التي تخالف توجهاته طالما لم تحرض ضده بشكل مباشر، ووجود جهات داخله تحاول اختطافه ودفعه نحو التشدد لن يؤدي إلى دخوله في صراع خارجي.
وأثار تراجع دور الأزهر في قضية التجديد وتأثر هذه المؤسسة بتيار متشدد داخله مخاوف بعض رموزه من إمكانية خلق مرجعية موازية على مستوى الإسلام السني قادت إلى تعامله مع الأمر على أنه استهداف، وهي نتيجة غير دقيقة؛ فمن مصلحة القائمين على الإصلاح في السعودية الحفاظ على مؤسسة الأزهر كجهة أقرب إلى الوسطية والاعتدال.
المصدر : العرب اللندنية