خالد المنشاوي صحافي
في ظل الهجوم الروسي على أوكرانيا، أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، فرض عقوبات جديدة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطوة نادرة تستهدف الثروة الشخصية لزعيم أجنبي. لكن تأثير تلك العقوبات قد يكون رمزياً إلى حد كبير. وعلى الرغم من أنه يُعتقد أن بوتين يمتلك مليارات الدولارات ضمن ثروته الشخصية، فإنه لا يُعرف الكثير عن المبلغ المحدد أو أين يمكن أن يكون.
ولم يترك بوتين أي أثر ورقي تقريباً لأصوله – ومعظمها ممتلكات وأصول- التي كانت مخبأة وراء مخططات مالية معقدة نظمها مقربون منه، وفق تقرير “أوراق بنما” لعام 2016 الصادر عن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.
ومن بين الكماليات التي تم ربطها بأصدقاء بوتين وعائلته، وليس به مباشرة، يخت ضخم بقيمة 100 مليون دولار، وقصر على البحر الأسود، يُزعم أنه بُني للاستخدام الشخصي لبوتين.
وتسببت العقوبات التي أعلنتها الدول الغربية على روسيا بسبب العملية العسكرية التي تنفذها في أوكرانيا، بخسائر بلغت قيمتها نحو 83 مليار دولار خلال الأيام القليلة الماضية، وهو ما يرجع إلى انهيار أسواق الأسهم والخسائر العنيفة التي تكبدها الروبل.
بيروقراطي ومتواضع
على الورق، يبدو الرئيس الروسي وكأنه بيروقراطي متواضع. وفي عام 2018، قدم بوتين إقراراً رسمياً بالدخل يوضح أنه يمتلك شقة مساحتها 800 قدم مربع في سانت بطرسبرغ، مع سيارتين من الحقبة السوفياتية وشاحنة للطرق الوعرة.
ويقول الكرملين، إن دخله السنوي يبلغ نحو 140 ألف دولار – وهو ليس رقماً غير متواضع في روسيا، على الرغم من أنه بالكاد يمكن أن يتيح لبوتين الإبقاء على اهتمامه بصناعة الساعات الفاخرة.
ويقول بيل براودر، المستثمر في روسيا الذي أصبح منتقداً شرساً لبوتين، وفق شبكة “سي أن أن”، “إن مجموعة ساعات بوتين المرئية تساوي مضاعفات راتبه الرسمي… وجاءت الثروة نتيجة الابتزاز والسرقة الجماعية من أموال الدولة”.
وفي عام 2017، شهد براودر أمام مجلس الشيوخ الأميركي بأنه يقدر ثروة الرئيس الروسي بنحو 200 مليار دولار من الأصول، مما يجعله من بين أغنى الناس على هذا الكوكب.
وتشير إحدى النظريات عن ثروة بوتين إلى أنه سلح أعضاء الأوليغارشية الروسية، وهددهم بالاعتقال أو ما هو أسوأ ما لم يتنازلوا عن أموال أو حصص في شركاتهم.
ومع ذلك، فقد ثبت أن تتبع ثروته أقرب إلى المستحيل. وقالت مجلة “فوربس”، التي تعتبر التجسس على الثروات الشخصية لنخبة العالم جزءاً من مهمتها الأساسية، إن اكتشاف صافي ثروة بوتين “ربما يكون اللغز الأكثر مراوغة في مجال البحث عن الثروة”.
ويقول متخصص في مكافحة غسيل الأموال، روس ديلستون، “لمجرد أن عامة الناس لا يملكون حساً جيداً بالمكان الذي تختبئ فيه أصول بوتين، يمكننا أن نفترض أن وكالات الاستخبارات الأميركية والاتحاد الأوروبي، ووكالات إنفاذ القانون كانت تتعقب أصوله منذ سنوات”.
وأضاف “إذا كانت حكومة الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي، جادة في ملاحقة أصوله، فسيكون هناك كثير من الأهداف التي يجب ضربها، سيكونون في كل أنحاء العالم، بالتأكيد ضمن حدود الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”.
