جاستن برونك
تتواصل الأسئلة العديدة التي لم تلق إجابة واضحة فيما يتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا. ومن أبرزها التساؤل حول السبب الذي دفع روسيا لشن حملة عسكرية بتكلفة ضخمة ذات أهداف قصوى، ثم رفض استخدام الغالبية العظمى من طائراتها المقاتلة.
وانطلق الغزو الروسي لأوكرانيا مثلما كان متوقعا في الساعات الأولى من يوم الرابع والعشرين من فبراير الماضي. ودمرت دفعة كبيرة من القذائف رادارات الإنذار المبكر الأرضية الرئيسية في جميع أنحاء أوكرانيا.
وكانت النتيجة تعمية القوات الجوية الأوكرانية بشكل فعال، وإعاقة تحركات الطائرات في بعض الحالات بسبب استهداف بعض المدارج. كما أصابت الضربات العديد من بطاريات صواريخ أرض جو الأوكرانية بعيدة المدى من طراز إس – 300 بي، والتي كانت قدرتها على الحركة محدودة بسبب نقص قطع الغيار على المدى الطويل.
وقد اتبعت هذه الضربات الأولية النمط الذي شهدته العديد من التدخلات التي قادتها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة. حيث كانت الخطوة المنطقية والمتوقعة على نطاق واسع، كما رأينا في كل صراع عسكري تقريبا منذ 1938، هي أن تشن القوات الجوية الروسية عمليات هجومية واسعة النطاق لتدمير القوات الجوية الأوكرانية.
وبدلا من ذلك، يبدو أن ما يقرب من 300 طائرة مقاتلة حديثة وضعتها القوات الخاصة في نطاق يسهل تحديده من مناطق الاتصال الرئيسية في شمال أوكرانيا وشرقها وجنوبها بقيت إلى حد كبير على الأرض طوال الأيام الأربعة الأولى من القتال. وقد سمح ذلك للقوات الجوية الأوكرانية بمواصلة الطيران في طلعات جوية دفاعية مضادة منخفضة المستوى وطلعات هجومية برية، ويبدو أن هذه حققت بعض النجاحات في اعتراض المروحيات الهجومية الروسية. كما أن حقيقة أن القوات والمدنيين الأوكرانيين تمكنوا من رؤية طياريهم يواصلون الطلعات الجوية فوق المدن الكبرى كانت أيضا عاملا رئيسيا لرفع الروح المعنوية، مما ساعد على ترسيخ الروح غير العادية للمقاومة الموحدة التي برزت في جميع أنحاء البلاد.
وسمح غياب المقاتلة الجوية الروسية ذات الأجنحة الثابتة والطائرات الهجومية للقوات الأوكرانية والقوات التي تشمل منظومات الدفاع الجوي المحمولة مثل صاروخ ستينغر الأميركي الصنع بالاشتباك مع طائرات الهليكوبتر الروسية المسلحة مع خطر أقل من الرد الفوري. وقد ساهم ذلك بدوره في الافتقار الكبير إلى النجاح والخسائر الفادحة التي تكبدتها القوات الروسية خلال عمليات الهجوم الجوي.
كما اقترن النقص شبه الكامل للقوة الهجومية الروسية في عمليات الاجتياح الجوي المضاد بضعف التنسيق الشديد بين تحركات القوات البرية الروسية ونظم الدفاع الجوي متوسطة وقصيرة المدى الخاصة بها.
وهناك العديد من العوامل التي قد تساهم في عدم قدرة روسيا على تحقيق التفوق الجوي واستغلاله رغم مزاياها الهائلة مقارنة بجارتها.
والعامل الأول هو الكميات المحدودة من الذخائر الموجهة بدقة التي يتم إطلاقها جوا والمتاحة لمعظم الوحدات المقاتلة الجوفضائية. وخلال العمليات القتالية فوق سوريا، استخدم أسطول سو – 34 بشكل منتظم الذخائر الدقيقة، ولجأت هذه الطائرات بانتظام إلى الهجمات بالقنابل والصواريخ غير الموجهة.
ولا يشير هذا فقط إلى معرفة محدودة للغاية بالذخائر الدقيقة الموجهة بين معظم أطقم المقاتلات الروسية، ولكنه يعزز النظرية المقبولة على نطاق واسع بأن المخزون الروسي محدود للغاية. حيث ستؤدي سنوات من العمليات القتالية في سوريا إلى استنفاد هذا المخزون بشكل أكبر، وقد تعني أن الجزء الأكبر من 300 طائرة مقاتلة ثابتة الجناحين تم حشدها حول أوكرانيا تشمل فقط قنابل وصواريخ غير موجهة للاستفادة منها في طلعات هجوم أرضي. هذا إلى جانب نقص في تقنيات اكتشاف أهداف ساحة المعركة وتحديدها من مسافة آمنة، مما يعني أن قدرة طياري الأجنحة الثابتة على توفير الدعم الجوي القريب لقواتهم محدودة.
