حمادي معمري صحفي تونسي
أفل “نجم” الأحزاب السياسية في تونس منذ إجراءات 25 من يوليو (تموز) 2021، والتي ترجمت حالة السخط الشعبي إزاء أداء المنظومة السياسية التي كانت تقودها حركة “النهضة” والأحزاب المتحالفة معها، ما دفع الرئيس قيس سعيد إلى إعلان الإجراءات الاستثنائية طبقاً للفصل 80 من الدستور التي وضعت حداً لنشاط البرلمان، وأحدثت شبه قطيعة مع الأحزاب السياسية.
وبينما لم تتضح رؤية الرئيس التونسي، حول شكل التنظم السياسي إلى الآن، وقبل بضعة أشهر من موعد الاستفتاء المقرر في 25 يوليو 2022، والانتخابات التشريعية في ديسمبر (كانون الأول) 2021، تترقب مختلف الأحزاب في تونس مصيرها وشكل انخراطها في الفعل السياسي في المرحلة المقبلة، وفق ما تتطلبه الديمقراطية التمثيلية من مشاركة للأحزاب السياسية والمستقلين.
فهل يمكن الحديث عن ممارسة ديمقراطية في تونس من دون أحزاب سياسية، وكيف ستتشكل الخريطة الحزبية في البلاد بالمستقبل القريب؟
لا ديمقراطية من دون أحزاب
يتجاوز عدد الأحزاب السياسية في تونس اليوم 200 حزب، وهو رقم يؤشر على مدى تشتت الكيانات السياسية وعدم توفق القيادات في تجميع مختلف المشارب السياسية في كيانات كبرى.
يؤكد المفكر والأكاديمي، صلاح الدين الجورشي، في تصريح خاص، أن “الرئيس قيس سعيد يرفض فكرة الأحزاب السياسية، ويعتبرها ظاهرة متجهة نحو الانقراض، ويمكن تعويضها بشكل آخر بالتمثيلية والديمقراطية”، ويستبعد الجورشي إزالة الأحزاب السياسية من المشهد في تونس قائلاً: “ستبقى الأحزاب أرقاماً متفاوتة الأحجام وتعارض ما يتوجه إليه رئيس الجمهورية”.
ويضيف الجورشي: “لا أتصور الديمقراطية التونسية رغم هشاشتها من دون أحزاب سياسية رغم عيوبها”، مرجحاً أن “تحافظ الخريطة السياسية في تونس على تضاريسها الحالية، بوجود حركة النهضة والجهات القريبة منها، والتيار الوسطي الاجتماعي، علاوة على اليسار بمختلف تفرعاته”.
ويعتبر الجورشي أن تدابير 25 يوليو “مثلت رجة للأحزاب السياسية” داعياً إياها إلى القيام بالمراجعات الضرورية من أجل ديمومتها وإلا فإنها ستدمر نفسها مرجحاً “ولادة أحزاب جديدة تكون أكثر نضجاً”.
أحزاب مكابِرة
ومن جهتها، تقول الكاتبة الصحافية، آسيا العتروس، لـ”اندبندنت عربية” إن “العدد الكبير للأحزاب السياسية في تونس، أفقدها مصداقيتها وأربك المواطن، الذي أصبح ينظر إلى هذه الكيانات السياسية كوسائل لتقاسم الغنائم السياسية، ولتحقيق مصالح ضيقة على حساب المشاغل الكبرى لعموم التونسيين”.
وتضيف العتروس “بعد 25 يوليو 2021، تشكل مشهد سياسي جديد بأحزاب رافضة تماماً لمسار رئيس الجمهورية، وأخرى اتخذت مسافة نقدية من قيس سعيد، وأحزاب مساندة وداعمة لما تسميه المسار التصحيحي”.
ولفتت إلى أن “حركة النهضة التي تصدرت المشهد لعشرية كاملة، ما فتئت تخسر قواعدها من محطة انتخابية إلى أخرى، إضافة إلى فشلها في الممارسة السياسية”، داعية إياها إلى “القيام بمراجعات ونقد ذاتي من أجل إعادة التموقع وتغيير خطابها السياسي”.
واتهمت العتروس، الأحزاب السياسية في تونس بـ”النزعة الفردانية، والمكابرة، وتبني منطق الغنيمة، وادعاء كل طرف أنه يملك حقيقة المشهد السياسي، وفي المقابل يستفيد قيس سعيد، من هذا الوضع، من خلال الضغط على القضاء في اتجاه كشف حقيقة عدد من الملفات العالقة كالتسفير، والاغتيالات السياسية، والجهاز السري لحركة النهضة”.
وتتساءل العتروس عن الانتخابات المقبلة من سينظمها ووفق أي قانون انتخابي، ومن سيصيغ هذا القانون؟ محذرة من التداعيات الوخيمة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
وفي غياب أحزاب فاعلة وقوية وقادرة على القيادة، تراهن العتروس على الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي “أنهى للتو مؤتمره الانتخابي وانتخب مكتباً تنفيذياً جديداً، والذي سيضغط مستقبلاً في اتجاه توضيح الرؤية حول المستقبل السياسي لتونس”.
وخلُصت إلى أن “الحزب الوحيد الذي يتحرك في الظرف الراهن وثابت على مواقفه وله رؤية واضحة لإدارة الدولة هو الحزب الدستوري الحر، بقيادة عبير موسي”، لافتة إلى “إمكانية انصهار بعض الأحزاب في ما بينها لتكوين كيانات سياسية مختلفة وسطية واجتماعية وليبرالية وأخرى إسلامية”.
التنظيم الذاتي بدل الأحزاب
في المقابل، يؤكد المحلل السياسي، خليل الرقيق، أن رئيس الجمهورية له “رؤية جديدة في التنظيم السياسي في تونس تقوم على مركزية المجتمع المدني، أو ما يسمى التنظيم الذاتي للحشود في صناعة القرار السياسي”.
ويشدد الرقيق على أن “الجدل في تونس اليوم، حول كيفية خوض الانتخابات المقبلة، هل ستكون بالشكل الطبيعي أي بحضور الأحزاب السياسية أم بالشكل الذي يريده رئيس الجمهورية؟”، مشيراً إلى أن المسألة ستُحسم في لجنة الإصلاحات الكبرى التي ستنعقد بعد الاستشارة الإلكترونية، في باب الاستفتاء والانتخابات ونظام الاقتراع.
ويعتبر الرقيق أن “برنامج رئيس الجمهورية سيواجه صعوبات لتمسك كل طرف بمواقفه، وغياب آفاق الحوار”.
ويرى الصحافي والمحلل السياسي، أن الحديث عن حياة سياسية من دون أحزاب غير ممكن لأن الحياة السياسية في تونس بُنيت طيلة قرن كامل تقريباً، على مركزية الحزب في مسك السلطة، معتبراً أن إجراءات 25 يوليو أدخلت تحولات عميقة جداً في تونس.
وبخصوص تغير الخريطة الحزبية يؤكد الرقيق أن “استطلاعات الرأي تقدم ثلاث قوى سياسية واضحة وهي: فريق يمثل رئيس الجمهورية، بما يمثله حزبه “الافتراضي” في الاستبيانات من قوة على الميدان، يستطيع أن يخوض الانتخابات بأريحية تامة، ثم الحزب الدستوري الحر المهيكل والذي لم يخرج من السباق حتى بعد 25 يوليو، علاوة على وجود حركة “النهضة”، كقوة فقدت جزءاً من قاعدتها الشعبية، إلا أنها باقية في المشهد، وسط تلاشي قوى اليسار، وتشظي القوى الليبرالية”.
المصدر : أندبندنت عربية