لكن هل سيؤدي تجميد أصول بوتين إلى ردعه عن مواصلة الهجوم على أوكرانيا؟ يكاد يكون من المؤكد لا. ويقول ديلستون، “نحن لا نتحدث عن وقف أي شيء. نحن نتحدث عن معاقبته”. وهذا لا يعني أن العقوبات لن تكون سيئة، بل سيكون لها تأثير سلبي على ثروة بوتين الإجمالية.
انهيار أسهم الشركات الكبرى
في ذات الوقت، كشفت وكالة “بلومبيرغ”، في مذكرة بحثية حديثة، أنه مع شدة الانهيارات، اضطر البنك المركزي الروسي إلى وقف التداولات في سوق الأسهم خلال تعاملات جلسة الإثنين 28 فبراير (شباط) الماضي، مما يعني أن بعض الخسائر تم إبطاؤها. وتراجعت أسهم الشركات الروسية المدرجة في لندن، إذ انخفضت أسهم “نوفاتيك” لإنتاج الغاز، وشركة “سيفيرستال” لصناعة الصلب، بأكثر من 50 في المئة، بعد أن شددت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى العقوبات على روسيا.
وعلاوة على الخسائر الورقية، بدأت العقوبات تقترب من الداخل الروسي، إذ أصبح الطيران بطائرات “بوينغ” و”غلف ستريم” و”بومباردييه”، أكثر صعوبة الآن بعد انضمام الاتحاد الأوروبي إلى المملكة المتحدة، الأحد (27 فبراير)، في حظر الطائرات الخاصة المملوكة لروسيا من مجالها الجوي. كما قد تصبح مشتريات الروس السرية للعقارات الراقية في لندن أكثر صعوبة أيضاً، مع تشريعات التتبع السريع في المملكة المتحدة التي تتطلب من مالكي العقارات الأجانب الكشف عن هوياتهم، بدلاً من الاختباء وراء الشركات القابضة.
ويرى ديفيد كومبس، رئيس الاستثمارات متعددة الأصول في “راثبونس”، أنه “من الصعب جداً رؤية أي سيناريو في الوقت الحالي يكون فيه شراء الأصول الروسية أمراً منطقياً”.
وأضاف أن كل الرهانات ستكون “مقامرة خالصة”.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، صعدت الحكومات الغربية بشكل كبير من الضغط على روسيا في أعقاب غزوها أوكرانيا.
وقالت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا، إنهم سيطردون بعض البنوك الروسية من نظام “سويفت” المالي، وهي خدمة رسائل مالية عالمية.
وستتسبب الإجراءات والعقوبات الجديدة في شل أصول البنك المركزي الروسي.
خسائر ضخمة للأثرياء الروس
وتأتي خسائر الأثرياء الروس، في وقت اعتمد فيه الاتحاد الأوروبي سلسلة عقوبات على بعض أصحاب الثراء الفاحش في روسيا، بما في ذلك قطب صناعة المعادن، أليشر عثمانوف ومالكي مجموعة ألفا، ميخائيل فريدمان، وبيتر أفين، وقطب صناعة الصلب، أليكسي مورداشوف.
وإلى جانب العقوبات المطبقة بالفعل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تشير الجولة الأخيرة من العقوبات إلى أن الحكومات ربما تنظر إلى النخبة الثرية في روسيا على أنها نقطة ضغط رئيسة أخرى، بينما يواصل بوتين غزوه أوكرانيا.
ويعاني اقتصاد روسيا، البالغ حجمه نحو 1.5 تريليون دولار، بالفعل من العقوبات التي استهدفت البنوك الرئيسة، وقد تمنع بوتين من الوصول إلى الجزء الأكبر من احتياطيات البنك المركزي التي تزيد على 640 مليار دولار.
