مجموعات وشركات تقود مقدرات الولايات المتحدة منذ التأسيس إلى اليوم
إميل أمين كاتب وباحث
في مقدمة كتابه الأخير والمثير “الساحة والبرج: الشبكات والسلطة من الماسونيين الأحرار إلى فيسبوك”، يفتح المؤرخ والأكاديمي البريطاني الجنسية، نيل فيرغسون، مساراً واسعاً للحديث عن فكرة الدولة العميقة حول العالم كافة، ومنذ عصور قديمة، وهي الفكرة التي كثر تناولها في العام الماضي مرة جديدة، لا سيما بعد هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية، والأحاديث التي جرت حول دور تلك الدولة غير الظاهرة للعيان في إقصائه بعيداً.
لا يستخدم فيرغسون تعبير الدولة العميقة، بشكل مباشر، وإنما يرى أن ذلك الكيان يمتد من أوائل القرن السادس عشر حتى تدخل الاستخبارات الروسية عبر الشبكة الإلكترونية في الانتخابات الأميركية عام 2016.
يتنقل فيرغسون بين شبكة التنظيمات السرية في زمن الإمبراطورية الألمانية، وشبكات الإصلاح والتنوير والمحافل الماسونية والاستكشاف وصعود شبكات المال في أوروبا، حتى يصل إلى الشبكات المالية والاقتصادية الراهنة وشبكات تكنولوجيا المعلومات الجديدة، فيراوح بين شبكات الإرهاب والتخابر البشري والإلكتروني، وأخيراً شبكات الهجوم السيبراني في الصين والولايات المتحدة الأميركية، تلك التي باتت على أهبة الاستعداد للتدخل في صنع صورة العالم بطريقة مغايرة تماماً لما ألفناه.
هل ما يتناوله فيرغسون عبر أكثر من ستمائة صفحة من القطع الكبير في كتابه هو مرادف الدولة العميقة، لا في الولايات المتحدة الأميركية فحسب، بل حول العالم؟
ربما يتحتم علينا بداية التوقف مع المفهوم الواسع لهذا التعبير وتبيان تركيبته الفكرية، ومن ثم متابعة أبعاد مشهده.
الدولة العميقة… كيان ظاهر وخفي
تتعدد التعريفات والتفسيرات لتلك الدولة المجازية، وتبقى الحقيقة بسيطة على الرغم من تعقيدات الظاهرة، وهي أنها مصالح تحتية مختئبة بين ثنايا النظام المؤسساتي السياسي، يديرها منتفعون لهم شغل شاغل في بقاء أهدافهم بعيدة عن الأعين، وفي الوقت عينه لديهم من القدرة والمنعة، ما يمكنهم من تسخير الحكومة الظاهرة لخدمة وإدراك ما يتطلعون إليه، عبر التواطؤ والمحسوبية، وغالباً تعطي الدولة الأميركية العميقة، المثل الواضح لكل تلك الجماعات حول العالم.
والشاهد أن هناك أكثر من قراءة لتلك الدولة، واحدة تعود إلى زمن تأسيس الولايات المتحدة، وزمن الآباء المؤسسين، وأخرى معاصرة ترتبط بمجمعات ولوبيات حديثة بزغت في النصف الثاني من القرن العشرين.
يتتناول البروفيسور جيسون ليندسي، في كتابه “إخفاء الدولة” طبيعة هذه الدولة العميقة، وعنده: “أنه حتى من دون وجود جدول أعمال تآمري، فإن مصطلح الدولة العميقة مفيد لفهم جوانب مؤسسة الأمن القومي في البلدان المتقدمة، مع التركيز على الولايات المتحدة”.
على أن ليندسي يفتح الباب واسعاً أمام مصادر تلك الدولة، والتي يعتبر أن مجتمع الأمن القومي، والاستخبارات، وبقية العوالم السرية في الداخل الأميركي، هي مصدر القوة.
ومن بين التعريفات الأكثر إثارة، والتي تفتح الأذهان على ما يجري في الداخل الأميركي من تحركات غير ظاهرة للعيان، ما أشار إليه، إدوارد سنودن، عميل وكالة الأمن القومي الأميركي NSA تلك الوكالة المغرقة في السرية، قبل أن ينقلب عليها ويكشف أوراقها في قصة معروفة خلال العقد الماضي.
