كريتر نت – متابعات
تعتقد الاستخبارات الأميركية أن بعض الإجراءات السرية التي اتخذها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجعلها ترى أنه أكثر جدية بشأن غزو أوكرانيا ممّا كان عليه عندما هدد كييف في أبريل الماضي بحشد كبير للقوات، إلا أن المسار الدبلوماسي لا يزال يشق طريقه رغم التشاؤم.
كييف – يعكس تزايد دعوات الكثير من الدول إلى مواطنيها ودبلوماسييها لمغادرة أوكرانيا أن سيناريو الغزو الروسي المحتمل لكييف بات وشيكا، وأن حديث الولايات المتحدة عن غزو وشيك بات يؤخذ على محمل الجد بعد أن شكك الكثير في صوابه وصدقيته بمن فيهم الحلفاء الأوروبيون أنفسهم.
ويضع الغزو الروسي لأوكرانيا، إن قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المغامرة، العالم على حافة “حرب عالمية ثالثة” يقول مراقبون إنه لا يمكن التكهن بتداعياتها التي ستطال دول العالم بنسب متفاوتة بما فيها البعيدة جغرافيا عن ساحة الحرب كمنطقة الشرق الأوسط.
واعتبر الجنرال الأميركي إريك كوريلا أن “غزو روسيا لأوكرانيا سيؤدي إلى عدم استقرار أوسع في الشرق الأوسط”.
وقال الجنرال كوريلا المرشح لمنصب القائد العام للقيادة المركزية الأميركية أمام أعضاء مجلس الشيوخ إنه “إذا غزت روسيا أوكرانيا، كما يخشى كثيرون، فقد يؤدي ذلك إلى عدم استقرار أوسع في الشرق الأوسط بما في ذلك سوريا”.
إريك كوريلا: غزو أوكرانيا سيؤدي إلى عدم استقرار أوسع في الشرق الأوسط
وأضاف “إذا غزت روسيا أوكرانيا، فلن تتردّد في لعب دور المفسد في سوريا أيضا”.
وإضافة إلى الانفلات الأمني المتوقع في الشرق الأوسط، ستكون المنطقة على موعد مع نقص حاد في إمدادات سلاسل الغذاء، إذ توجه أكثر من 40 في المئة من شحنات الذرة والقمح السنوية من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط أو أفريقيا.
كما أدت موجات الجفاف التاريخية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العام الماضي إلى تفاقم الاحتياجات من الحبوب مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية والمخاوف المستمرة بشأن النقص.
ويقول أليكس سميث المحلل الزراعي في معهد بريك ثروث إن التهديدات لصادرات القمح الأوكرانية تشكل أكبر خطر على الأمن الغذائي العالمي.
وأشار سميث إلى أنه في عام 2020 جاء نصف القمح المستهلك في لبنان من أوكرانيا، ويستورد اليمن وليبيا على التوالي 22 و43 في المئة من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا.
وفي عام 2020 صدرت أوكرانيا أيضًا أكثر من 20 في المئة من القمح إلى ماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش. كما تُعد مصر مشتريا رئيسيا للقمح الأوكراني.
وينظر العالم بقلق إلى التوترات على الحدود الأوكرانية، خاصة مع عدم تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات بين دول الغرب وروسيا التي لا يبدو أنها، ظاهريا على الأقل، تأبه للتهديدات المستمرة بفرض عقوبات.
وفيما تمثل الحرب كابوسا إنسانيا وأمنيا، فإن آثارها الاقتصادية قد لا يتحملها العالم، بدءا من تأثيرها على أسواق الحبوب وصولا إلى أسواق الطاقة. ومن المرجح أن تتأثر أسواق الطاقة الأوروبية بشكل كبير إذا تحولت التوترات إلى صراع.
وتعتمد أوروبا على روسيا للحصول على حوالي 35 في المئة من الغاز الطبيعي، ويأتي معظمها من خلال خطوط الأنابيب التي تعبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا و”نورد ستريم 1″ الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا، وغيرها من خلال أوكرانيا.
