كريتر نت – متابعات
لم تبادر دول الخليج إلى إعلان دعمها للموقف الأميركي مما يجري في أوكرانيا، وهي إشارة ذات دلالة بالغة بأن الخليجيين أخذوا مسافة من واشنطن وبدأوا فعليا بتنفيذ استراتيجية تنويع الشركاء التي جعلتهم أقرب إلى روسيا لمعطيات من بينها الشراكة في تحالف أوبك+، وكذلك الموقف من التيارات الإسلامية المتشددة.
دبي – في الماضي، كان من السهل على دول الخليج دعم طرف ما، بين الولايات المتحدة وروسيا، في الحرب الأوكرانية، لكن العلاقات المتنامية مع موسكو تجبر هذه الدول اليوم على تحقيق توازن صعب في مواقفها.
فبينما سارع العالم لإدانة غزو روسيا لجارتها الأصغر، التزمت دول مجلس التعاون الخليجي الثرية، بما في ذلك السعودية والإمارات، الصمت إلى حد كبير.
وبحسب خبراء في شؤون الشرق الأوسط، فإن إحجامها عن إدانة روسيا أو تأييد الغرب، أمر يمكن تفهّمه بالنظر إلى ما هو على المحك: الطاقة والاقتصاد والأمن.
وتقول الخبيرة في الشؤون الخليجية والباحثة في معهد مونتين الفرنسي آن غادال إنّ “العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول وموسكو ليست وحدها التي تنمو، بل الروابط الأمنية كذلك”.
ومساء الجمعة امتنعت الإمارات، إلى جانب الصين والهند، عن التصويت على مشروع قرار أميركي وألباني في مجلس الأمن الدولي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب موسكو بسحب قواتها.
وتحدّث وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان مع نظيره الأميركي أنطوني بلينكن في اتصال هاتفي وبحثا “التطورات العالمية”، بحسب بيان رسمي إماراتي، دون ذكر أوكرانيا. ولم يتّضح ما إذا كان الاتصال جرى بعيد التصويت.
كما أعلنت وزارة الخارجية الروسية على تويتر أنّ الوزير الإماراتي سيزور موسكو الاثنين “لتعزيز العلاقات”.
والخميس، اليوم الذي بدأت فيه روسيا هجومها البري والجوي ضد أوكرانيا، امتنعت الكويت وقطر عن انتقاد موسكو مباشرة واكتفتا بإدانة العنف، بينما لم تعلّق السعودية وعُمان والبحرين بعد.
حليف أيديولوجي
علاقات متينة
على مدى أكثر من سبعة عقود، لعبت الولايات المتحدة دورًا محوريا في الشرق الأوسط الذي تمزّقه الصراعات، وعملت بشكل خاص على حماية دول الخليج الغنية بالنفط ضد تهديدات جماعات مسلحة ودول، على رأسها إيران.
غير أنّ الولايات المتحدة بدأت في السنوات الأخيرة الحد من انخراطها العسكري في المنطقة، حتى عندما تعرّض أقرب حلفائها إلى هجمات، وخصوصا منشآت شركة أرامكو السعودية النفطية العملاقة من قبل المتمردين اليمنيين المتحالفين مع طهران في عام 2019، ومنذ أسابيع قليلة أيضا استهداف مواقع في العاصمة الإماراتية أبوظبي.
وترى غادال أنّ دول الخليج “تدرك أنها في حاجة إلى تنويع تحالفاتها للتعويض عما يُنظر إليه على أنّه تراجع للولايات المتحدة في المنطقة”.
العلاقات الاقتصادية بين الخليج وروسيا ليست وحدها التي تنمو، بل الروابط العسكرية والتقارب في القضايا الإقليمية
في المجال السياسي أيضا، تقلّبت العلاقة بين الحلفاء.