يرى سنودن أن الدولة العميقة ليست كامنة فقط في ثنايا وكالات أميركا الاستخبارية، بل “إنها حقاً وسيلة للإشارة إلى بيروقراطية الحكومة المهنية، هؤلاء المسؤولون الذين يجلسون في مناصب قوية، ولا يغادرون عندما يغادر الرؤساء والذين يشاهدون الرؤساء يأتون ويذهبون، وهم يؤثرون على الرؤساء”.
هل كان حظ دونالد ترمب وفيراً من تلك التأثيرات، بل ربما يصح القول الضربات التي حلت على أم رأسه من قبل تلك الدولة؟
يكاد ذلك أن يكون كذلك بالفعل، والعهدة على التقرير الصادر في يوليو (تموز) من عام 2017 عن لجنة الأمن الداخلي والاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، وفيه: “أن إدارة الرئيس ترمب قد تعرضت لضربات أمنية وطنية بشكل يومي تقريباً، وبمعدل أعلى بكثير من سابقتها”.
هل كان المطلوب هو إزاحة ترمب من مقعده الرئاسي، لا سيما في ظل أفكاره التي سعت للتواصل والتقارب مع روسيا، وبذلك قطع الطريق على فكرة الحروب المقبلة؟
المجمع الصناعي العسكري والدولة العميقة
لعل الذين لهم دالّة على قراءة كتب التاريخ وفهم أبعاده، يعقدون مقارنة بين الرئيس المغدور جون كينيدي وترمب، وكلاهما رغب بشكل جدي في وقف التصعيد العسكري، وفتح أبواب السلام والتنمية والتعاون أمام العالم، ولهذا ربما كان لا بد لهما من أن يتواريا عن مشهد الحكم الأميركي مرة وإلى الأبد، وإن بقي حظ ترمب أفضل.
ما نراه اليوم من شحن عسكري أميركي تجاه روسيا، ومحاولة دفعها دفعا ذاتياً في طريق حرب مع أوكرانيا، يقطع بأن هناك من يود لعجلة الصناعات الحربية الأميركية أن تبقى وتدوم، لا سيما بعد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وخسارة ساحة عسكرية تعد ميدان ضرب نار بالنسبة لأصحاب المصانع العسكرية من جهة، ولجنرالات البنتاغون الذين يديرون الحروب من جهة ثانية، عطفاً على الضلع الثالث في القصة، رجالات الكونغرس من الشيوخ والنواب الذين يشرعون الحروب.
هل التحذير من دولة هذا المجمع العميقة أمر حديث العهد والنشأة أم أن هناك من حذر منه من قبل؟
قبيل رحيله عن البيت الأبيض وفي يناير (كانون الثاني) من عام 1961، ألقى الرئيس المنتهية ولايته، الجنرال أيزنهاور، خطاباً وداعياً متلفزاً من مكتبه الرسمي وبطريقة لا تنسى. حذر في الخطاب من أن تتحول “الصناعة العسكرية المعقدة” في بلده إلى قوة عنيفة.
رأى أيزنهاور من بعيد أن “المؤسسة العسكرية الضخمة” باتت تعمل مع “صناعة أسلحة هائلة”، سعياً وراء “نفوذ لا مبرر له” في “كل مدينة وكل مبنى تشريعي وكل مكتب عائد إلى الحكومة، ما قد يؤدي إلى كارثة تنبع من بروز قوة في غير محلها”.
واليوم وبعد نحو ستة عقود من خطاب أيزنهاور تصل ميزانية البنتاغون إلى نحو 770 مليار دولار، وهذا هو الرقم الظاهر، وبالقطع هناك برامج سرية عسكرية أميركية، غالباً لا يعلم الرئيس عنها شيئاً، ما يجعل من هذا المجمع قوة عميقة حقيقية، تدفع في طريق عسكرة الحياة الأميركية، وإزاحة من يتقاطع معها من أنصار رؤساء السلام، الأمر الذي حدث مع الرئيس كارتر في نهاية سبعينيات القرن الماضي.
مجموعة “جايسون” ومهمة علماء أميركا
قبل بضعة أعوام نشرت هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً مثيراً، يرتبط بشكل أو بآخر بفكرة الدولة الأميركية العميقة، وكيف أنها تتعاون مع علماء الولايات المتحدة على جميع الصعد، بهدف واضح وهو خدمة أغراض الأمن القومي.
