كريتر نت – أندبندنت
قال روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، المعهد البحثي الأميركي الأكبر المتخصص في دراسات الشرق الأوسط أن هناك أسباب وجيهة لأجل تصنيف ميليشيا الحوثي جماعة إرهابية.
وأضاف في حوار مطول مع “اندبندنت عربية ” : كانت هناك أسباب وجيهة لتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وهناك أسباب وجيهة الآن أيضاً لإعادة تصنيفهم. أعتقد أن هناك سبباً قوياً لإعادة تصنيف الحوثيين لأفعالهم الإرهابية”، لافتاً إلى أن “هناك نقاشاً جدّياً في واشنطن بشأن الأمر”.
وأشار إلى أنه “على الرغم من أن الصراع السياسي العسكري في اليمن خطير ومقلق، لكن هذا لا يبرر الاعتداءات على أهداف مدنية في دول بعيدة، فالهجوم على خطوط الطيران والمطارات الذي قد يسفر عن مقتل مواطنين من جنسيات مختلفة عدة، هذا بعينه تعريف الإرهاب. لذا آمل في أن تأخذ حكومة الولايات المتحدة الأمر على محمل الجد وتتصرف استناداً إلى فكرة تصنيف الحوثيين بناء على الجرائم التي يرتكبونها ضد أهداف مدنية”.
وأضاف ” لا تمثل الهجمات تطوراً جديداً في حد ذاتها، إذ لطالما شنت جماعة الحوثي اعتداءات على أهداف سعودية، يتم إحباط غالبيتها عادة بالوسائل التكنولوجية، غير أن مدير المعهد الأميركي يشير إلى أدلة كثيرة على أن “إيران تزوّد بشكل مباشر الحوثيين بالصواريخ بعيدة المدى والمسيّرات وهذه الهجمات تشكل أعمالاً إرهابية بأي تعريف كان للمصطلح”.
وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته إنجي مجدي :
روبرت ساتلوف: استهداف “الحوثي” للمدنيين يصنفها إرهابية
إنجي مجدي
اتسم اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا “الهولوكوست” المخصص له 27 يناير (كانون الثاني) هذا العام بفعاليات هي الأولى منذ تدشين الأمم المتحدة لهذا اليوم عام 2005. فللمرة الأولى، تشهد عاصمتان عربيتان فعاليات إحياء هذه الذكرى الأليمة، إذ أقيمت في القاهرة وأبوظبي برعاية السفارات الأميركية لإحياء اليوم الدولي، الذي شارك فيه عدد من الباحثين والمفكرين، كان بينهم روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، المعهد البحثي الأميركي الأكبر المتخصص في دراسات الشرق الأوسط.
في القاهرة، حاورت “اندبندنت عربية” ساتلوف الذي تحدث عن عدد من التطورات في المنطقة بما في ذلك الانفتاح والقبول بين شعوبها، كما تناول تطور هجمات الحوثيين لتشمل أهدافاً مدنية في الإمارات، وما يمكن أن تؤول إليه المحادثات النووية مع إيران.
العرب و”الهولوكوست”
لـساتلوف كتاب بعنوان “بين الصالحين… قصص ضائعة من الهولوكوست في الأراضي العربية”، وتحوّل إلى وثائقي عام 2010، يتحدث عن معتقلات تابعة للنازية في شمال أفريقيا ويسرد بعض الأسماء العربية التي لعبت دوراً بطولياً في إنقاذ اليهود الهاربين من أوروبا من الوقوع مجدداً في جحيم النازية، بينهم خالد عبد الوهاب، وهو نجل كاتب معروف كان يبلغ من العمر 32 سنة عندما احتل الألمان تونس، كما يسرد قصصاً أخرى لأشخاص تعاونوا مع النازية. وكانت أبحاث ساتلوف في هذا الصدد سبباً في إقناع الحكومة الألمانية بدفع تعويضات للناجين اليهود من معسكرات العمل في شمال أفريقيا.
في حديثه إلينا، يرى ساتلوف أن “التاريخ يتغير نحو الأفضل داخل العالم العربي في ما يتعلق بالعلاقات مع اليهود وما يُعرف بـ’معاداة السامية‘”. يضيف “لا يزال هناك عدد من العقبات وما زال هناك عدد من مصادر التعصب، لكننا نشهد على المستويين الرسمي والشعبي مزيداً من الانفتاح والقبول والاستعداد للمناقشة”.
