كتب / أمين صالح محمد
إن الحرب الدائر رحاها منذ عام 2015م إلى اليوم وقد ولجنا في عام 2019م قد مثلت كارثة إنسانية بكل المقاييس لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية ،كما أن لأسبابها جذور تمتد إلى حرب عام 1994م ضد الجنوب التي شنها الشمال كوسيلة من وسائل السيطرة والتخلص من التزامات مشروع الوحدة مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت ملزمة التنفيذ إذ استمرت شراكة الوحدة ، مما استدعى شن الحرب علية لإخراجه من الشراكة بالقوة ، كي يتسنى للطرف الشمالي النكث بمعاهدة الوحدة والسيطرة على الجنوب منفردا بالحكم لوحده .
مما فرض على الجنوبيين كرد على تلك الحرب العدوانية مقاومة مستمرة وبأشكال مختلفة إلى أن تبلورت بصورة انتفاضة شعبية عارمة عمّة الجنوب قاطبة عرفة باسم الحراك الجنوبي ، حتى أَنهكت السلطة في صنعاء وعجزة عن الوفاء بالتزاماتها واضطرت لرعاية الإرهاب محاولة صرف أنضار العالم عما يجري في الجنوب والهاء الشعب وتخويفه بخطر داهم وتقديم نفسها كحامي لما استمرت تسميها وحدة أمام الشعب في الشمال، ولكن استمرار العجز وتفاقم المعاناة فجر الغضب الشعبي ضد السلطة عام 2011م ، مما استدعى تدخل الأشقاء في السعودية على خط الأزمة بهدف المساعدة حتى تمنع نشوب الحرب، نتج عن ذلك الجهد المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وما دعمتها من قرارات دولية من مجلس الأمن.
إن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بالرغم مما قدمت من تصور لحل الأزمة إلا أنها أخفقة في تقديم نص موضوعي لحل أزمة فشل مشروع الوحدة الأمر الذي جعل الجنوب خارج إطار الحل الموضوعي طبقا لنوعية الأزمة، مما أستدعى إلى مقاطعة الحراك الجنوبي لمؤتمر الحوار الوطني، وهو ما جعل بقية القوى تنزعج من تلك المقاطعة بالرغم من تنصيب طرف يمثل الحراك الجنوبي في المؤتمر، مما عقد المشهد الحواري في المؤتمر الذي تأخر لمدة أربعة أشهر على موعد انتهائه، ولم يخرج بالتوافق المقبول،بحيث أصبحت مخرجاته سببا في التعجيل بالحرب.
ومرة أخرى وجد الأشقاء في السعودية أنفسهم محشورين بهذه الحرب ، ومن أجلها تم تشكيل التحالف الذي بداء كبير ثم تآكل ولم يبقى فيه غير السعودية ودولة الإمارات العربية والسودان. وحتى هذا التحالف لم يعد سليما فالعلاقة بين الحكومة المتواجدة في الرياض أصبحت متوترة بدولة الإمارات ، وصلت حد اتهام القوات الإماراتية المتواجدة في عدن وحضرموت بارتكاب انتهاكات حقوقية وتم الدفع بمنظمات حقوقية لمتابعة الانتهاكات وتقديم التقارير الحقوقية حولها.نتج عن ذلك إدانة التحالف والحكومة بمسؤوليتهم عن تلك الانتهاكات من قبل منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
ليس هذا فحسب بل أدت إلى تقديم تقارير دولية حول الكارثة الإنسانية التي سببتها هذه الحرب , وبسببها تتعرض الشقيقة السعودية إلى حملة دولية من الضغوط تطالب بإيقاف الحرب والدخول في التسوية السياسية.
إن مفاوضات السويد في أوائل شهر ديسمبر 2018م بين طرفي الحرب على السلطة وما نتج عنها من اتفاق كانت إحدى النتائج وكانت قاسية على الطرفين ولكنها كانت مفيدة جدا للحوثيين الذين خرجوا فيها من تحت ساطور القرار ألأممي رقم(2216)والدخول في وضع جديد كند أمام السلطة المعترف بها دوليا، كما أنها تعتبر الأساس الأول للسير نحو الحل النهائي لوقف الحرب.