تدور القصة حول نخبة من أهم علماء أميركا والباحثين في أعرق الجامعات، والمنوط بهم تقديم خدمات سرية للبلاد، وربما للعالم برمته، الأمر الذي يعود بالجميع إلى دائرة الحكومة الخفية وجماعات السعي من وراء الأبواب، والتي تحكم قبضتها على البلاد والعباد.
يصل عدد مجموعة جايسون إلى نحو 50 شخص، يقدمون نصائحهم ومشوراتهم مباشرة إلى البنتاغون، ويجرون عادة دراساتهم بناءً على طلب الأجهزة الوطنية، معتمدين على البيانات العلمية، لاتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن القومي الأميركي.
متى تشكلت مجموعة “جايسون”؟
التاريخ بدوره مثير جداً، فقد نشأت تلك المجموعة عام 1960، أي إبان حكم الرئيس أيزنهاور نفسه، ولأن الرجل هو جنرال في الأصل، وبطل الحرب العالمية الثانية، فقد أدرك أن هناك تجمعاً مثيراً بين العلماء والجنرالات قادر متى يشاء على اختطاف روح الديمقرطية الأميركية، وربما هذا ما حدث بعد ثلاث سنوات متمثلاً في اغتيال كينيدي.
تقدم مجموعة جايسون ومنذ ستة عقود، تقارير سرية تتناول جميع الموضوعات الساخنة التي تشغل بال الأميركيين والعالم، من عينة أحوال الترسانة الأميركية النووية، والسباق مع السوفيات ثم الروس والصينيين، والأقمار الصناعية، لا سيما الخاصة بالتجسس، وتالياً في عصر الرئيس الجمهوري رونالد ريغان ظهرت فكرة حرب النجوم أو الكواكب، والتي تقوم في الأساس على أفكار وبرامج علمية، تسعى لعسكرة الفضاء.
وعطفاً على ما تقدم، تبقى هناك ملفات شديدة الخطورة والوعورة من عينة الحرب البيولوجية، وتكنولوجيا الليزر، والصواريخ الباليستية، وكذا شؤون الاستخبارات، ومواجهة الهجمات الإرهابية.
هنا يعنّ لأي باحث محقق ومدقق في الشأن الأميركي التساؤل: وما الذي يتبقى غير مهيمن أو مسيطر عليه من قبل التعاون بين جنرالات البنتاغون وعلماء الفئة الأولى في الداخل الأميركي، أليست هذه حكومة ظل وليست دولة عميقة فحسب؟
ولعل قصة مجموعة علماء جايسون هذه تحتاج إلى قراءة مستقلة، لا سيما أن التساؤل الجوهري في أمرهم هو: عما يبحثون؟ وفي صدى التساؤل علاقة بالاسم المستمد من “جايسون” بطل الأساطير اليونانية، وزعيم بحارة الأرجو، الذي كان يبحث عن الصوف الذهبي، وجسدته هوليوود في فيلم تاريخي عنوانه “جايسون وآلهة الحرب” .
“وول ستريت” وجذور الدولة المالية العميقة
الباحث عن جذور الدولة العميقة في الولايات المتحدة يتوقف طويلاً كذلك عند عالم المال والأعمال، وحكومة الأوراق المالية القائمة في “وول ستريت”.
قصة المال في الداخل الأميركي، وكيف يرسم خرائط صناعة القرار من وراء الستار، تحتاج إلى مؤلفات، وقد كتب عنها الكثير، لا سيما أنها تعود إلى زمن التأسيس والبدايات.
يتحدث بنجامين فرانكلين أحد أهم الآباء المؤسسين في التاريخ الأميركي، من الناحية المالية والاقتصادية بنوع خاص، عن الطريقة التي أدت إلى ازدهار الحياة الاقتصادية في المستعمرات الأميركية فيقول: “الأمر بسيط، فنحن نصدر عملتنا بأنفسنا، ونسميها الأوراق المالية، كما أننا نصدرها ونفعل ذلك بصورة تتناسب بمقدارها مع حاجات الصناعة والتجارة لدينا”.
في هذا الإطار كان المُرابون العالميون يستعملون مندوبيهم من المواطنين الأميركيين كواجهة، وكانت الخطط الطويلة المدى يجري إعدادها في أوروبا.
