كريتر نت – محمود حسين – DW
مواقف خليجية من الغزو الروسي لأوكرانيا صدمت الحلفاء الغربيين. أوضحها موقف الإمارات في مجلس الأمن إذ امتنعت مرتين عن التصويت وكذلك موقف السعودية من أزمة النفط وسط حياد باقي دول الخليج العربية. فما السر وراء تلك المواقف؟
توتر مكتوم تشهده العلاقات بين الولايات المتحدة وبين دولتي النفط الثريتين السعودية والإمارات ومن خلفهما باقي دول الخليج. فبينما سارع العالم لإدانة اجتياح روسيا لجارتها الأصغر، التزمت دول مجلس التعاون الخليجي الثرية الصمت إلى حد كبير.
حياد “غير متوقع”؟
وفي اليوم الذي بدأت فيه روسيا هجومها البري والجوي ضد أوكرانيا، امتنعت الكويت وقطر عن انتقاد موسكو مباشرة واكتفتا بإدانة العنف، بينما لم تعلّق السعودية وعُمان والبحرين. تجلت معالم ذلك التوتر مع موقف الإمارات من الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن (إلى جانب الهند والصين) لإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
كما رفضت السعودية ودول خليجية أخرى دعوات أمريكية لضخ مزيد من النفط لخفض أسعار الوقود العالمية، خاصة قبل بدء العملية العسكرية الروسية في الوقت الذي اقترب فيه سعر البرميل من 100 دولار لأول مرة منذ ثماني سنوات، الطلب الذي قوبل برفض متكرر من جانب السعودية على وجه الخصوص.
في المقابل يرى خبراء في شؤون الشرق الأوسط أنّ إحجام الدول الخليجية عن إدانة روسيا أو تأييد الغرب، أمر يمكن تفهّمه بالنظر إلى ما هو على المحك: الطاقة والاقتصاد والأمن.
وتقول الخبيرة في الشؤون الخليجية والباحثة في معهد مونتين الفرنسي آن غادال إنّ “العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول وموسكو ليست وحدها التي تنمو، بل الروابط الأمنية كذلك”، بحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أكدت أن الرياض بمقدورها المساهمة في خفض سعر النفط العالمي خاصة وأنها تضخ بمعدل أقل من قدرتها الإنتاجية الكاملة وأنها باستطاعتها الوصول للطاقة القصوى للتصدير خلال ثلاثة أشهر فقط ما سيؤدي – على الأرجح – لخفض أسعار النفط بحسب ما نقلت الصحيفة عن خبراء ومحللين.
ويخشى الغرب من عواقب اقتصادية وخيمة إذا ما امتدت العقوبات الدولية على روسيا إلى قطاع النفط ما لم يكن هناك ضمان من دول النفط لسد العجز الذي قد ينجم عن تلك العقوبات، إذ يُتوقع أن تتسبب العقوبات في قطع 7 في المئة من إمدادات النفط العالمية، بحسب خبراء تحدثت معهم “وول ستريت جورنال”
اختبار جيوسياسي
وتشكل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا اختباراً جاداً للتحالف السعودي -الروسي، ما يضع المملكة في موقف حرج ما بين حليفها الرئيسي -الولايات المتحدة – وبين تحالفها الجديد مع روسيا، ما قد يؤثر على قراراتها المستقبلية بحسب ما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن الموقف الحالي من الحرب الدائرة يعد أول اختبار جيوسياسي للتحالف بين الرياض وموسكو، التحالف الذي بدأ في عام 2016، عندما وقعت روسيا و 12 دولة أخرى معاهدة مع “أوبك” لتنظيم الإنتاج النفطي، إلى جانب الزيارات الرسمية المتبادلة على أعلى مستوى بين الجانبين ناهيك عن صفقات شراء الأسلحة الروسية الضخمة.
على جانب آخر، وعلى غرار دول الخليج الأخرى، تقيم الإمارات علاقات أمنية واقتصادية وعسكرية مهمة مع واشنطن، لكن الروابط المتنامية مع موسكو باتت تجبر هذه الدول على السعي لتحقيق توازن صعب في مواقفها.
ولطالما كان يُنظر إلى الإمارات، ولا سيما إمارة دبي، على أنّها نقطة جذب للاستثمارات الروسية، ووجهة النخب الروسية لقضاء الإجازات.
ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط والأستاذ المحاضر في “كينغز كوليدج” في لندن أندرياس كريغ “يُنظر إلى روسيا على أنها حليف إيديولوجي بعدما أصبحت قيود حقوق الإنسان الأمريكية المرتبطة بالدعم الذي تقدّمه واشنطن، مسألة شائكة أكثر من أي وقت مضى”، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
تنويع خليجي للعلاقات
ويرى كريغ أنّ هناك على سبيل المثال “تكاملاً في الاستراتيجيات بين موسكو وأبوظبي عندما يتعلّق الأمر بالمنطقة. فكلاهما معادٍ للثورات وكانا حريصين على احتواء الإسلام السياسي”.
ورغم التعاون الأمني المتزايد مع روسيا، المنخرطة بشكل مباشر في الصراعين السوري والليبي، يعتبر كريغ أنّ معظم دول مجلس التعاون الخليجي تُبقي أمنها في أيدي الولايات المتحدة. لكنّها “بدأت في تنويع العلاقات مع منافسي وخصوم الأمريكيين في مجالات أخرى”.
وقد قفزت التجارة بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي من حوالي 3 مليارات دولار في عام 2016، إلى أكثر من 5 مليارات دولار في عام 2021، غالبيتها مع الإمارات والسعودية، وفقا لإحصائيات رسمية.
وبصفتها لاعباً رئيسياً في أسواق الطاقة، تقيم كل دول مجلس التعاون الخليجي علاقة مع روسيا في مجال الطاقة، بينما تقود الرياض وموسكو منذ سنوات تحالف “أوبك بلس”، حيث تتحكّمان معاً في الإنتاج لتحقيق استقرار في سوق الأسعار.
وقال مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون الدبلوماسية أنور قرقاش في تغريدة إنّ “موقف الإمارات راسخ إزاء المبادئ الأساسية للأمم المتحدة والقانون الدولي وسيادة الدول ورفض الحلول العسكرية”.
وضع دبلوماسي صعب
وبالأمس، سُئلت المتحدث باسم البيت الأبيض، جين ساكي، مرتين عن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين محمد بن سلمان وماكرون، خلال المؤتمر الصحفي اليومي بشأن الوضع في أوكرانيا، لكنها رفضت الدخول في التفاصيل واكتفت بالقول إن مسؤولين أمريكيين سافرا إلى المنطقة مؤخراً لإجراء مباحثات مع مسؤولين خليجيين حول عدة موضوعات منها أزمة اليمن والتداعيات المتوقعة على أسواق النفط العالمية جراء العملية العسكرية الروسية.
واكدت ساكي أن هناك مباحثات مستمرة حول الخطوات التي يمكن أن تخذها جميعا كمجتمع دولي للتعامل مع تقلبات السوق”.
ووفقا للباحثة في معهد “المجلس الأطلسي” ايلين والد، فإنّ “الدزل العربية الأعضاء في (منظمة الدولة المصدّرة للنفط) أوبك في وضع صعب من الناحية الدبلوماسية، حيث من الواضح أن الحفاظ” على اتفاق “أوبك بلس”، الذي يسيطر على كميات الإنتاج، “في طليعة اعتباراتهم”.
وتوضح أنّ دول الخليج “تخشى الإضرار بهذه العلاقة وتسعى للحفاظ على المشاركة الروسية في أوبك بلس، ففي حال تركت روسيا المجموعة، من المحتمل أن ينهار الاتفاق بأكمله” بحسب ما نشرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وعلى الرغم من دعوات بعض مستوردي النفط الرئيسيين لمنتجي الخام لزيادة الضخ والمساعدة في استقرار الأسعار المرتفعة، لم تُبد الرياض، أحد أكبر مصدّري للنفط في العالم، أي اهتمام فعلي بذلك.
وترى والد أنّ “التزام الصمت بشأن العمليات الروسية في أوكرانيا هو على الأرجح أفضل ما يمكن القيام به في الوقت الراهن”، لكن “هذا الموقف البراغماتي قد يصبح غير مقبول في حال ضغط القادة الغربيون على (دول الخليج) لتحديد مواقفها”.
وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن المسؤولين السعوديين قالوا إنهم سيعيدون التفكير في مسألة رفع الإنتاج النفطي خاصة مع الارتفاعات الهائلة في الأسعار، لكن الشك يحيط بالأمر، إذ إن ارتفاع الأسعار يعود بالنفع على الممالك الخليجية وخصوصاً السعودية التي تحتاج إلى الكثير من الأموال السائلة لتنفيذ مخططات ولي العهد في تحويل دفة اقتصاد بلاده للاعتماد على الصناعات غير النفطية.