ووفق “بلومبيرغ”، شهد رئيس شركة “لوك أويل”، فاجيت أليكبيروف، انخفاضاً في صافي ثروته بنحو 13 مليار دولار هذا العام، وهو أكبر انخفاض بين 22 مليارديراً روسياً على مؤشر مليارديرات العالم.
وتراجعت أسهم شركة النفط البريطانية المتداولة في لندن بنسبة 62.8 في المئة خلال تعاملات جلسة الإثنين 28 فبراير.
فيما خسر جينادي تيمشينكو، أحد أوائل الذين عاقبتهم المملكة المتحدة، ما يقرب من نصف صافي ثروته هذا العام، حيث انخفضت بنحو 10.6 مليار دولار.
كما شهد ليونيد ميخلسون، المساهم في شركة “نوفاتيك”، خسارة نحو 10.2 مليار دولار من ثروته في عام 2022.
وتسببت الأزمة الأوكرانية أيضاً في زيادة التركيز على رومان أبراموفيتش، أحد أكثر المليارديرات شهرة ولديه أصول من بينها حصة في شركة صناعة الصلب “إيفراذ بي أل سي” ونادي تشيلسي لكرة القدم.
وسلم أبراموفيتش السيطرة على تشيلسي لأمناء المؤسسة الخيرية التابعة للنادي الإنجليزي، السبت الماضي. وقالت متحدثة، إن أوكرانيا اتصلت به أيضاً للمساعدة في التوسط في سلام مع روسيا.
وبصرف النظر عن نادي كرة القدم، الذي يمكن أن تبلغ قيمته أكثر من ملياري دولار، فإن العديد من أصول أبراموفيتش الأخرى موجودة أيضاً خارج روسيا أو مدرجة في البورصات الأجنبية.
كما يمتلك عقارات في إسرائيل، التي يحمل جواز سفرها، وفي فرنسا، إضافة إلى قصر بالقرب من قصر كينسينغتون في صف المليارديرات في لندن.
وتظهر سجلات الممتلكات في نيويورك أن الملياردير الروسي نقل ملكية قصر ضخم في القسم الشرقي العلوي إلى زوجته السابقة في عام 2018.
وتبلغ ثروة زوجة أبراموفيتش، البالغة من العمر 55 عاماً، والتي ليست مدرجة حالياً على قائمة عقوبات المملكة المتحدة، نحو 13.9 مليار دولار، بانخفاض بنحو 5 مليارات دولار هذا العام.
عقوبات تستهدف الديون السيادية
وأطلق الرئيس الأميركي جو بايدن، العنان لعقوبات تستهدف بيع روسيا للديون السيادية في الخارج وتستهدف النخبة في البلاد، قائلاً إنه سيرسل عدداً غير محدد من القوات الأميركية الإضافية إلى دول البلطيق في خطوة دفاعية للدفاع عن دول حلف الناتو.
وتراجعت الأسواق أكثر هذا الأسبوع، بعد اعتراف بوتين بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، ما أدى إلى قيام ألمانيا بوقف مشروع “نورد ستريم 2” للطاقة مع روسيا، وبريطانيا بفرض عقوبات على خمسة من البنوك في البلاد وثلاثة من الأفراد الأثرياء، بما في ذلك الملياردير الروسي غينادي تيمشينكو.
كما يوجد على قائمة العقوبات البريطانية، بوريس روتنبرغ (65 سنة) وابن أخيه إيغور (48 سنة)، اللذان جنت عائلتهما ثروتها من خلال شركة “ستروي غاز مونتزاه” لإنشاء خطوط أنابيب الغاز. فيما باع أركادي، والد إيغور، وأحد شركاء بوتين السابقين في مسابقة الجودو، شركة خطوط الأنابيب مقابل 1.3 مليار دولار تقريباً في عام 2019.
كما اشترى حصة أقلية من شقيقه الأصغر بوريس قبل خمس سنوات عندما تعرض الشقيقان، إلى جانب تيمشينكو، لعقوبات أميركية بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
نقلاً عن أندبندنت عربية