كريتر نت – العرب
تحتاج مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع مجلة ذي أتلانتيك إلى أكثر من عودة لقراءة رسائلها ودلالاتها، في وقت تقول فيه أوساط سياسية خليجية إن المقابلة كانت مقصودة في توقيتها وفي سقف صراحتها خاصة تجاه الولايات المتحدة والرئيس جو بايدن، وإن صداها مازال يتردد خارج السعودية لتنوع الرسائل التي حملتها إلى أكثر من جهة دولية.
وقالت الأوساط السياسية الخليجية إن المقابلة جاءت ضمن ما يمكن تسميته بتسوية الحساب تجاه الأميركيين في ملفات مختلفة، مشيرة إلى أن ولي العهد السعودي ترك إدارة بايدن لأكثر من عام ترمي بكل ما عندها من اتهامات وضغوط ومواقف تجاهه كشخص أو تجاه الدور الإقليمي للسعودية، والآن بدأ يظهر أوراقه وخططه لإقامة علاقة متكافئة تبنى على المصالح.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن الأمير محمد بن سلمان صمت وتحمّل التغاضي الأميركي والاستهداف في موضوع جمال خاشقجي كما أشار إلى ذلك في المقابلة ثم ظهر بقوة ليقول إن السعودية تهتم ببناء علاقاتها الخارجية على قاعدة الندية، وهي حريصة على تمتين العلاقة مع واشنطن، لكن تبقى حماية المصالح الأميركية مهمة جو بايدن، في رسالة واضحة على أن المملكة لديها ما يكفي من البدائل، وأن الأميركيين إذا كانوا حريصين على مصالحهم فعليهم أن يغيروا أسلوبهم.
جيمس دورسي: السعودية تسعى لعدم الظهور بصورة المعارض للمصالح الروسية
وبعد صدور المقابلة التي كشفت عن غضب سعودي مكتوم من خيارات واشنطن، اتصل ولي العهد السعودي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مجددا “حرص المملكة على المحافظة على توازن أسواق البترول واستقرارها منوها بدور اتفاق أوبك + في ذلك وأهمية المحافظة عليه”، في رسالة قال مراقبون إنها تهدف إلى تأكيد التحالف مع روسيا في مجال النفط في تعارض مع ما تريده واشنطن.
وصار واضحا أن متنفس العالم الوحيد هو النفط، وهو ما يريد استثماره ولي العهد السعودي بشكل علني لتوجيه رسالته إلى واشنطن لجرّها إلى الحوار مع بلاده ومعه شخصيا بعدما بدا أنه فيتو من الرئيس الأميركي بشأن التواصل معه بعد مسعى لتحميله قضية خاشقجي.
وكتب جيمس دورسي وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية “تسعى السعودية… لعدم الظهور بصورة المعارض للمصالح الروسية. وبذلك، يمكنها أن تضرب عصفورين بحجر، فتبقي الباب مفتوحا أمام موسكو، وترد، بقدر مّا، على رفض بايدن التواصل مع الأمير محمد بن سلمان”.
ونقلت وكالة رويترز الخميس عن مصدر قالت إنه مطلع على طريقة التفكير السعودية أن “ورقة محمد بن سلمان الوحيدة هي السياسة النفطية للضغط على الأميركيين لإعطائه ما يريد.. الاعتراف والأسلحة (لحرب) اليمن”.
ويقول المراقبون للشأن السعودي إن الأمير محمد بن سلمان لم يعد يلتفت إلى الماضي بشأن الفيتو الأميركي حول شخصه، وإن ما يهمّه هو تأكيد امتلاكه للورقة الأهم حاليا، أي ورقة النفط، مع ما يحمله ذلك من مطالب بشأن إعادة الأميركيين تصويب أسلوبهم في التعامل مع المملكة كحليف استراتيجي سواء ما تعلق بحرب اليمن أو بمسألة الأمن الدفاعي والموقف من إيران وغياب أيّ ضمانات تتعلق بالسعودية والخليج ككل في الاتفاق النووي الذي تستعد الولايات المتحدة لإبرامه مع إيران.
ويشير المراقبون إلى أن وضع السعودية نفسها إلى جانب روسيا برفضها الاستجابة لمطالب واشنطن بشأن زيادة الإنتاج في أوبك+ هو رسالة على أنها لم تعد تقبل بأن ترهن مصالحها المباشرة لأجندات خارجية مثلما حدث في السابق مع الولايات المتحدة.
ومع اشتعال الحرب وبلوغ النفط أسعارا قياسية صار واضحا أن السعودية لاعب أساسي، ولأجل هذا لم يتجاوب ولي العهد السعودي مع الضغوط الإضافية التي مارسها الأميركيون بشأن خلق بدائل تتعلق بالاستغناء ولو جزئيا عن الإمدادات الروسية بعد أن أوهمت واشنطن الآخرين بأن حلولا لقضية الغاز يمكن أن تأتي من قطر أو الجزائر.
ويدرك ولي العهد السعودي أن واشنطن لا يمكن أن تجازف بأيّ خطوات غير محسوبة في موضوع النفط، فهي في حاجة دائما إلى النفط السعودي خاصة أن كل الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي يعادل ستة أيام من إنتاج السعودية من النفط، وأن الناقلات العملاقة التي استأجرتها السعودية وحملتها بالنفط منذ أكثر من سنة هي الخزين الحقيقي الذي يحفظ توازن السوق بالرغم من إعلان الولايات المتحدة ودول أخرى بأنها ستضخ كميات من مخزونها لإحداث التوازن بين العرض والطلب وتعديل الأسعار.
ولم تتفاعل السعودية مع تحركات أميركية كانت تهدف إلى التأثير على تمسك الرياض باتفاق أوبك+ ومحاولة خرق هذا الاتفاق بتوظيف الحرب على أوكرانيا وضرورة اتخاذ عقوبات ضد روسيا.
وتوجه آموس هوكستين المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة إلى الرياض الشهر الماضي لإجراء محادثات حول سبل التصدي للتأثيرات المحتملة على أسواق النفط في حال وقوع غزو روسي لأوكرانيا، وهو ما حدث بعد ذلك بأسبوع واحد.
وجاء الرد السعودي واضحا في تصريحات للأمير محمد بن سلمان بعد اتصال من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأكد ولي العهد السعودي “حرص المملكة على استقرار وتوازن أسواق البترول والتزام المملكة باتفاق أوبك+”.
والتزم تحالف أوبك+ الأربعاء بخططه طويلة الأمد للزيادة التدريجية في الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا كل شهر، وليس تسريع وتيرة تعزيز الإمدادات.