تسعى أميركا وبريطانيا إلى تقييد وصول موسكو إلى رأس المال الأجنبي
كفاية أولير
تستعد البنوك العالمية للتأثيرات المتتالية للعقوبات المالية والاقتصادية القاسية الجديدة ضد روسيا، والتي تهدف إلى إعاقة اقتصادها وتقييد وصولها إلى رأس المال الأجنبي. الإعلان عن العقوبات الغربية على روسيا، جاء بعد أسابيع من التحضير من قبل مسؤولي الإدارة الأميركية، الذين وضعوا مجموعة من العقوبات الاقتصادية، والتي شملت تجميد أصول الأفراد والشركات الروسية، وحظر تداول السندات السيادية الروسية، ومنع الأمة من استخدام الدولار الأميركي في المدفوعات. كما فرض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عقوبات على بنوك روسية عدة وثلاثة من أصحاب المليارات الروس. وقال المستشار الألماني أولاف شولتز، إنه سيوقف التصديق على خط أنابيب الغاز الطبيعي “نورد ستريم 2” الذي سيزيد واردات الطاقة من روسيا.
ويهدف الرد الغربي الجماعي إلى معاقبة موسكو لتصعيد اعتداءاتها على كييف. في حين أصدرت روسيا، الإثنين، مرسوماً بإرسال قوات إلى منطقتين في أوكرانيا، في خطوة فسرت على نطاق واسع في الغرب على أنها خطوة أولى نحو غزو كامل.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعلن، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على بنك التنمية الرئيس في روسيا “في أيه بي”، وبنكها العسكري “برومسفياز بانك”، وستفرض قيوداً شاملة على الديون السيادية لروسيا، ما يقطع البلاد فعلياً عن التمويل الغربي. وقال، إن بلاده تستعد أيضاً لفرض عقوبات على النخبة الروسية وأفراد أسرهم.
ويرى المحللون الماليون أن العقوبات الغربية ستفصل البنوك المدعومة من الدولة عن النظام المالي للولايات المتحدة، وتجعل من الصعب على روسيا جمع الأموال في الأسواق الخارجية لمشاريع البنية التحتية المحلية الكبيرة، ما سيعيق النمو.
طبيعة التجارة المتشابكة
فعلى مدى العقد الماضي، استخدمت الولايات المتحدة العقوبات بشكل متزايد لمعالجة الخلافات الدبلوماسية، بما في ذلك في كوريا الشمالية وإيران. لقد كانت قادرة على القيام بذلك لأن الدولار هو العملة الاحتياطية في العالم والأكثر استخداماً للمدفوعات. ومع ذلك، فإن تداعيات العقوبات بعيدة كل البعد عن الوضوح أو الدقة. ففي الحالة الروسية، من المحتمل أن يتعرض جزء كبير من النظام المالي العالمي لضربة بسبب الطبيعة المتشابكة للتجارة العالمية – حتى لو كان التأثير ضئيلاً.
عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا في عام 2014، بعد قيام الرئيس فلاديمير بوتين بضم شبه جزيرة القرم، تراجعت البنوك الأميركية والغربية عن التعاملات المباشرة في البلاد. ومع ذلك، قد يكون لعقوبات إدارة بايدن عواقب بعيدة المدى وغير مباشرة لأن روسيا مصدر رئيس للمواد الأساسية مثل الغاز الطبيعي والقمح، وتجري أعمالاً مع شركات ودول في جميع أنحاء العالم.
في حين قد تؤدي العقوبات الاقتصادية الشديدة إلى تعطيل تدفقات التجارة العالمية، إذا اضطرت البنوك إلى التوقف عن معالجة مدفوعات السلع والخدمات الواردة إلى روسيا وخارجها، وفقاً لمعهد التمويل الدولي، وهو اتحاد تجاري يمثل البنوك العالمية.