يفسّر مدير معهد واشنطن هذا التغيير بعوامل عدة، بينها “اتفاقات أبراهام” للسلام، التي وقّعتها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مع إسرائيل، التي عملت على توسيع مفهوم وتعريف السلام ذاته بين الدول”. ويوضح أن “مصر والأردن يعيشان في سلام مع إسرائيل منذ عقود ربما على الصعيد العسكري والاستراتيجي والاقتصادي، لكن اتفاقيات أبراهام وسّعت مفهوم ما يعنيه السلام بين الشعوب وتوسيع مداركه على النحو الإنساني من حيث العلاقات الاجتماعية والثقافية، وهذا يجعل من السهل على الدول الأخرى أن تذهب خطوات أعمق في هذا الصدد”.
وبالنسبة إلى بلد مثل مصر، يرى ساتلوف أن “هناك تغييراً داخلياً مهماً”، مشيراً إلى “جهود عدة لمكافحة التعصب القائم على العرق والدين ومحاربة التطرف. فعلى الرغم من أن ذلك لم يغيّر المجتمع، إلا أنه وفّر مساحة أكبر لمناقشة المواضيع التي كان من المستحيل مناقشتها يوماً”.
ويعتقد أن “وجود طهران في مقدمة المعركة نحو إنكار الهولوكوست وضد دور اليهود في الحياة العامة، يجعل من السهل أن يعارض العرب موقفها. ففيما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يندد بإنكار المحارق النازية ضد اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، كانت إيران الدولة الوحيدة التي عارضت القرار”. وبرأي الكاتب الأميركي، “فإن هذا جعل من الأسهل على الدول العربية أن تدعم القرار. ومن ثمّ، فإن وضع هذه العوامل معاً يوفر مساحة أوسع في مجتمعات مثل مصر وبشكل عام في الدول العربية لمناقشة معاداة السامية ودور اليهود في المجتمع”.
تصنيف الحوثيين
شهدت الآونة الأخيرة تطوراً على صعيد عمليات ميليشيات الحوثي التي لم تعُد هجماتها تقتصر على أهداف سعودية، بل استهدفت أخيراً مناطق مدنية في العاصمة الإماراتية أبوظبي، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وأضرار مادية. جاءت هذه التطورات بعد أقل من عام من قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإلغاء تصنيف ميليشيات الحوثي الموالية لإيران في اليمن ضمن قائمة الإرهاب، غير أنه مع تحوّل هجمات الحوثيين لأهداف مدنية في الإمارات، تعالت الأصوات المطالبة بإعادة تصنيف الجماعة، الأمر الذي يؤيّده مدير معهد واشنطن.
يقول ساتلوف، “كانت هناك أسباب وجيهة لتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وهناك أسباب وجيهة الآن أيضاً لإعادة تصنيفهم. أعتقد أن هناك سبباً قوياً لإعادة تصنيف الحوثيين لأفعالهم الإرهابية”، لافتاً إلى أن “هناك نقاشاً جدّياً في واشنطن بشأن الأمر”. وأشار إلى أنه “على الرغم من أن الصراع السياسي العسكري في اليمن خطير ومقلق، لكن هذا لا يبرر الاعتداءات على أهداف مدنية في دول بعيدة، فالهجوم على خطوط الطيران والمطارات الذي قد يسفر عن مقتل مواطنين من جنسيات مختلفة عدة، هذا بعينه تعريف الإرهاب. لذا آمل في أن تأخذ حكومة الولايات المتحدة الأمر على محمل الجد وتتصرف استناداً إلى فكرة تصنيف الحوثيين بناء على الجرائم التي يرتكبونها ضد أهداف مدنية”.
لا تمثل الهجمات تطوراً جديداً في حد ذاتها، إذ لطالما شنت جماعة الحوثي اعتداءات على أهداف سعودية، يتم إحباط غالبيتها عادة بالوسائل التكنولوجية، غير أن مدير المعهد الأميركي يشير إلى أدلة كثيرة على أن “إيران تزوّد بشكل مباشر الحوثيين بالصواريخ بعيدة المدى والمسيّرات وهذه الهجمات تشكل أعمالاً إرهابية بأي تعريف كان للمصطلح”.