نتيجة لذلك، قد تكون القيادة الروسية مترددة في الالتزام بالجزء الأكبر من قوّاتها الهجومية المحتملة ضد القوات الأوكرانية قبل منح الموافقة السياسية لاستخدام ذخائر غير موجهة لقصف المناطق الحضرية التي تسيطر عليها أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن غياب السلاح الموجه ليس تفسيرا كافيا للنقص العام في نشاط الجناح الثابت الروسي. وتعني إلكترونيات الطيران الحديثة نسبيا الموجودة على معظم منصاتها الهجومية أنه حتى القنابل والصواريخ غير الموجهة كان يجب أن تكون كافية لإلحاق أضرار جسيمة بالطائرات الأوكرانية في قواعدها الجوية. ويكمن تفسير آخر محتمل في أن القوات ليست واثقة من قدرتها على تفادي تعارض الطلعات الجوية واسعة النطاق بأمان مع نشاط صواريخ سام الروسية الأرضية التي تديرها القوات البرية. ويتطلب تشغيل مناطق اشتباك مشتركة حيث يمكن للطائرات المقاتلة وأنظمة سام أن تشتبك مع قوات العدو في وقت واحد تعاونا وثيقا وتدريبا منتظما.
وحتى الآن، أظهرت القوات الروسية تنسيقا في جميع المجالات. وفي هذا السياق، قد يكون السبب هو اتخاذ القرار لترك مهمة حرمان أوكرانيا من القدرة على العمل على أنظمة سام الأرضية، مع الفهم الواضح أن هذا سيكون مقتصرا على العمليات الجوية واسعة النطاق. لكن هذا ليس تفسيرا كافيا في حد ذاته، فنظرا لبقاء مقاتلات القوات الأوكرانية محدودة في هذه المرحلة، كان بإمكان الروس إجراء طلعات جوية واسعة النطاق ضد الأهداف الرئيسية في أوقات محددة مسبقا، خلال فترة يمكن أن تصدر فيها تعليمات لصواريخ سام الروسية بوقف إطلاق النار.
لكن العامل الأخير الذي تجب مراعاته هو العدد المنخفض نسبيا لساعات الطيران التي يتلقاها طيارو روسيا كل عام مقارنة بمعظم نظرائهم الغربيين. فبينما يصعب العثور على أرقام دقيقة عبر كل وحدة، تشير البيانات الرسمية الروسية الدورية إلى متوسط 100 – 120 ساعة في السنة عبر القوات ككل.
وغالبا ما يشتكي طيارو سلاح الجو الملكي البريطاني والقوات الجوية الأميركية من أنهم يكافحون من أجل الحفاظ على الاستعداد القتالي متعدد المهام بحوالي 180 – 240 ساعة طيران في السنة، والوصول إلى أجهزة محاكاة حديثة عالية الدقة لتدريب إضافي، وبيئة عمل أفضل لقمرة القيادة وواجهات للأسلحة من نظرائهم الروس.
لذلك، وعلى الرغم من برنامج التحديث المثير للإعجاب الذي شهد الاستحواذ على حوالي 350 طائرة مقاتلة حديثة جديدة على مدار العقد الماضي، سيكافح طيارو روسيا لتوظيف العديد من القدرات النظرية في بيئة أوكرانيا الجوية المعقدة. وإذا كان هذا هو الحال، فقد تكون قيادة روسيا مترددة في الالتزام بعمليات قتالية واسعة النطاق من شأنها أن تظهر الفجوة بين التصورات الخارجية وواقع قدراتها.
ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أننا ندرس أياما قليلة مما يمكن أن يتحول بسهولة إلى حملة طويلة الأمد. ويُذكر أنه لم يكن هناك سوى عدد قليل من المشاهد المؤكدة للطلعات الجوية الروسية ذات الأجنحة الثابتة فوق أوكرانيا. ولا ينبغي أن تحجب هذه المشاهد حقيقة أن أساطيل روسيا المقاتلة تظل قوة مدمرة، ويمكن إطلاقها ضد أهداف أرضية ثابتة وجوية في وقت قصير خلال الأيام القادمة.
المصدر العرب اللندنية