هل تنبّه بعض من رؤساء أميركا الأوائل إلى مقدار الضرر الذي يحيق بالجمهورية الأميركية من جراء تلك السياسات المالية؟
قال توماس جيفرسون، رئيس الولايات المتحدة الأميركية الثالث، والمفكر الفيلسوف ورجل الدولة الشهير: “أنا أؤمن بأن هذه المؤسسات المصرفية أشد خطراً على حرياتنا من الجيوش المتأهبة. وقد خلقت بوجودها أرستقراطية مالية أصبحت تتحدى بسلطانها الحكومة. وأرى أنه يجب استرجاع امتياز إصدار النقد من هذه المؤسسات وإعادته إلى الشعب صاحب الحق الأول فيه”.
أما الرئيس السادس للولايات المتحدة، الجنرال أندرو جاكسون، فقد قال “إذا كان الدستور قد أعطى الكونغرس امتياز إصدار الأوراق النقدية، فليس معنى ذلك أن للكونغرس الحق في نقل هذا الامتياز إلى الأشخاص والهيئات الخارجية”.
هل باتت صناعة المال في الداخل الأميركي، ومن خلال جماعة الضغط المالية المتمثلة في البنوك والبورصات، وكذا الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات لاعبا حقيقياً ضمن طغمة الدولة العميقة، ما يعني أن من يحكم البلاد خفية ليس المجمع الصناعي العسكري الأميركي فحسب؟
أميركا الكوربوراتية وصناعة القرار الخلفية
يعني مصطح أميركا الكوربوراتية، أميركا القائمة إدارتها على الشركات العملاقة، وقد عاد الحديث عنها ثانية بعد هزيمة ترمب، ونجاحات بايدن، وبات تسليط الضوء على هذا الشق من جوانب الدولة العميقة مهماً، لا سيما في ضوء توجهات إدارة الرئيس بايدن ذات الملمح والملمس العسكري، وعلى غير ما كان متوقعاً.
في يناير (كانون الثاني) 2021 سلطت وكالة “رويترز” الضوء على لوبي الشركات الأميركية العملاقة، وكيف أنها باتت توجه المصالح الاستراتيجية للدولة، بدءاً من شركات النفط، مروراً بشركات السلاح، ووصولاً إلى شركات الأدوية.
تبين البيانات الواردة في تقرير “رويترز” أن أكبر 1000 شركة في الولايات المتحدة، مسؤولة عن 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مقارنة بـ11 مليون شركة تجارية صغيرة.
أضف إلى ذلك أن أكبر 2000 شركة في أميركا مسؤولة عن 40 في المئة من إجمالي الناتج القومي مقابل 22 مليون شركة تجارية صغيرة.
قبل نحو عقدين بالتمام والكمال، وفي زمن غزو العراق، راجت في الداخل الأميركي إحصائية مثيرة عن عقود أكبر 5 شركات أميركية مع وزارة الدفاع، وقد جاءت كالتالي: “لوكهيد مارتن” 23 مليار دولار، و”بوينغ” 24 مليار دولار، و”نورثغروب غرومان” 3 مليارات دولار، و”جنرال ديناميكس” 3 مليارات دولار، و”يونايتد تكنولوجي” 3.6 مليار دولار.
هل يعني ذلك أن ما قاله تشارلز ويلسون الرئيس التنفيذي لشركة “جنرال موتورز”، كبرى شركات صناعة السيارات وقطع غيار الأسلحة، في خمسينيات القرن الماضي من أن “ما هو في صالح “جنرال موتورز” هو في صالح أميركا” بات حقيقة، وأن تلك الشركات هي إحدى أهم أذرع الدولة الأميركية العميقة؟
يمكن القطع أنه وعبر العقدين الماضيين، ازداد تغلغل شركات “السوبر باور” الأميركية، في جميع مفاصل الدولة الأميركية، ومؤسسات صنع القرار، وتجذرت هناك، ما يستلب كثيراً من مقدرة المشرعين في تصريف شؤون البلاد بعيداً من مصالح تلك النخبة الحاكمة ومن غير أن تكون ظاهرة في الصفوف الأولى، الأمر الذي يجعل من تعبير الدولة العميقة أكثر كذبة حقيقية في الواقع الأميركي، في حاضرات أيامنا.
الدولة العميقة بين الإنترنت ووسائل الإعلام
في مؤلفه الشهير “الطبقة الخارقة… نخبة التسلط العالمي وأي عالم تبني؟”، يتحدث البروفيسور الأميركي وأستاذ العلاقات الدولية عما يسميه النخب القديمة الجديدة، ويلفت الانتباه إلى الدور المتنامي الذي تقوم به وسائل الإعلام كإحدى أدوات الدولة العميقة التي باتت اليوم تتحكم في الولايات المتحدة الأميركية.
