كريتر نت – متابعات
نشطت الضغوط الغربية على منتجي النفط والغاز من الدول العربية من أجل مغادرة مربع الحياد والانضمام إلى العقوبات التي تنوي الدول الغربية -وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا- فرضها على روسيا بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا.
وفي الوقت الذي تمسكت فيه السعودية والإمارات بالحياد وعدم الزج بقطاع النفط في المعركة، لم تمانع قطر والجزائر في الاستجابة لتلك الضغوط كل منهما بطريقتها الخاصة.
وبعد الاتصالات التي أجراها دبلوماسيون أميركيون منذ أيام مع عواصم المنطقة، جاء الدور على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اتصل بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وبأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في خطوة قال مراقبون إنها تظهر تزعّم فرنسا لحملة العقوبات الأوروبية على روسيا وإن ماكرون يريد من خلالها استثمار علاقاته في الخليج من أجل الحصول على وعود واضحة المعالم.
لكن اتصال الرئيس الفرنسي بولي العهد السعودي لم يثمر نتائج في ظل تأكيد الأمير محمد بن سلمان على أنّ بلاده ملتزمة باتفاق تحالف “أوبك+” حول كميات إنتاج النفط، وهو ما يعني أنها تتمسك بالتحالف مع روسيا في المنظمة، وأنها لا تنوي إدخال ورقة النفط في أي معركة سياسية، خاصة أنها مستفيدة من سقف الأسعار المطروح في السوق، وهو يتماشى مع خطتها.
وقالت وكالة الأنباء السعودية إنّ الأمير محمد بن سلمان وماكرون بحثا خلال اتصال هاتفي “الأوضاع في أوكرانيا (…) وأثر الأزمة على أسواق الطاقة”، مضيفة “أكد ولي العهد حرص المملكة على استقرار وتوازن أسواق البترول والتزام المملكة باتفاق أوبك+”.
واعتبر مراقبون أن الموقف السعودي يعبّر عن تغير في سياسة الرياض تجاه شركائها الغربيين بشكل لافت، وأن التجارب السابقة علمتها ضرورة تحييد النفط عن الأزمات السياسية، وقد جربت الأمر في السابق ولم تستفد منه وإن كان قد صب في خدمة بعض حلفائها وخاصة الولايات المتحدة.
وتثير العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على روسيا مخاوف من تأثر قطاع الطاقة وارتفاع الأسعار. ومنذ بداية الأزمة لم تبد الرياض -أحد أكبر مصدري النفط في العالم- نية زيادة الإنتاج لخفض الأسعار .
وتقود السعودية إلى جانب روسيا تحالف “أوبك+” الذي يضم 13 عضوا في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) و10 من خارج المنظمة. وقد قاومت هذه الدول ضغوطا أميركية لزيادة الإنتاج بهدف خفض الأسعار.
وبهذا الموقف تكون السعودية قد لحقت بالإمارات التي نأت بنفسها عن الانحياز إلى هذه الجهة أو تلك في الصراع الحالي كما امتنعت عن التصويت لفائدة مشروع قرار أميركي كان الهدف منه إدانة التدخل الروسي في أوكرانيا.
وتتسلم الإمارات بدءا من اليوم الثلاثاء الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، وهو ما يؤهلها للعب دور دبلوماسي أكبر في موضوع الصراعات، وخاصة النزاع الروسي – الأوكراني الذي يرشحها دبلوماسيون لأن تقود مهمة الوساطة فيه لقربها من الولايات المتحدة وفرنسا من جهة ولعلاقتها المميزة مع روسيا اقتصاديا وعسكريا، فضلا عن التنسيق بينهما في تحالف أوبك+.
والجمعة امتنعت الإمارات، إلى جانب الصين والهند، عن التصويت على مشروع قرار أميركي وألباني في مجلس الأمن يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب موسكو بسحب قواتها. واستخدمت روسيا -كما كان متوقعا- حقّ النقض (الفيتو) ضدّ مشروع القرار.
وقال مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون الدبلوماسية أنور قرقاش في تغريدة الأحد “نؤمن بأن الاصطفاف والتموضع لن يفضي إلا إلى المزيد من العنف، وفي الأزمة الأوكرانية أولوياتنا تشجيع جميع الأطراف لتبني الدبلوماسية والتفاوض لإيجاد تسوية سياسية تنهي هذه الأزمة”.
وأضاف قرقاش في تغريدته “من واقع تجربتنا في منطقة مليئة بالأزمات نرى بأن الحلول السياسية وخلق توازنات تعزز الأمن والاستقرار هي الطريق الأفضل لمواجهة الأزمات والحد من آثارها”.
وفي مقابل تمسك السعودية والإمارات بالحياد في الأزمة، تسعى قطر إلى إظهار موقفها الداعم لموقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية من الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وقال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الإثنين إن بلاده “تتابع بقلق بالغ التصعيد العسكري في أوكرانيا، وتؤكد على احترام سيادة واستقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها في حدودها المعترف بها دوليًا”.
وأضاف “الدوحة تدعو في هذه المرحلة الحرجة إلى ضرورة انتهاج الحوار والطرق الدبلوماسية لحل الأزمة (…) أكثر ما يقلقنا إزاء هذه التطورات هو الوضع الإنساني الصعب الذي سيواجه ملايين اللاجئين في حال استمرار التصعيد والتوتر”.
واعتبر مراقبون أن الدوحة تريد إظهار تسجيل موقف إلى جانب الولايات المتحدة في هذه الأزمة للتغطية على عجزها عن ضخ الكميات المطلوبة من الغاز لتعويض أوروبا عن فقدان التزود بالغاز الروسي، مثلما ألمحت إلى ذلك على هامش زيارة الشيخ تميم منذ شهر إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي جو بايدن.
ويعتقد المراقبون أن الدوحة ستسعى إلى المناورة بإظهار موقف داعم لأوكرانيا ومن ورائها الغرب بدل أن تغامر باتخاذ خطوات تغضب روسيا، أحد أكبر منتجي الغاز بصحبة قطر.
ومن خارج منطقة الخليج تتعرض الجزائر بدورها إلى ضغوط غربية من أجل زيادة الكميات التي تنتجها وتصدرها باتجاه أوروبا. ورغم أن إمكانياتها اللوجستية محدودة -خاصة بعد وقف العمل بالأنبوب الذي يمر عبر المغرب باتجاه إسبانيا- فإن الجزائر ترسل إشارات متناقضة بشأن قدرتها على توفير ما تطلبه أوروبا.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إلى الجزائر بصحبة رئيس مجموعة الطاقة إيني كاختبار لقدرة الجزائر على تنفيذ الوعود التي أطلقها الرئيس عبدالمجيد تبون حين عبر عن استعداد بلاده لضخ كميات إضافية من الغاز لتلبية طلب الأوروبيين، والأمر نفسه صدر عن رئيس شركة سوناطراك النفطية الحكومية الذي أكد استعداد الشركة لضخ كميات إضافية من الغاز الجزائري في السوق الأوروبية.
غير أن هذا التوجه سيكلف البلاد رد فعل غير محسوب من طرف الروس، الذين يدرجون الجزائر في خانة الشركاء الاستراتيجيين في المنطقة.