كريتر نت – متابعات
في الوقت الذي يتحدث فيه مسؤولون عسكريون وسياسيون وخبراء عن أهمية تطوير الطائرات المسيّرة للاستخدامات المدنية والعسكرية، يعتبرها آخرون سيفا ذا حدين، ويقرون بصعوبة ردع أخطارها.
أبوظبي – في اليوم الأول من معرض ومؤتمر الأنظمة غير المأهولة، الذي اختتم أعماله في أبوظبي في الثالث والعشرين من فبراير، اطلع الحاضرون على أسراب من الطائرات المسيرة وأحدث استخداماتها في الأنظمة الجوية على مستوى العالم.
ما من شك في أن العرض كان مبهرا، فقد صممت تلك “الخفافيش” التي تقوم بمهامها بمهارة ودقة فائقة وتطير وفق تشكيلات متناسقة تربك الخصم على تحقيق الحسم في القتال.
واستطاع المسؤولون عن تطويرها كسب اهتمام الحضور، الذي لم يخف إعجابه ودهشته بتعليقاتهم التي رافقت العرض.
سباق محموم
وهي إلى جانب ذلك تتميز بوزن إقلاع أقصى يبلغ 8 كلغ، وهي مستوى عال من الذكاء والاستجابة أثناء توجيههاا نحو الهدف، الذي قد يشمل طائرات مقاتلة معادية على مدرج المطار في قاعدة عسكرية، أو قافلة قادمة من مدرعات العدو.بالاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، تشارك الطائرات المعلومات مع بعضها البعض لتتبع مواقعها والحفاظ عليها، وللاشتباك مع الأهداف بشكل فعال ومبهر.
وتم تجهيز الطائرات للعمل بسرعات تدعم نجاح المهمة، مع نطاق اتصال واسع وقدرة تحمل عالية للطيران. كما يمكن إطلاق الطائرة المجنحة دون طيار في غضون ثوان.
ولا يخفى أن هناك سباقا محموما لتطوير الأنظمة المستقلة والذخائر الذكية، لما تتميز به من ميزات هامة هائلة بوأتها لتصبح خلال بضع سنوات أحد أهم وسائط النقل الذكية المستخدمة تجاريا. وفي الوقت الذي أثنى فيه مسؤولون عسكريون وسياسيون وخبراء على ميزات هذه الطائرات وما يمكن لها أن تقدمه من حلول في الاستخدامات المدنية والعسكرية، أقروا أيضا بصعوبة ردع أخطارها واعتبروها سيفا ذا حدين، خاصة بعد استخدام “الخفافيش الصغيرة زهيدة الثمن وسهلة الاقتناء” بشكل متزايد من قبل جماعات مسلحة إرهابية لتهديد المدنيين وتدمير المؤسسات الاقتصادية.
مخاوف لم يكن صعبا استحضارها وتذكرها.
الشهر الماضي تعرّضت الإمارات لثلاث هجمات بطائرات مسيّرة انطلقت من اليمن. ونجحت الدفاعات الإماراتية في إسقاط غالبيتها، بعدما أدى الهجوم الأول لوقوع ثلاثة قتلى.
كما أعلنت جماعة “ألوية الوعد الحق” غير المعروفة على نطاق واسع، مسؤوليتها عن محاولة استهداف الإمارات بطائرات من دون طيار في بداية فبراير.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن أنّ دفاعاته الجوية أطلقت النار على طائرة مسيّرة قادمة من لبنان دخلت مجال إسرائيل الجوي، في ثاني حادث من نوعه خلال يومين.
هذه الهجمات ألقت الضوء على المخاطر التي تفرضها الطائرات المسيرة المفخخة، التي يصعب على الرادارات التقاطها، فيما يتطلّب إسقاطها عملية معقّدة تشمل إطلاق صواريخ مع ضمان عدم التسبّب بوقوع ضحايا جرّاء تساقط الشظايا.
وكانت آمي زرغات الباحثة في معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية قد تنبأت قبل ثلاث سنوات بأن هذه الطائرات الصغيرة ذات التكلفة الرخيصة والتهديدات الموثوق بها ستمثل مستقبل الحروب، مشيرة إلى أن البعض يخطئ حين يعتبر أن إمكانيات الطائرات دون طيار ضعيفة مع كلفتها الرخيصة، ولا تستطيع الطيران في المجالات الجوية المتنازع عليها. كما يرون أن قدراتها محدودة مقارنة بالمقاتلات الأغلى. وأن التطورات التكنولوجية ستسمح لهذه الطائرات بالعمل في البيئات المعادية. وهذا ما نشاهده يحدث اليوم.
