سعد بن طفلة العجمي وزير الإعلام السابق في الكويت
نَحَتُّ كلمة العنوان من روسيا + أوكرانيا، فأصبحت “روكرانيا” اختصاراً.
غزت روسيا أراضي أوكرانيا الأسبوع الماضي، لا مبرر للغزو والعدوان مهما كان، صحيح أن العاقل لا يتفق مع سياسة حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالتوجه بزجّ بلاده في أتون العسكرة وحلف “الناتو”، وهي تعاني مشاكل اقتصادية هائلة، وصحيح أن سياسة أوكرانيا في ما ترتكبه في دونباس، ترقى إلى جرائم الحرب، ولكن العاقل أيضاً لا يبرر الغزو والحرب الشاملة والعدوان بين بلدين جارين مهما ساق الغازي من مبررات وذرائع وأعذار.
وعلينا أن نسمي الأشياء بأسمائها: هو غزو دولة عظمى لجارة أضعف، يقود الدولة العظمى “مجنون عظمة” ارتكب جرائم حرب لا توصف في الشيشان وسوريا، وقد يقود العالم إلى حرب شاملة، بل ونووية، لا سمح الله.
يتمحور الخطاب الإعلامي الغربي بتغطيته ذات الاتجاه الواحد للغزو الروسي لأكرانيا على ثلاث مسائل أساسية:
– التركيز على المأساة الإنسانية والنزوح الجماعي للنساء والأطفال الأوكرانيين.
– الصمود الأوكراني “البطولي” و”الأسطوري” في وجه غزو جيش دولة عظمى.
– شيطنة بوتين مع عزلته عن باقي الشعوب الروسية.
لكن الإعلام الغربي ما زال يتطلع لتلك الصورة التي يمكن أن تختزل مأساة “الحرب الروكرانية”، صورة تهز وجدان وضمير المجتمع الدولي مثلما هزت صورة الطفلة الفيتنامية – فان تي كيم – العالم وهي هاربة من قصف قريتها بالنابالم والأسلحة المحرمة من قبل الطيران الأميركي في عام 1972.
وصورة الطفل الأفريقي بجنوب السودان الذي ينازع برمقه الأخير جوعاً، وبالقرب منه نسر جارح يتربص به للانقضاض عليه بعد أن يلفظ أنفاسه، الصورة التقطها المصور الشهير كيفين كارتر عام 1993، وانتحر بعد فوزه بجائزة “بوليتزر” للتصوير بأربعة أشهر، وقيل إنه انتحر بسبب الكآبة الحادة التي أصابته بعد تلك الصورة.
أو صورة الطفل الكردي إيلان جثة هامدة على شواطئ البحر المتوسط هرباً من نظام بشار الأسد باتجاه الغرب الأوروبي.
نجح الإعلام الروسي في حرمان الإعلام الغربي من صورة تهز الوجدان الإنساني حتى كتابة هذه المقالة.
تفاوتت التغطية الإعلامية الغربية لتسمية “الأزمة الروكرانية”، فقد سمّتها وسائل الإعلام بتسميات مختلفة، حيث سمّتها محطة “سي أن بي سي” العربية الاقتصادية: “روسيا/ أوكرانيا: فتيل حرب”، بينما سمّتها “بلومبيرغ” الاقتصادية الحرب في أوكرانيا (War in Ukraine).
واتفقت وسائل الإعلام الفرنسية على تسميتها “حرباً في أوكرانيا”، وبالفرنسية (Guerre en Ukraine).
“يورونيوز” الرسمية الناطقة بعدة لغات أوروبية، تشير إلى “غزو أوكرانيا” في نشراتها الإخبارية.
وتصدّرت نشرات الأخبار بالمحطتين التلفزيونيتين التركيتين “تي آر تي” الإنجليزية والعربية، عبارتا “روسيا تهاجم أوكرانيا” (Russia Attacks Ukraine)، و”الهجوم الروسي على أوكرانيا”، على التوالي. يُذكر أن تركيا هي ثاني أكبر دولة عضو بحلف “الناتو”.
وتراوحت قناة الصين التلفزيونية العالمية (CGTV) بوصف الأزمة “الروكرانية” بين عبارة: “أزمة أوكرانيا” و”الصراع الروسي – الأوكراني”.
وحدها “روسيا اليوم” تسمي الغزو الروسي لجارتهم أوكرانيا “عملية عسكرية خاصة”.
بكل حماسة وحدّة، تجمع وسائل الإعلام البريطانية على عبارة “الغزو الروسي لأوكرانيا”.
ويلاحظ أن رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون الأكثر “فزعةً” لصد الهجوم الروسي، أكثر من الرئيس الأوكراني نفسه، فهو يقوم بجولة “نفير” أوروبية للتصدي لبوتين، وقد علّق صديق متابع على ذلك بمثل شعبي، “ينبح دونه، يبيه لملعونه”، فلعل الحرب تنسي الشعب البريطاني حفلاته الجماعية أثناء الحظر الوبائي قبل سنتين، أو تتراجع أهميتها بسبب الحرب “الروكرانية”.
الحرب “الروكرانية” هي حرب اقتصادية وسيبرانية وإعلامية بالدرجة الأولى، فوسائل الإعلام الاجتماعي تعج بالأكاذيب والتزوير العميق (Deep Fake)، في وقت منعت أوروبا وسائل الإعلام الروسية من العمل فيها وأغلقت مكاتب “سبوتنيك” الروسية و”روسيا اليوم” التي تبث بلغات عدة من بينها العربية والفرنسية والإنجليزية، كما يشير الإعلام الغربي إلى أن روسيا بلد مغلق يحكمه ديكتاتور لا يسمح بالرأي الآخر، بينما ما زالت وسائل الإعلام الغربية والعالمية تبث من موسكو التي هددت بمعاملة وسائل الإعلام الغربية بالمثل، لكنها لم تفعل حتى الآن.
في الحرب “الروكرانية”، “كل على ذا البعير علق صميله”، كما يقول البدو، أي إن كل دولة تراقب وتتابع وتحاول أن تتكسّب من الظروف أو تستغلها لما هو في صالح شعوبها واستراتيجياتها، فالصين ترقب العقوبات غير المسبوقة على الاقتصاد والمصارف الروسية، وإيران تتابع تطوراتها وانعكاساتها على محادثات برنامجها النووي، وحتى نحن بالخليج نرقب أسواق الطاقة ونريد ضمان استقرار أسواقها بما لا يجعل المستهلك يذهب إلى بديل غير النفط في حال أصبحت أسعاره أغلى من بدائله، وهكذا.
وحده الإنسان في أوكرانيا هو الذي يدفع ثمن حسابات بوتين و”الناتو” وحماقة مهرج كوميدي تحول بين ليلة وضحاها إلى رئيس “بطل” في نظر معظم شعبه وكل وسائل الإعلام الغربية.
نقلاً عن أندبندنت عربية