وقالت إلينا ريباكوفا، نائبة كبير الاقتصاديين في المعهد، في مقابلة مع “نيويورك تايمز”: “القضية هنا ليست فقط التأثير المباشر على الأسواق المالية، ولكن حقيقة أنه يكاد يكون من المستحيل على المدى القريب فصل” روسيا عن التجارة العالمية. ووفقاً لخبير مصرفي في العقوبات تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، فإذا أرادت شركة أميركية دفع ثمن الأسمدة الروسية باستخدام أموال من حسابها المصرفي الأميركي، وكان البائع لديه حساب في بنك روسي يخضع لعقوبات، فلن يتمكن البنك الأميركي من معالجة هذه الدفعة.
ويمكن للعقوبات الغربية أيضاً أن تنشر عدم الاستقرار الاقتصادي في جميع أنحاء العالم من خلال رفع أسعار السلع الأساسية التي تنتجها روسيا- بما في ذلك النفط والغاز والأسمدة والبلاديوم– وأن تحفز التضخم في البلدان التي تستورد هذه المنتجات، ما يوجه ضربة جديدة في الوقت الذي يخرج فيه العالم من الوباء.
في الوقت ذاته يمكن حماية الاقتصاد الروسي نسبياً من التأثير الكامل للعقوبات. إذ لاحظ الاقتصاديون في “كابيتال إيكونوميكس” أن ديونها الخارجية وعلاقاتها بالاقتصادات المتقدمة الأخرى تضاءلت منذ أزمة القرم عام 2014. وتوقعوا أن تحسم إجراءات العقوبات الأكثر احتمالاً حوالى 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا.
القطاع المصرفي الروسي
مصرفياً لطالما سيطر المقرضون المحليون على اقتصاد روسيا، وقد نما هؤلاء بشكل بارز بعد عقوبات 2014. في حين تمثل البنوك الأوروبية، بما في ذلك “رايفيزين بنك” و”يوني كريديت بنك”، الجزء الأكبر من نسبة 6.3 في المئة من الأصول التي يحتفظ بها المقرضون الأجانب في القطاع المصرفي الروسي، بينما تمتلك البنوك الأميركية أقل من 1 في المئة، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.
ويحد هذا من احتمالية انتشار أزمة مصرفية شاملة على مستوى العالم، ولكن من المرجح أن يعيق نمو روسيا.
وقال كلاي لوري، نائب الرئيس التنفيذي للمعهد المالي، في بيان بعد إعلان بايدن: “تتمتع روسيا اليوم باقتصاد أكثر عزلة، وهي معزولة عما كانت عليه قبل عقد من الزمان”. وأضاف: “هذا يجعلها أقل عرضة لأنواع معينة من العقوبات، لكن عزلتها الاقتصادية المتزايدة تضر بآفاق النمو في البلاد على المدى الطويل”.
عزل روسيا عن “سويفت”
وكانت إدارة بايدن قد أشارت إلى أنها لا تنوي قطع روسيا عن “سويفت”، وهي خدمة تربط أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية أثناء تحويلها للأموال حول العالم. ورأى المسؤولون أن عزل روسيا عن “سويفت” من شأنه أن يتسبب في أضرار جسيمة للنظام المالي العالمي، وقد يؤدي أيضاً إلى تحفيز نمو الخدمات المنافسة.
وفي الأسابيع الأخيرة، أجرى مسؤولو إدارة بايدن اتصالات منتظمة مع البنوك بشأن إمكانية فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وفقاً لمسؤول تنفيذي مصرفي اطلع على المناقشات التي تحدثت شرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموقف. وتهدف هذه المحادثات إلى إعداد المقرضين وتقليل الاضطراب المحتمل للأسواق المالية إذا تم فرض عقوبات أوسع. كما غطوا كيفية عمل العقوبات والتأثير المحتمل على تدفقات المدفوعات، وفقاً لشخص آخر مطلع على المحادثات.
وقال دانيال تانيباوم، الشريك في “أوليفر وايمان” الذي يقدم المشورة للبنوك بشأن العقوبات: “إن أعين كل مؤسسة مالية عالمية كبرى على إمكانية توسيع العقوبات الغربية لتطال المعاملات المصرفية الروسية”.