علاوة على ذلك، تقدم الطائرات دون طيار 3 مزايا فريدة لم يتوقعها الخبراء: الاستدامة خلال النزاعات الطويلة، وشن الهجمات الدقيقة التي يمكن أن تؤثر على نفسية الخصوم الذين تستهدف منشآتهم، وتخفيف تكاليف الحرب.
وتشير زرغات إلى أن استطلاعا شمل 259 ضابطا عسكريا أجنبيا أظهر أن المقاتلات الأغلى تبقى أقل دقة مما يتوقع منها، في حين أثبتت الطائرات دون طيار قدراتها الأوسع.
وأكد ما ذهبت إليه زرغات مارتن تشولوف مراسل صحيفة الغارديان في الشرق الأوسط بقوله إن الطائرات الصغيرة الرخيصة، التي لا تحتاج إلى طيار لقيادتها والتي يصعب على الرادارات اكتشافها، تغير طبيعة النزاعات عبر المنطقة.
للطائرات دون طيار 3 مزايا لم يتوقعها الخبراء
الاستدامة خلال النزاعات الطويلة
شن الهجمات الدقيقة
تخفيف تكاليف الحرب
حصول الجماعات الإرهابية على هذه الطائرات أمر في غاية السهولة كما وصفه مدير المكتب المشترك لأنظمة مكافحة الطائرات الصغيرة دون طيار في الجيش الأميركي الجنرال شون جايني من أبوظبي، قائلا “يقوم أعداؤنا بذلك (اقتناء الطائرات المسيرة) من دون أي تحديات… يشترونها جاهزة من على الرفوف، ويعيدون تصميمها… ثم يستخدمونها لمصلحتهم”.
ودعا وزير الدولة الإماراتي لشؤون الدفاع محمد بن أحمد البواردي في كلمته الافتتاحية للمؤتمر إلى الاتحاد “لمنع استخدام الطائرات دون طيار في تهديد أمن المدنيين وتدمير المؤسسات الاقتصادية”.
وهذا ما أكد عليه أيضا وزير الدولة الإماراتي للذكاء الاصطناعي عمر سلطان العلماء، قائلا “اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نتفهم أهمية حماية أمتنا من خلال ضمان أن هذه التقنيات هي أدوات يمكننا استخدامها، لكن لا يمكن أن تُستخدم ضدنا”.
هذه الأنظمة أصبحت أرخص بكثير، ويمكن الوصول إليها أكثر من أي وقت مضى، وإمكانية الوصول هذه، وفق سلطان العلماء “تسمح للأنظمة بالوقوع في أيدي الأشخاص الذين لا نريد أن تقع في أيديهم، وهم الجماعات الإرهابية… هذا التحدي يتطلب منا التكاتف والعمل معا لضمان أنه يمكننا بناء درع يحمي من خطر استخدام هذه الأنظمة”.
ولكن، كيف يمكن التصدي لهجمات الطائرات دون طيار؟
واستخدمت الإمارات بطاريات باتريوت للتصدي لهجمات الطائرات المسيرة، وكذلك نظام “ثاد” الأميركي، وهي المرة الأولى التي يجرى فيها استخدام النظام في عملية قتالية، بحسب الجيش الأميركي.
ويكمن أحد حلول التصدي لهجمات الطائرات المسيرة، حسب الجنرال جايني، في دمج الذكاء الاصطناعي في الدفاعات الجوية لتحديد الأهداف وتتبعها تلقائيا، قائلا “يمكن اكتشاف هدف من خلال شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي، وتتبع هذا الهدف، وإسقاطه”، ومؤكدا أن “الذكاء الاصطناعي سيصبح عنصرا أساسيا في مكافحة الطائرات المسيرة”.
القصة من بدايتها
سنشعر بالدهشة على الدوام من الطرق التي يمكن أن تستخدم بها الطائرات المسيرة مستقبلا وهي طرق لا حدود لها
الطائرات المسيرة ليست وليدة العقد الأخير، بل يعود تاريخها إلى أكثر من مئة عام، تحديدا عام 1917، حين انطلقت أول التجارب العملية لتطوير طائرة مسيرة في إنجلترا، وأول استخدام لها عمليا كان في حرب فيتنام. وفي حرب أكتوبر 1973 تم استخدامها من قبل إسرائيل ولكنها لم تحقق النتيجة المطلوبة لضعف الإمكانيات التكنولوجية في ذلك الوقت، ونجاح حائط الصواريخ المصري في التصدي لها.