السؤال الذي يطرح من جديد هل سيؤدي توقف الحرب في اليمن إلى الاستقرار الدائم وعدم نشوب حرب جديدة؟
في اعتقادي إن الفرصة الذهبية للخروج من الحروب والصراعات وعدم تكرارها أصبحت متاحة من حيث المبدى،ويجب استثمارها، فمن كانوا يرفعون شعار الوحدة أو الموت لم يعد لهم وجود لا في مسرح السياسة ولا في مسرح الحياة , وقد التهم هذا الشعار كل ما كان لديهم قوة وصولجان حتى صاروا خائرين القوى أكلتهم السباع بعد أن أعجزتهم الظروف للدفاع عن أنفسهم من بعد أن دمروا كل ما هو جميل في حياة الناس وهو الحب والتسامح ،كما أن الجميع قد سئموا الحروب التي قضت على كل شي في حياتهم والتهمته بما فيها لقمة العيش الكريمة .
هذه الحروب اللئيمة والعبثية وبما سببته من ماسي للشعب, فلا اعتدق أن هذا الشعب المشرد أهله في المخيمات والأصقاع وتنهشه المجاعة سيظل متخشباً يلوك الشعارات المدمرة.
إن مفاوضات هي الحل النهائي لإنهاء الحرب في اليمن التي ترعاها الأمم المتحدة , والتي بدأت أولى جولاتها في السويد هي الفرصة المتاحة لخروج اليمن من مأساته الحالية و خطر الولوج في مأساة جديدة ،واليمنيون وحدهم من يجب استيعاب ذلك واستثمار الفرصة السانحة لصياغة الحل الذي يحفظ الحق التاريخي لكل طرف من الأطراف التي فشلت في الاندماج الوطني في إطار الدولة الواحدة التي تشكلت على أساس الوحدة السياسية بين الدولتين كسبب لاستمرار الصراع والحروب كجذر للحل، أما إذا استمر وجود الجذر فهو كفيل بنمو الفروع عليه والتي لا يمكن القضاء عليها إلا باستئصال الجذر ذاته، وهذا يتطلب قناعة أن تتحول المفاوضات بعد توقيف الحرب إلى مفاوضات بين الشمال والجنوب،لأن منطلقات الحلول ستكوّن انعكاسا لطبيعة التفاوض وأطرافه وموضوعاته.
وبهذا الصدد أريد التأكيد على أن حصر التفاوض على موضوع إيقاف الحرب وترتيبات السلطة ما بعد الحرب ولاتفاق على شكل النظام السياسي وطبيعته فقط , فلن يكون حلا مانعا لاندلاع الصراع من جديد، لان جوهر الأزمة ليس في الصراع على السلطة ولكنه حول الحق الوطني في السيادة , سببه فشل الوحدة ونتائج حرب صيف 1994م، ولو كان الصراع على السلطة والثروة فقط لكانت وثيقة العهد والاتفاق قد أوجدت الحل عام 1993م ومنعت اندلاع الحرب في1994م، أو كان مؤتمر الحوار قد حل المشكلة ومنع اندلاع الحرب عام 2015م والتي ما زالت مستعرة، والحل الجديد أذا كان نسخة مكررة لما قد كان من قبل فلن يكون قادرا على تقديم شي جديد أكثر مما قدمه مؤتمر الحوار ووثيقة العهد والاتفاق من قبل وسيكون مصيرها الفشل الذي يعبر عن فشل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره.
وإذا لم تتحول إلى مفاوضات لحل أزمة فشل الوحدة بين الشمال والجنوب المزمنة فسوف تتحول إلى مجرد فسحة لاسترداد الأنفاس وإعادة الكرة من جديد , في حرب ستكون بين أطراف منهكة , ونفوس مشحونة بالتوتر وروح الانتقام حرب تغيب فيها كل القيم الإنسانية التي ستجعلها من أسوى الحروب على الإطلاق ولن تنتهي بزمن محدد مما يجعلها تشبه صراع الديوك.
إن الحكمة تتطلب من الجميع النظر في كل هذه التداعيات بنظرة ثاقبة وبروح المسؤولية والضمير الحي والعمل على تجنب الوقوع في المحذور . ولا بد من النظر إلى أن الجنوبيين لم يعد لديهم شي يقلقون عليه غير الأمل في المستقبل , فإن فقدوه فلن يكونوا احرص ممن لهم مصالح يجب التفكير بالمحافظة عليها