وأضاف أنه في حين أن الشركات المالية لديها تعرض أقل لروسيا مما كان عليه في عام 2014، فمن المتوقع أن تفرض العقوبات الجديدة قيوداً أكثر أهمية على المعاملات. وكانت العقوبات المتعلقة بشبه جزيرة القرم قد فرضت قيوداً على التمويل الجديد للشركات في قطاعات روسية معينة، لكنها لم تمنع جميع المعاملات تماماً.
المستثمرون ووحش ذو رأسين
في حين قام المستثمرون الذين رصدوا لأسابيع التصعيد الروسي في أوكرانيا، ببيع الأسهم، الثلاثاء، ما قاد لانخفاض مؤشر “أس أند بي 500” بأكثر من 1 في المئة، وانخفض مؤشر “كي بي دبليو ناسداك بنك” بنسبة 0.1 في المئة، ليتراجع بأكثر من 3 في المئة في الأيام الخمسة الماضية.
وقال باريش أوباديايا، مدير محفظة السندات العالمية ومدير الأصول في “أموندي” الأميركية: “لقد حلت الجغرافيا السياسية محل كوفيد-19 باعتبارها أكبر مصدر قلق للسوق”. وأضاف أن “التوترات بين روسيا وأوكرانيا لديها القدرة على إضعاف معنويات المستثمرين لأسابيع. فالأسواق تستيقظ على الواقع الفظ والوحش برأسين، وهما التضخم والجغرافيا السياسية”.
النظام المالي ومخاطر الهجمات الإلكترونية
هناك أيضاً تهديد آخر يواجه النظام المالي العالمي، وهو خطر الهجمات الإلكترونية الانتقامية من قبل روسيا – وهو أمر تنتبه له البنوك الموجودة في الولايات المتحدة. إذ قال مركز تبادل وتحليل معلومات الخدمات المالية، وهو مجموعة تشارك المعلومات الاستخباراتية عبر الصناعة المالية، إنه يراقب مثل هذه التهديدات ويبحث عنها.
ويوم الأربعاء الماضي، اجتمعت وزارة الخزانة الأميركية مع رؤساء البنوك، بما في ذلك بريان موينيهان من “بنك أوف أميركا”، وتشارلز دبليو شارف من “ويلز فارغو”، في لقاء كان مقرراً مسبقاً لمناقشة الدفاعات ضد الانتهاكات. وفي اليوم التالي، التقى مسؤولون حكوميون من البيت الأبيض والعديد من الوكالات مسؤولين تنفيذيين من كبار المقرضين الأميركيين لمناقشة ردهم على تهديدات القرصنة الروسية المحتملة، بحسبما ذكرت شبكة “سي أن أن” الأميركية.
ويوم الثلاثاء، قال بايدن إن البيت الأبيض يريد التأكد من أن الأميركيين لا يتحملون عبء ارتفاع أسعار الغاز، لأن أسواق الطاقة تعصف بها التطورات. لكنه قال إن الولايات المتحدة مستعدة لفرض عقوبات أشد على روسيا.
وتابع “مهما فعلت روسيا بعد ذلك، فنحن مستعدون للرد بصوت واحد وواضح وبقناعة تامة”.
برنامج العقوبات الأميركية أصبح أكثر تعقيداً
من جانبه، أشار آدم أم. سميث، المسؤول السابق في وزارة الخزانة، والآن شريك في شركة المحاماة جيبسون، “دن أند كروشر”، إلى أن برنامج العقوبات أصبح أكثر تعقيداً على مدار العقد الماضي، ما أعطى الولايات المتحدة مزيداً من الحرية لاستهداف روسيا من دون كثير من الخوف من الأضرار الجانبية، في ظل تحسن التنسيق الدولي كذلك”. وأضاف: “لقد تحسنت أميركا في التعامل مع الاقتصادات الرئيسة، وتقوم بعمل أفضل بكثير في إشراك الجميع”.
نقلاً عن أندبندنت عربية