الطائرات المسيرة ليست وليدة العقد الأخير، بل يعود تاريخها إلى أكثر من مئة عام، تحديدا عام 1917، حين انطلقت أول التجارب العملية لتطوير طائرة مسيرة في إنجلترا، وأول استخدام لها عمليا كان في حرب فيتنام. وفي حرب أكتوبر 1973 تم استخدامها من قبل إسرائيل ولكنها لم تحقق النتيجة المطلوبة لضعف الإمكانيات التكنولوجية في ذلك الوقت، ونجاح حائط الصواريخ المصري في التصدي لها.
وأول مشاركة فعالة للطائرات المسيرة كان في معركة سهل البقاع بين سوريا وإسرائيل، ونتج عنها إسقاط 82 طائرة سورية مقابل صفر طائرة إسرائيلية.
ما الجديد إذا؟ دخول الذكاء الاصطناعي، وأجهزة الموبايل والتكنولوجيا الرقمية وتكنولوجيا تحديد المواقع (جي.بي.إس). وبفعل هذه التكنولوجيات تحولت الطائرات المسيرة من مشروع تقف خلفه دول، إلى لعبة يمكن اقتناؤها بسهولة ويسر، وأداة مفضلة للمجرمين.
فجأة، اتجه المجرمون إلى استخدام الطائرات المسيرة في تنفيذ العديد من الجرائم، بداية من انتهاك الخصوصية، إلى تهريب المواد المخدرة وتهريب المساجين من فوق أسوار السجون.
بفعل التكنولوجيا تحولت الطائرات المسيرة من مشروع تقف خلفه دول إلى لعبة يمكن اقتناؤها وأداة مفضلة للمجرمين
وشهدنا المزيد من الطائرات المسيرة تحوم فوق مبان حكومية حساسة، مثل البيت الأبيض في الولايات المتحدة، ومكتب رئيس الوزراء في اليابان.
ويتزايد التهديد الذي تمثله تلك الطائرات باستمرار، سواء كانت تُستخدم لتهريب مواد محظورة، أو للتجسس على الناس، أو إعاقة عمل أجهزة الطوارئ، أو التعرض لطائرات الركاب. هذا كله فرض على الحكومات العمل، وبشكل سريع، من أجل التوصل إلى تشريعات لمواكبة الفرص المتزايدة لاستغلال المجرمين لتلك الطائرات.
وباتت النواحي القانونية المتعلقة بالطائرات المسيرة تكتسب أهمية متزايدة بسبب زيادة أعداد تلك الطائرات في الجو، حيث يستخدم بعضها الآن من قبل منظمات إرهابية، كما أن تحويلها لتصبح سلاحا للقتل يجعل تلك الجوانب القانونية المتعلقة باستخدامها أمرا مهما للغاية.
ويقول ديفيد كوفار وهو محقق في الجرائم الرقمية ومستشار في مجال أمن الإنترنت في مدينة بوسطن بالولايات المتحدة “إن السر لا يكمن في تلك الطائرة نفسها، الأمر يتعلق بأكثر من ذلك، هي مجرد جزء من نظام بيئي رقمي معقد”.
ويشمل ذلك “النظام البيئي الرقمي” أجهزة عديدة مثل الهواتف المحمولة، وأجهزة التحكم عن بعد (ريموت كنترول)، وأجهزة استشعار خاصة بجمع البيانات، مثل نظام “جي.بي.إس” العالمي لتحديد المواقع، وأجهزة قياس سرعة الحركة والبوصلة، ووسائل التقاط الصور ومقاطع الفيديو.
لذا، فهناك الكثير من الوسائل أمام المحققين للمساعدة في جمع الأدلة الجنائية، كما يقول كوفار، الذي أضاف “أهم جزء في هذه الطائرة على الإطلاق، والذي يمثل أكبر مصدر للمعلومات، هو الهاتف المحمول أو جهاز التابلت المتحكم فيها”. لكنّ هناك تحديا آخر، وهو أن شركات إنتاج تلك الطائرات متعددة، وتستخدم تقنيات رقمية متعددة أيضا.
فعلى سبيل المثال، كيف تخزن الطائرة المسيرة بيانات رحلتها؟ وإلى متى تحتفظ بالبيانات المتعلقة بالارتفاع وطول مدة الطيران، ومن أين انطلقت؟ وما هي البيانات المتاحة المخزنة في الطائرة نفسها، والمخزنة في نفس الوقت في أجهزة التحكم فيها عن بعد؟ أضف إلى ذلك أن طائرات الدرون تستخدم أنظمة تشغيل مختلفة، مما يوجب على المحققين ضرورة التعرف على كل نظام تشغيل على حدة.
الأسوأ لم يأت بعد
اللعبة التي غيرت مستقبل الحروب
في بعض الأحيان، يتمكن المحققون من تسجيل الدخول إلى التطبيق الذي تستخدمه الهواتف للتحكم في تلك الطائرات، وبذلك يتمكنون من معرفة بيانات المستخدم، والوصول إليه.
