محمد خلفان الصوافي
الجنرال كينيث ماكنزي قائد القوات المركزية الأميركية فاجأنا في حديثه مع وكالة أنباء الإمارات عندما وصف الاستهداف الحوثي لدولة الإمارات، أكثر من مرة، بأنها هجمات “طائشة”.
على الأقل، كان على المسؤول الأميركي الذي قام بزيارة إلى دولة الإمارات لتقديم الدعم لها في موقفها ضد الحوثي، أن يصف تلك الهجمات بالإرهابية، فهي تسببت في مقتل ثلاثة مدنيين، واستهدفت مناطق آمنة، وندد المجتمع الدولي بها، ورافقتها اعترافات صريحة من مسؤولي التنظيم الحوثي الإرهابي بأن الهجمات استهدفت الإمارات، وكذلك لأنها أخذت صفة الاستمرارية. أي أن الهجمات مقصودة ومتعمدة، لولا احترافية القوات المسلحة الإماراتية وكفاءتها في إفشالها وصدها وتدمير المنصة التي يتم إطلاق الصواريخ منها. الإمارات لديها القدرة على الدفاع عن سيادتها.
وصف الهجمات بالطائشة، لم يكن متوقعا من مسؤول يدرك أهمية الاستقرار في منطقة الخليج، ودولة الإمارات بشكل خاص، لاسيما وأن الرئيس الأميركي جو بايدن كان قد وعد بإعادة دراسة وضع الحوثي على قائمة التنظيمات الإرهابية في العالم. ما يعني أن المزاج السياسي الدولي مستعد ومهيأ لهذا السيناريو، الذي كان من المفترض أنه معمول به لولا تدخل بايدن نفسه وسحبه الحوثي من قائمة الإرهاب نكاية بخصمه السياسي دونالد ترامب بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية.
الوضع السياسي العام يفرض على الجنرال ماكنزي عدم التراجع إلى الوراء ولو بخطوة، كي لا يتكرر خطأ التمييع مع من يهدد الاستقرار العالمي، لأن الأغلبية العظمي من دول العالم تقف ضد ما يفعله الحوثي، وضد ما تفعله الميليشيات الموجودة في العراق. وبالتالي كان عليه أن يتخلى عن حذره الشديد في تصريحاته التي سيرى فيها العالم تراجعا وضعفا في الموقف الأميركي الذي يسعى الجميع لمعرفته.
نعلم أن الموقف الرسمي للولايات المتحدة بشأن التصنيف لم يتحدد بعد، وأن الموضوع يحتاج إلى دراسة والتصويت عليه في الكونغرس، ونعلم أيضا أن هناك مفاوضات أميركية مع إيران الدولة التي ترعى الحوثي وغيره من الميليشيات في المنطقة، لكن النظر لاستهداف الحوثي لاستقرار الإمارات، الدولة التي تتبنى رؤية استراتيجية جديدة لاستقرار المنطقة، بأنها مجرد “طيش” أو نوع من شقاوة أطفال، فيه الكثير من عدم الدقة في الوصف.
وإذا كان الحوثي لم يحقق هدفه من الصواريخ التي أطلقها في اتجاه الإمارات، فذلك ليس لأنها كانت طائشة، بل يعود الفضل إلى نجاح القوات المسلحة الإماراتية في التصدي لها، وتقليل حجم الكارثة، التي كان من الممكن أن تحصل وتتسبب بتهديد أمن واستقرار المنطقة بأكملها، وليس الإمارات فقط. فهل كلام ماكنزي مجرد استمرار لحالة التهوين والتقليل من كل ما قام ويقوم به الحوثي منذ الانقلاب على السلطة الشرعية، أم أنه تعبير عن حالة ارتخاء أميركي جديدة في التعامل مع إيران وميليشياتها في المنطقة.
الحقيقة أن المجتمع الدولي ليس بحاجة إلى إثباتات تأكد أن ما يقوم به الحوثي من أعمال هي تصرفات إرهابية كاملة الأركان. وبعيدا عن اختطاف سفينة إماراتية كانت تحمل مساعدات إنسانية، فإن العالم ما زال يتذكر حادثة استيلاء الحوثي على السفارة الأميركية في صنعاء، هذا إلى جانب الممارسات الخارجة على القانون والأعراف الدولية في تجنيد الأطفال. كل هذا يغنينا عن الاجتهاد والتخمين فيما إذا كانت اعتداءات الحوثي “طائشة” أو “إرهابية”.
النقطة المهمة التي يجب التأكيد عليها هنا، أن مواقف وتقييم الإدارة الأميركية لسلوك دولي معين يحظى بالثقة والاحترام من قبل المجتمع الدولي، فهي ما زالت الدولة العظمى رغم حالة التراجع التي لحقت بها. وبالتالي، فإن أي تصنيفات صادرة عن مسؤول في الإدارة الأميركية تجعلنا نقيم ونحلل كلامه بمعيار مختلف عن غيره من المسؤولين في أي مكان في العالم. خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا تمس الأمن العالمي، فمثل هذه التصريحات قد يسيء الحوثيون فهمها ويقللون بالتالي من أهمية الموقف الدولي تجاههم. لهذا كانت تصريحات ماكنزي مستغربة.
لا أريد أن أهول من تنظيم إرهابي بحجم الحوثي الذي بات يحتضر، ولكن علينا في الوقت نفسه ألا نقلل من شأن هذه التنظيمات التي هي أذرع سياسية وعسكرية تهدد استقرار المنطقة.
نقلاً عن العرب