العودة إلى الاتفاق النووي
منذ قرابة عام، تخوض طهران والقوى التي لا تزال منضوية في اتفاق عام 2015 (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين)، مفاوضات تهدف إلى إحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة أحادياً في 2018، وأعادت فرض عقوبات على طهران، ما دفع الأخيرة إلى التراجع عن التزامات مدرجة فيه، كما تواصل المناورة في المحادثات لكسب مزيد من الوقت، بينما تمضي نحو تطوير برنامجها النووي، مما أثار تساؤلات لأشهر عدة بشأن نواياها حيال المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية فيينا بوساطة أوروبية ومشاركة روسيا والصين.
بدأت المفاوضات العام الماضي بعرض أميركي لإيران تمثّل في رفع العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب مقابل عودة طهران إلى الامتثال لبنود الاتفاق النووي، لكن في الوقت ذاته، فشلت واشنطن في إرفاق العرض بإجراءات أخرى مثل الانسحاب من طاولة المفاوضات أو التلويح بعواقب حال الرفض أو المماطلة. ومن ثمّ واصل الإيرانيون المطالبة بمزيد من التنازلات، جنباً إلى جنب مع المضي قدماً في برنامجهم النووي.
ويرى ساتلوف أن “الإيرانيين سيفضّلون العودة إلى الاتفاق النووي في نهاية المطاف، لأن في هذا الخيار فائدة كبيرة لهم، بالنظر إلى أن اتفاق عام 2015 تنتهي صلاحيته في غضون عامين”. يضيف “أعتقد أن الحافز بالنسبة إليهم سيكون قوياً للغاية”، مشيراً إلى أن “الإيرانيين يساومون بشدة لتحقيق أقصى قدر لمصلحتهم. ومع ذلك، ومع كل ما يقال، من المحتمل ألّا تتوصل أطراف التفاوض إلى اتفاق في ظل مبالغة الإيرانيين في مراوغتهم وتفضيلهم مواصلة الطريق نحو الاقتراب من العتبة النووية لأنهم لا يخشون أي رد فعل أو ربما يعتقدون أن بإمكانهم تقسيم الحلفاء”.
برامج نووية أخرى
رداً على سؤالنا عما إذا كان هذا يعني أن دول المنطقة عليها الاستعداد للتعايش أو التعامل مع إيران نووية، قال ساتلوف إن “الأمر يعتمد على المسار الذي سيسلكه الإيرانيون، فربما لا يتم التوصل إلى اتفاق، لكن في الوقت ذاته، تختار طهران ألّا تتجاوز عتبة معينة. ومع ذلك، أعتقد بشكل عام أنني سأتفاجأ إذا لم تبدأ الدول الكبرى في الشرق الأوسط بمتابعة برامجها النووية بشكل أكثر قوة، بغض النظر إذا تم التوصل إلى اتفاق في فيينا أو لا”.
الأسبوع الماضي، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أميركي قوله إن “واشنطن مستعدة لمفاوضات مباشرة مع إيران”، وهي التعليقات التي تزامنت مع إعلان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن “بلاده مستعدة للتفاوض مع الولايات المتحدة بشكل مشترك إذا تطلبت الضرورة ذلك لتحقيق اتفاق نووي جيد”. وهو تطور على صعيد المفاوضات التي تُجرى بشكل غير مباشر حتى الوقت الحالي، ومع ذلك يرى ساتلوف أن “تحقيق مفاوضات مباشرة لن يغير كثيراً في المشهد المعقد بالفعل”.
توازن وليس عقاباً للقاهرة
لعبت المستجدات على الساحة الإقليمية دوراً لافتاً على صعيد العلاقة بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والقاهرة، إذ دفعت بتقارب يخالف التوقعات غير المتفائلة بشأن العلاقة. ففي مايو (أيار) الماضي، لعبت مصر دوراً حاسماً في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة “حماس”، بعدما اشتعلت حرب بين الطرفين إثر اشتباكات بين متظاهرين فلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في حي الشيخ جراح، إذ إن بايدن أجرى اتصالاً بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في هذا الصدد، وأثنى على الدور الذي لعبته القاهرة في وقف القصف المتبادل بين الطرفين.
