كتب : أحمد طه المعبقي
الإهداء : إلى رواد التغيير السلمي – نجما فبراير – أيوب الصالحي ، وأكرم حميد المغيبين قسرا في دهاليز السجون السرية بتعز من قبل نظام مابعد فبراير مايسمي نفسه بالنظام الجديد .
قراءة نقدية سريعة
في البداية لايمكن التقليل ، من حجم الحدث ، الذي أحدثه ، شباب فبراير الأوائل في صناعة عجلة التغيير السلمي ، لقد كانت ثورة فبراير بالنسبة لهم ضرورة ملحة تستدعيها المرحلة ، لإحداث عملية تغيير في بنية النظام الهش الغارق بالفساد والعاجز عن مواكبة حركة التنمية وطموحات جيل الألفية الثالثة ، في نفس الوقت يتوجب علينا الأعتراف بالأحداث والانتكاسات التي واكبت ثورة فبراير وأدت في آخر المطاف إلى وقوع فبراير أسير بيد القوى التقليدية التي كبلت فبراير بالقيود والأغلال ، وأصبحت فيما بعد وصية على فبراير ، وعملت على أفراغ ثورة فبراير من مضمونها الحقيقي وحرفت مسارها ، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، من ثورة تنادي بالحداثة والاحتكام للقوانين المدنية العصرية ، إلى حركة دعوية تنادي بالجهاد وقيام الخلافة الإسلامية .
نستطيع القول بإن فشل الثورة الشبابية السلمية ، ليس فقط عندما ركبت القوى التقليدية مسار الثورة الشبابية فحسب ، بل يعود فشل الثورة الشبابية ، عندما تخلى شباب الثورة السلمية ، من الاستمرار في النضال السلمي ، وانجرارهم خلف صراعات القوى التقليدية ،ذات الطابع الدموي ، ولازلنا نتجرع مرارة هذا الصراع حتى اللحظة .
على أي حال كان فبراير حلم مشرق ، وواقع ثوري يضيء حاضر ومستقبل اليمن – لكن للأسف الشديد ، هناك من أراد تحويله إلى مجرد وثن معبود، ومهرجان سنوي ، ودرع ثوري يتغطى به الحكام ، المسيطرون على زمام مقاليد الحكم في اليمن .
في الأخير ندرك حجم التشوه الذي حصل بعد مرحلة فبراير، وما أحدثته أطراف الصراع المسلح ، من خلال بث مفاهيم تغذي ثقافة الكراهية وتمزق النسيج الأجتماعي ، إلا أن هناك من الشباب المتنور لم يتلوث بثقافة الحرب ،ولايزال هؤلاء الشباب لديهم موقف من جميع سلطات الأمر الواقع التي فرضت نفسها بوسائل العنف ، والعنف المضاد وانقلبت على وسائل النضال السلمي ، بما أن النضال السلمي هو البوصلة والمنهج الحقيقي الذي حدد مسار ثورات الربيع العربي ، لتغيير شكل النظام ، دون قطرة دم ، وإزهاق نفس ، وتحقيق حلم الدولة المدنية ، دولة القانون والعدالة والمؤسسات، دولة التعددية والحريات السياسية القادمة التي كانت ستقوم على أكتاف شباب الألفية الثالثة ،كبديل عن الأنظمة العربية التي جاءت في القرن السابق عن طريق العنف المسلح والانقلابات العسكرية وظلت جاثمة على الحكم مايقرب نصف قرن .
لكن الأمر لم يكن في الحسبان ، تبخرت أحلام الشباب ورجعت العجلة إلى نقطة صفر..بطبيعة الحال ليس بوسعنا أن ننكر بأن ثورات الربيع العربي ، أجهضت في حينه ، عندما تم عسكرتها ، وقلب مفاهيمها العصرية إلى مفاهيم قديمة عفا عنها الزمن ، حينها تحول الربيع العربي إلى شتاء قارس ، وعاصفة جافة دمرت أخضرار الربيع وأذبلت أزهاره ، وأصبحت القوى التقليدية بتناقضتها هي المسيطرة على الميدان ، مما نتج في النهاية أنظمة لاتقل قبحا عن سابقيها أن لم تكن أكثر دموية – باستثناء تونس .
خلاصة القول يمكن النظر إلى فبرايرعلى أنه مغامرة شباب في إعلان ثورة سلمية في مجتمع لم تتهيأ جميع شرائحه ، بالتجربة الجديدة ، أقصد تجربة التغيير الثوري ذات الطابع السلمي ، البديل عن العنف الثوري الذي اعتاد اليمنيين أستخدمه في تاريخهم السياسي كوسيلة لتغيير حكامهم ، بإعبارة أخرى عدم نضوج العوامل الموضوعية لطبيعة الثورة الشبابية السلمية ، سهل لزعماء العشائر المسلحة ، من أحتوى ثورة الشباب السلمية ، وجر البلاد إلى عنف مسلح ، ومصادمات عسكرية داخل النظام .. لذا يتوجب النظر إلى ثورة فبراير كبقية .الثورات التي فشلت عبر التاريخ بسبب عدم توفر العوامل الموضوعية لنضوجها ، منها على سبيل المثال ثورة البرامكة والزنج ، والقرامطة ، وثورة سبارتاكوس (ثورة العبيد ) في عهد الامبراطورية الرومانية .
صحيح ثورة سبارتاكوس استطاعت تحرير العبيد من ظالميهم، لكن مصدر فشلها ، بإن القائمين عليها عندما انتزعوا الحكم من يد الطغاة والمستبدين ، مارسوا الطريق ذاتها التي استخدمها أولئك. الجلادون معهم من قهر وإستعباد ، وبهذا تحول الثوار بعد وصولهم إلى مقاليد الحكم إلى طغاة ومستبدون جدد يقلدون الجلادون السابقون ، فأنقض الجلادون القدماء مستفيدين من أخطاء الجلادين الجدد، وبهذا تم القضاء ثورة سبارتاكوس ماتسمى ( ثورة العبيد ) ، عموما .لايمكن التقليل من ثورات الربيع العربي رغم فشلها ، فالتاريخ يقول : ” بإن الثورات الغيرناضجة التي انتهت بالفشل ، هي في الأخير من مهددة ، ورسمت ، وسطرت الوعي المجتمعي في صناعة ثورات عظمى” ، ففشل ثورات الربيع ، بالتأكيد سيخلق ربيع عربي جديد ، وشباب عربي أكثر وعيا و نضجا مما سبق ، بإهمية النضال السلمي كخيارأساسي لنجاح اي عملية تغيير.