وشهدت السعودية والإمارات، وهما حليفتان تاريخيتان للولايات المتحدة وتستضيفان قوات أميركية، تغيّر علاقاتهما مع واشنطن على خلفية صفقات الأسلحة وتغير استراتيجية واشنطن الأمنية من خلال التلويح بترك الخليج والتركيز على شرق آسيا، ما اعتبره الخليجيون تخليا عنهم خاصة مع تزامن هذا الموقف مع تقدم المفاوضات حول النووي الإيراني دون وجود ضمانات في ما يخص أمن المنطقة من التهديدات الإيرانية.
وأدى مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018 إلى توتر في العلاقات بين واشنطن والرياض، فيما هددت الإمارات مؤخرًا بإلغاء صفقة ضخمة على طائرات مقاتلة أميركية من طراز “أف – 35”.
ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط والأستاذ المحاضر في “كينغز كوليدج” في لندن أندرياس كريغ “يُنظر إلى روسيا على أنها حليف أيديولوجي بعدما أصبحت قيود حقوق الإنسان الأميركية المرتبطة بالدعم الذي تقدّمه (واشنطن)، مسألة شائكة أكثر من أي وقت مضى”.
ويرى أنّ هناك مثلا “تكاملا في الاستراتيجيات بين موسكو وأبوظبي عندما يتعلّق الأمر بالمنطقة. فكلاهما كان حريصا على احتواء الإسلام السياسي”.
وضع صعب
حلافاء في المصالح
رغم التعاون الأمني المتزايد مع روسيا، المنخرطة بشكل مباشر في الصراعين السوري والليبي، يعتبر كريغ أنّ معظم دول مجلس التعاون الخليجي تبقي أمنها في أيدي الولايات المتحدة. لكنّها “بدأت في تنويع العلاقات مع منافسي الأميركيين وخصومهم في مجالات أخرى”.
وقد قفزت التجارة بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي من حوالي 3 مليارات دولار في عام 2016 إلى أكثر من 5 مليارات دولار في عام 2021، غالبيتها مع الإمارات والسعودية، وفقا لإحصائيات رسمية.
ولطالما كان يُنظر إلى الإمارات على أنّها نقطة جذب للاستثمارات الروسية، ووجهة النخب الروسية لقضاء العلاقات.
معظم دول مجلس التعاون الخليجي تبقي أمنها في أيدي الولايات المتحدة لكنّها بدأت في تنويع العلاقات مع منافسي الأميركيين وخصومهم في مجالات أخرى
وبصفتها لاعبا رئيسيا في أسواق الطاقة فإن كافة دول مجلس التعاون الخليجي تقيم علاقة مع روسيا في مجال الطاقة، بينما تقود الرياض وموسكو منذ سنوات تحالف “أوبك +”، حيث تتحكّمان معا في الإنتاج لتحقيق استقرار في سوق الأسعار.
ووفقا للباحثة في معهد “المجلس الاطلسي” إيلين والد فإنّ “الأعضاء العرب في أوبك في وضع صعب من الناحية الدبلوماسية، حيث من الواضح أن الحفاظ” على اتفاق “أوبك +”، الذي يسيطر على كميات الإنتاج، “في طليعة اعتباراتهم”.
وتوضح والد “تخشى دول الخليج الإضرار بهذه العلاقة وتسعى للحفاظ على المشاركة الروسية في أوبك + (…) ففي حال تركت روسيا المجموعة، من المحتمل أن ينهار الاتفاق بأكمله”.
وعلى الرغم من دعوات بعض مستوردي النفط الرئيسيين لمنتجي الخام لزيادة الضخ والمساعدة في استقرار الأسعار المرتفعة، لم تبد الرياض، أحد أكبر مصدّري النفط في العالم، أيّ اهتمام فعلي في ذلك.
وترى والد أنّ “التزام الصمت بشأن العمليات الروسية في أوكرانيا هو على الأرجح أفضل ما يمكن القيام به في الوقت الراهن”، لكن “هذا الموقف البراغماتي قد يصبح غير مقبول في حال ضغط القادة الغربيون على (دول الخليج) لتحديد مواقفها”.