ومع ذلك، لم يكُن من الممكن مقارنة العلاقة بتلك التي جمعت واشنطن والقاهرة خلال إدارة ترمب. وبالفعل، لم تمضِ أشهر قليلة على ثناء بايدن على الدور المصري في التهدئة ووسط مواصلة القاهرة لدورها في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين، حتى قررت الإدارة الأميركية حجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر وعزت ذلك إلى أسباب تتعلق بملف حقوق الإنسان، ليعيد القرار إلى الذاكرة التوتر الذي شاب العلاقات بين البلدين خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، عندما كان بايدن في منصب نائب الرئيس.
يشير ساتلوف إلى أن “المبلغ المستقطع من المساعدات لمصر يمثل الحد الأدنى من المبلغ الذي حدده القانون الأميركي إذا لم تتوافر شروط معينة لدى متلقّي المعونة”. ويرى أنه “لا ينبغي تفسير الأمر على أنه إجراء عقابي ضد الحكومة المصرية، ولكنه في الواقع نهج أكثر توازناً يحمل رسالة بأننا نعلم ببعض الأمور التي لا يمكننا التصديق عليها، لذا علينا اتخاذ هذه الخطوة ونريد العمل للحصول على دعمنا”، مضيفاً أن “الأمر بمثابة تحفيز أكثر من كونه عقاباً أو امتداداً لنهج إدارة أوباما”.
يرفض مدير المعهد الذي يمثل إحدى المجموعات المؤثرة في صنع القرار الأميركي، المضاهاة بين إدارتَي بايدن وأوباما أو كما يصفها بعض المنتقدين في الولايات المتحدة بأنها الولاية الثالثة لإدارة أوباما، مشيراً إلى أنه “من الخطأ النظر إلى السياسة الخارجية لإدارة بايدن على أنها استمرار لما وقفت عنده إدارة سلفه”. ويضيف أنه “على عكس الأخيرة، فإن بايدن ليست لديه ادعاءات أو تطلعات لإعادة تعريف العلاقات بين أميركا وشعوب العالم الإسلامي، وهو نهج أكثر عملية، كما أن العلاقات مع الحكومات أكثر اعتدالاً”.
دعم الحكومات في مواجهة الإخوان
لا يتفق مدير معهد واشنطن مع بعض المساعي لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية داخل الولايات المتحدة. ويوضح أن “التعريف الأميركي للمنظمات الإرهابية ضيق ومحصور للغاية، ما يمنحه مصداقية فعلية لتصنيف بعض الجماعات التي يكون انتماؤها غامضاً، ويمكن أن يكون مؤيدوها خاملين أو ناشطين على نطاق واسع”. يستدرك “من المهم للغاية اتخاذ موقف صارم ضد كل من التحريض على العنف وارتكابه، ومن المهم للولايات المتحدة أن تنخرط في المنافسة الأيديولوجية ضد التطرف الراديكالي مثل ذلك الذي تمثله جماعة الإخوان. أعتقد أن هناك كثيراً يمكننا فعله لدعم الحكومات المعنية بمواجهة جماعة الإخوان”.
انسحاب أفغانستان
في حين لا يتفق ساتلوف مع قرار بايدن بالانسحاب من أفغانستان الذي أسفر عن مشهد فوضوي الصيف الماضي، كما أن معظم القادة العسكريين يعتقدون أن الطريقة التي تم بها الانسحاب تسببت في إشكالية عميقة، لكنه يرى أنه “يمكن تبرير القرار وفقاً لرغبة الرئيس بعدم وجود قوات أميركية في أفغانستان أو العراق”. يضيف “سنعرف في غضون أعوام قليلة ما إذا كان القرار حكيماً أم لا؟ من السابق لأوانه إصدار هذا الحكم”.
محاسبة أردوغان
لم يرغب مدير المعهد الأميركي بالتعليق على السياسات التركية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، لكنه تحدث عن الوضع الداخلي في ظل مخاوف من التلاعب في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2023وسط تراجع شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أسفرت سياساته عن ضعف الاقتصاد، فضلاً عن قيامه بسجن المئات من المعارضين والصحافيين. وقال ساتلوف إن “الأميركيين بحاجة لدعم الديمقراطية في تركيا ودعم انتخابات كاملة وحرة ونزيهة”، مضيفاً، “يجب أن نفعل كل ما في وسعنا لمساءلة أنقرة عن التزامها إجراء انتخابات كاملة وحرة ونزيهة. واثق تماماً من أن شعب تركيا قادر على إصلاح أي مشكلات لديهم في قيادتهم، إذا سُمح لهم بإجراء انتخابات حرة ونزيهة”.