وفي عام 2020 انخفضت كميات الغاز من روسيا إلى أوروبا بعد أن خفضت عمليات الإغلاق الطلب ولم تتعاف التوريدات بشكل كامل في العام الماضي عندما ارتفع الاستهلاك، مما ساعد على رفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
وكجزء من العقوبات المحتملة فى حالة غزو روسيا لأوكرانيا، قالت ألمانيا إنها قد توقف خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الجديد من روسيا.
ومن المتوقع أن يزيد خط الأنابيب من واردات الغاز إلى أوروبا، لكنه يؤكد أيضا اعتمادها على موسكو في مجال الطاقة.
العالم على مشارف حرب جديدة
وتوقع بنك جي.بي مورغان أن تخاطر التوترات بـ”ارتفاع مادي” في أسعار النفط، وأشار إلى أن ارتفاعا إلى 150 دولارا للبرميل من شأنه أن يخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 0.9 في المئة فقط سنويا في النصف الأول من العام.
كما يمكن للشركات الغربية المدرجة في البورصة أن تشعر بالعواقب المترتبة على الغزو الروسي، على الرغم من أن أي ضربة لشركات الطاقة للإيرادات أو الأرباح قد تقابلها إلى حد ما قفزة محتملة في أسعار النفط.
وسيكون الغزو الروسي لأوكرانيا أكبر حرب في أوروبا منذ الأربعينات في القرن الماضي، وأول إسقاط لحكومة أوروبية منتخبة ديمقراطيا من قبل غزاة أجانب منذ ذلك الحين.
وأوضح المحلل الاقتصادي سايمون هندرسون أن “أزمة أوكرانيا متعلقة برمّتها بالرئيس الروسي بوتين وغروره الضخم، لكن قوته لا تكمن فقط في عناصر قواته البالغ عددها مئة ألف جندي ومدرعاته قرب الحدود، بل تكمن أيضا في الغاز الطبيعي الذي تعتمد أوكرانيا على روسيا في تزويدها به، إلى جانب العديد من الدول الأوروبية الأخرى التي تشتري الغاز من روسيا، والذي يتم نقله بخطوط الأنابيب التي تمر من أوكرانيا”.
إن قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المغامرة وغزو أوكرانيا فإنه يضع بذلك العالم على حافة “حرب عالمية ثالثة” لا يمكن التكهن بتداعياتها التي ستطال جميع دول العالم
وتابع أنه “في الواقع يأتي حوالي 40 في المئة من الغاز الطبيعي المستهلَك في أوروبا من روسيا. وما يعزز هذه الهيمنة هو أن ألمانيا تشكل الزبون الرئيسي لهذا الغاز، وهو ما يفسر سعيها المحموم لتجنب الغزو وحل الخلاف بالطرق الدبلوماسية”.
وأضاف “بالتأكيد إذا ارتسمت على وجهوكم ابتسامة ساخرة حول تاريخ برلين، إلّا أن النتيجة هي أن عمليات النقل العسكرية البريطانية تجنبت التحليق في المجال الجوي الألماني الأسبوع الماضي من أجل تسليم صواريخ مضادة للدبابات إلى أوكرانيا. ويأتي المزيد من هذه الذخائر من الولايات المتحدة لكن مسارات رحلاتها الجوية غير واضحة”.
وبلغت الأزمة الأوكرانية الأحد ذروتها مع انسداد الآفاق أمام الجهود الدبلوماسية وتصاعد الحشود العسكرية الروسية ووصول تعزيزات أميركية وأوروبية إلى أوروبا الشرقية، ونشر تقارير عن موعد قريب لانطلاق الغزو الروسي ربما يكون هذا الأسبوع وفق الولايات المتحدة.
وكانت الأزمة المثارة حول حشد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا تفاقمت خلال الأيام الماضية على نحو مأساوي، حيث كان جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي حذر بشكل صريح من قرب وقوع غزو روسي لأوكرانيا الأسبوع الجاري، وفي أعقاب ذلك طلبت العديد من الدول الغربية من مواطنيها مغادرة أوكرانيا.
وتتهم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة روسيا بحشد قوات قرب الحدود الأوكرانية، وهددت واشنطن بفرض عقوبات على موسكو إذا شنت هجوما على أوكرانيا.
وترفض روسيا الاتهامات بشأن تحركات قواتها داخل أراضيها، وتنفي وجود أي خطط عدوانية لديها تجاه أوكرانيا.