ويقول مايكل ماي مدير شركة “فلاي ثرو” لتشغيل طائرات الدرون التجارية بالمملكة المتحدة “لقد واجهنا بالفعل بعض المواقف التي تمكنا فيها من تحليل بيانات بعض طائرات الدرون التي اكتشفها رجال الشرطة في بعض السجون، أو طائرات عثروا عليها مهشمة”.
ويضيف ماي “على المحققين أن يعرفوا سبب وصول تلك الطائرات إلى ذلك المكان، حتى يتمكنوا من العثور على أي أدلة جنائية من خلال أي معلومات متوفرة، سواء كانت مخزنة في نظام تسجيل بيانات تحرك الطائرة، أو من خلال تحليل البصمات، وتحليل الحامض النووي (للمجرمين) على أجزائها المختلفة”. لكن في المقابل، هناك أيضا مشغلو طائرات درون ممن يتمتعون بقدرات عالية على إخفاء أي بيانات يمكن أن تساعد في اكتشافهم.
ويقول غريم هورسمان أستاذ الكمبيوتر بجامعة ساندرلاند إن هناك بعض الخدع التي يستخدمها مشغلو طائرات الدرون لإخفاء البيانات المتعلقة بمواقع طيرانها.
وتوصل إلى أنه يمكن إيقاف تشغيل بعض الخواص في الهاتف المحمول الذي يستخدم كجهاز تحكم عن بعد في تلك الطائرات، وبالتالي لا تسجل الطائرة الأماكن التي طارت فوقها في بيانات ذلك الهاتف.
الهجمات التي استهدفت الإمارات ألقت الضوء على المخاطر التي تفرضها الطائرات المسيرة المفخخة، حيث يصعب على الرادارات التقاطها، كما يتطلّب إسقاطها عملية معقّدة
ويقول هورسمان أيضا إنه من خلال استخدام ورق الألومنيوم المستخدم في تغليف الطعام، وذلك بوضعه فوق الجزء الخاص بنظام تحديد المواقع “جي.بي.إس”، يمكن منع طائرة الدرون من تسجيل بيانات الأماكن التي تحلق فوقها.
ويقول كوفار إن أجهزة تنفيذ القانون تسعى دائما للإمساك بطائرات الدرون التي تشتبه بها، من أجل تحليل بياناتها للتأكد من أنها لم تكن تستخدم في أنشطة إجرامية.
ويتفق كثير من الخبراء على أن أسوأ حوادث استغلال الطائرات المسيرة لم تقع بعد، لذا من الضروري امتلاك الأجهزة المعنية القدرة على تحديد هوية مستخدمي تلك الطائرات.
ويقول ماي “ما يقلق أكثر هو أن بعض هذه الطائرات يمكنها أن تطير بحمولة تصل إلى 15 كيلوغراما، وهو وزن كبير بالفعل. وقد يتحول الإرهابيون من استخدام الشاحنات المفخخة إلى استخدام تلك الطائرات للهجوم من الجو”. ويحذر ماي من أن بعض المجرمين قد يستخدمون طائرات الدرون كسلاح بيولوجي، وذلك لنشر جرثومة الأنثراكس، على سبيل المثال، فوق منطقة معينة.
المخاوف من توظيف التكنولوجيا لخدمة الإجرام والإرهاب موجودة دائما، ولن تتوقف جهود المجرمين عن تطوير أدواتهم واستغلال ما هو متاح منها لتحقيق غاياتهم، هذا ليس عيبا في التكنولوجيا يدفعنا إلى التهاون في تطويرها، بل العمل على تطوير التشريعات والقوانين التي تحد من إساءة استخدامها.
وخلال العامين الماضيين أثبتت الطائرات المسيرة أهميتها في قطاعات عديدة، من مراقبة حالة الطرقات إلى مكافحة التلوث ومكافحة الحرائق وجرى استخدام طائرات تعمل بالذكاء الاصطناعي لتوصيل إمدادات الرعاية الصحية حتى الميل الأخير.
الفوائد أكثر ممن تعد، ويقول هورسمان “أعتقد أننا سنشعر بالدهشة على الدوام من الطرق التي يمكن أن يستخدم الناس بها الطائرات المسيرة في المستقبل، وهي طرق لا حدود لها”.
وحمل مؤتمر الأنظمة غير المأهولة في أبوظبي رسالة واضحة “الطائرات المسيرة قادمة. ليس لدينا خيار في هذا الشأن. لذلك إذا أردنا حماية المجال الجوي، فنحن بحاجة إلى جهود الجميع. لا يمكن أن نحقق ذلك إذا كنّا نعمل كل على حدة”.
المصدر : العرب