في سطور كتابه حديث عن أصحاب المدونات الإلكترونية وغيرهم من مستخدمي الإنترنت، وكيف ينافسون اليوم الوسائل الإعلامية في تأثيرهم، حيث يعرضون الأخبار ويدعمون الحركات.
وفقاً لمؤشر “أليكسا”، وهي شركة إلكترونية معلوماتية تقوم بتصنيف المواقع الإلكترونية استناداً إلى مقدار استخدامها، فإن بعض أشهر المدونات حول العالم هي التالية:
ـ مدونة Webring وهي الحلقة الفردانية، التي تقول إنها تهدف إلى دعم حس الفردانية العالي، والمعارضة التامة لأي شكل من الجماعية.
ـ موقع LewRockwell.com، وهو موقع مناهض للدولة ومريد لخيار السوق يديره رئيس معهد لادويغ فون ميسيس، ومتحف الإنترنت الماركسي.
تغذي هذه المواقع الأهواء السياسية لعدة ملايين من الناس حول العالم.
وتماماً مثل DailyKos.com و TalkingPointsMemo.com ومجموعة من المواقع الأخرى التي قادت تحرك الديمقراطيين الليبراليين في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، فإن لها القدرة على إحداث تأثير سياسي حقيقي.
يعن لنا هنا أن نتساءل: إذا كانت المدونات لها هذا القدر من النفوذ، فكيف يكون تأثير شبكات الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي؟
حكماً باتت أدوات مثل “فيسبوك”، و”تويتر”، و”إنستغرام”، لاعباً قوياً وفاعلاً ومؤثراً، بل بكل تأكيد إنها وأمثالها أضحت أكبر تطور ثوري شهدته الحضارة البشرية في عقود عدة، حيث تقود العولمة، وتغير التفاعلات الاجتماعية، وتبدل طبيعة السلطة، وتمكن من جمع الثروة، وتحول الأسواق.
ما نظر له روثكويف، أثبتته سياقات الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020، والتي لا يزال يدور من حولها لغو ولغط كثيران، وبخاصة حين أغلقت “تويتر” حساب الرئيس ترمب، ما حرمه من التواصل مع ملايين الأميركيين، الأمر الذي جعل من تلك الوسيلة أداة من أدوات الدولة العميقة، الجديدة وغير المباشرة القادرة على تجاوز الخطوط الرئيسة لسياسات الدولة.
هل لهذا مضى الرئيس السابق ترمب في طريق تأسيس شبكته الاجتماعية الخاصة، والتي أطلق عليها اسم Truth Social؟ قد يكون ذلك كذلك بالفعل، فيما ما يستدعي الانتباه بصورة مثيرة للتأمل، هو أن هناك في الداخل الأميركي ومن القوى الكوربوراتورية الأميركية السابق الإشارة إليها، من تبرع للرئيس ترمب بمليار وربع المليار من الدولارات لبدء وإطلاق هذه الشبكة.
هل عمد ترمب إلى هذه الأداة لتكون إحدى أذرع دولته العميقة المقبلة، لا سيما إذا كان الرجل يخطط لخوض الانتخابات الرئاسية 2024؟
وفي الخلاصة، فإنه على الرغم من أن الكثيرين حول العالم يعتبرون تعبير الدولة العميقة في الداخل الأميركي بنوع خاص، أمراً من قبيل سردية المؤامرة الوهمية، فإن عدة استطلاعات للرأي في الأعوام الأخيرة، جاءت نتيجتها مؤكدة قناعة الأميركيين بحضورها.
على سبيل المثال، وجد استطلاع جرى في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 أجرته مجلة “إيكونوميست” مع مؤسسة “بوجوف” أن 70 في المئة من الجمهوريين، و38 في المئة من المستقلين، يؤمنون بأن الدولة الأميركية العميقة كانت تحاول إطاحة الرئيس ترمب.
هل من عناصر أخرى في الداخل الأميركي تمثل أفرعاً للدولة الأميركية العميقة؟
ربما ما يجري من قبل إدارة بايدن في الوقت الراهن يدفعنا دفعاً في إطار مراجعة ثلاثية العتم الأميركية التاريخية… الدولة العميقة، والدولة المظلمة، وفرع رابع للحكومة الأميركية، يحتاج وحده إلى استكشاف.
المصدر أندبندنت عربية