صالح البيضاني
للعام الثامن على التوالي يواصل الحوثيون منذ اجتياحهم لصنعاء في سبتمبر 2014 العمل وفقا لسياسة ممنهجة لتجريف الهوية اليمنية التي تشكلت منذ ثورة سبتمبر 1962 ضد أسلافهم الإماميين في شمال اليمن، وأدوات الحوثي في هذا التجريف متعددة وعنيفة، تبدأ بفرض منهجهم الفكري عبر المناهج الدراسية والدورات الثقافية وتمتد أحدث فصولها المروعة إلى تجنيد المزيد من المقاتلين الشباب والأطفال ومصادرة ممتلكات معارضيهم.
ولا يبدو رهان الجماعة الحوثية على إحداث تغيير جوهري في بنية المجتمع اليمني الثقافية والاجتماعية وخصوصا في شمال اليمن محاولة لا تستند على جذور وخلفيات، حيث تسعى الجماعة لإحياء الروح المذهبية في مناطق تواجدها التاريخية وإعادة توفير حاضنة اجتماعية وثقافية تقليدية طالما استفادت منها دول الإمامة في الشمال.
وقد وفر طول فترة الحرب وتراجع الأمل عند شريحة واسعة من اليمنيين في إمكانية التخلص من الحوثيين وطي صفحتهم مناخا مناسبا للنشاط الثقافي والاجتماعي والسياسي الحوثي، حيث تراجعت حالة التحفز المقاومة لمشروعهم في مناطق سيطرتهم إلى درجة غير مسبوقة بدافع الإحباط واليأس وحلت محلها كما يبدو رغبة في التعايش مع هذا الوضع لدى كثير من الرافضين للمشروع الحوثي، وتكثفت هذه الحالة بشكل ملحوظ بعد فشل انتفاضة الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017 ومقتله.
وعند قراءة الوضع اليمني جنوبا، يبدو أن آمال الحوثيين كذلك خبت في إعادة سيطرتهم على المحافظات الجنوبية وتحديدا بعد استعادة قوات العمالقة الجنوبية وفي وقت قياسي لمديريات شبوة الثلاث التي أعاد الحوثيون السيطرة عليها بعد تحريرها وكانت تمثل رأس الحربة ورأس الفكرة الحوثية كذلك في إعادة اختراق جغرافيا الجنوب، وفرض أمر واقع يتجاوز نطاق ما هو متاح جيوسياسيا في الصراع اليمني.
وفي مقابل تكريس الحوثيين لوجودهم شمالا عبر سلسلة من الإجراءات التي تستهدف إحداث تغيير اجتماعي وثقافي عميق، يبدو أن جنوب اليمن بات يشق طريقه كذلك نحو مشروع مغاير تماما اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، بعد تراجع فرص الحوثيين في بسط سيطرتهم على كافة جغرافيا اليمن الوعرة، وتعثر مشروع الشرعية اليمنية لتحرير مناطق الشمال الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وعند قراءة الحدود التي رسمتها ثماني سنوات من الحرب في جغرافيا اليمن السياسية، يبدو للوهلة الأولى أن الفوارق النفسية والثقافية وعوامل التعرية الأيديولوجية التي تركت آثارها على خارطة اليمن لعقود، كان لها دور حاسم في تخليص الجنوب اليوم من هيمنة مخلفات الفكر الإمامي في شمال اليمن بجميع رواسبه، وهو ذات السبب تقريبا الذي مكن الحوثيين من الهيمنة على الشمال، على الرغم من وجود حالة رفض شعبي لا يمكن تجاهلها، ولكن حالة الرفض تلك ظلت في نطاق السيطرة وتحت المشرط الأيديولوجي الحوثي الذي يعمل اليوم وفي ظل الحرب التي لم تحسم، على إعادة المشهد قليلا إلى الوراء وتحديدا إلى ما قبل 1962 وشطب كل التغييرات التي أحدثتها ثورة سبتمبر في هذا العام على الصعيدين الثقافي والعقدي وإعادة إنتاج حاضنة شعبية موالية له مذهبيا وسياسيا.