السياسات العربية لا تزال رهن المزاجية والفردية بالدرجة الأولى
سعد بن طفلة العجمي وزير الإعلام السابق في الكويت
توقفت الحملات الإعلامية والتراشق الإعلامي الخليجي – الخليجي، أو لنقل إنه يعيش هدنة ترقب حذرة منذ قمة العلا بالمملكة العربية السعودية العام الماضي، ولا يمكن التنبؤ بالأزمات العربية – العربية ومن بينها الخليجية، فالواقع أن السياسات العربية لا تزال رهن المزاجية والفردية بالدرجة الأولى، ومن ثم فإن انفجار أزمة عربية – عربية جديدة ومفاجئة مسألة واردة جداً.
كانت الأزمة الخليجية التي تفجرت صيف 2017 مختلفة وغير مسبوقة في حدتها، وبالذات في وسائل التواصل الاجتماعي، تلك الحدة اللفظية تركت آثاراً لن تزيلها المؤتمرات، ولن تتلاشى بالمجاملات و”حب الخشوم”. حتى حب الخشوم اختفى بالسنتين الأخيرتين نتيجة التباعد الاجتماعي الذي فرضته جائحة كورونا.
خلق الشرخ الذي أحدثه التلاسن والتراشق الإعلامي أجواء من عدم الثقة بين دول الخليج، ليس بين الحكومات والمسؤولين وحسب، ولكن حتى بأوساط المثقفين الخليجيين الذين أثبتت الأزمة أن معظمهم توابع يتحركون بالأوامر وليس بالقناعات والمبادئ، وكانت الخسارة الأكبر التي عانت منها كافة الأطراف هو فقدان الرزانة والهيبة اللغوية بالخطاب الإعلامي الخليجي، تلك الرزانة الإعلامية التي تميز بها الخطاب الخليجي عبر عقود من الزمن.
من يسترجع الخطاب الصدّامي البعثي ضد دول الخليج يسمع ويقرأ العجب العجاب من ألفاظ يعف القلم عن سطرها، ويترفع اللسان عن تكرارها، ومع هذا فقد حافظت القيادات الخليجية والمؤسسات الإعلامية الخليجية بمجملها على الرزانة الإعلامية في أوج حرب صدام على الخليج بعد احتلال الكويت عام 1990، واتسم الخطاب الخليجي حينها بالهدوء والتماسك اللفظي، وعلى الترفع والتسامي فوق ناشز القول وقبيح الكلمة.
أما أزمة 2017 فقد رافقها تلاسن لم يعهده الخطاب الخليجي، وكان سمة الأنظمة الفوضوية والانقلابية والعسكرية في منطقتنا، وبقيت الرزانة الإعلامية سمة من سمات الخطاب الخليجي الإعلامي. فهل يمكن استعادة تلك الرزانة الخطابية الخليجية؟
الرزانة ليست كالعذرية إذا ما فقدها الإنسان فلا تعود، بل يمكن أن يفقدها الإنسان فترة ويستعيدها إذا ما أحسن التخطيط اللغوي والخطاب الإعلامي، وأن يكون جوهر هذا التخطيط ثلاثياً: تشذيب الخطاب، ورفع درجة الشفافية والصدقية، واستبعاد الأقلام والألسنة المستأجرة.
لقد رافق الأزمة الخليجية المخجلة ظاهرة غير مسبوقة باسترزاق كنا نظنه يستورد من الخارج فقط، فوجدنا بين ظهرانينا من هو مستعد لإيجار قلمه ولسانه للوقوف مع هذا الطرف ضد ذاك، وقديماً قيل “من أحبّك على لقمة، أبغضك على فقدانها”، ولاستعادة الهيبة والرزانة الخطابية التي تعيد المكانة السياسية الإقليمية، على الحكومات الخليجية استبعاد تلك النوعيات من الطحالب الإعلامية التي هي على أهبة الاستعداد للنتوء الإعلامي متى ما اقتضت الحاجة، وعلى استعداد لتغيير سلاح القلم واللسان من كتف إلى آخر بحسب مصدر الاسترزاق والتمويل.
تعكس الرزانة الخطابية ثقة بالنفس، وترسل رسائل طمأنة وحصافة، والعمل على استعادة رزانة الخطاب الإعلامي الخليجي ليس من أجل الرزانة وحدها، بل من أجل تلافي آثار الخلافات إذا كنا نؤمن حقاً بأن مصيرنا مشتركاً، وأن الوحدة الكونفيدرالية هي قدرنا من أجل البقاء والسلم والمَنَعة في هذا المنطقة المتلاطمة الشرور والحروب والمشكلات.
نقلاً عن أندبندنت عربية