كريتر نت – متابعات
أظهرت أزمة الطاقة الحالية سوء تقدير كبير من الولايات المتحدة لقدرتها على التأثير في موقف حلفائها من المنتجين للنفط والغاز، ويعود ذلك إلى قصور في فهم واشنطن للمتغيرات الطارئة في العالم والمنطقة الخليجية.
ويدرس مستشارو الإدارة الأميركية السيناريوهات المتاحة لخفض أسعار النفط التي بلغت مستويات قياسية وتهدد بانكماش خطير في اقتصاد الولايات المتحدة والعالم، ومن بين هذه السيناريوهات إمكانية ترتيب زيارة للرئيس جو بايدن هذا الربيع إلى المملكة العربية السعودية.
وكشف موقع “أكسيوس” الأميركي أن المسؤولين في إدارة بايدن يضعون جملة من الخيارات، بما في ذلك منح فرصة لتحسين العلاقات مع السعودية وإقناعها بزيادة إنتاجها النفطي.
ولفت الموقع إلى أن المناقشات حول زيارة محتملة لبايدن إلى الرياض في مراحلها الأولى، وأن هناك إمكانية كبيرة بألا تحصل، حيث لا تريد واشنطن أن تظهر أي تنازل في سياساتها تجاه المملكة، التي تعد ثالث منتج للنفط في العالم وتقود منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
وكشفت أزمة الطاقة المتفجرة منذ اندلاع الصراع الروسي – الأوكراني عن سوء تقدير كبير للإدارة الأميركية، التي كانت تعتقد أن بوسعها ضبط الأسعار من خلال استجابة سريعة لحلفائها من المنتجين الكبار للنفط والغاز لمطالبها، لكن ذلك لم يتحقق.
وقفزت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ العام 2008، حيث تخطت حاجز المئة وثلاثين دولارا للبرميل، وسط ترجيحات بارتفاع أكبر في غياب مؤشرات عن إمكانية قريبة لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، والتصريحات الأميركية الملوحة بإمكانية فرض حظر على النفط الروسي، إلى جانب عدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق بشأن نووي إيران.
وكان المسؤولون الأميركيون سعوا خلال الأسابيع الماضية لتوجيه رسائل للدول الخليجية ولاسيما السعودية بأهمية زيادة إنتاجها من النفط، لكن الرياض تحفظت على هذه الخطوة مؤكدة التزامها باتفاق “أوبك بلس” وهو تحالف نفطي يضم روسيا.
ويسمح الاتفاق بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا كل شهر، لكنه غير كاف على الإطلاق لإحداث أي تأثير على سوق النفط العالمية. وقال مصدران في “أوبك بلس” الاثنين إن سياسات التحالف لا علاقة لها بالارتفاع الحالي لأسعار النفط، مستبعدين أي احتمال بزيادة إمدادات المجموعة.
وشدد أحد المصدرين “المشكلة هي أن ظروف السوق الحالية لا علاقة لها بسياسة أوبك، ولا بنقص المعروض (الإنتاج)”. وأضاف “كلنا نعلم أسباب السعر الحالي. لا علاقة لأوبك أو أوبك+ بالأسباب التي تدفع الأسعار إلى المستويات الحالية”.
وتقول أوساط سياسية خليجية إن قيام بايدن بزيارة إلى الرياض على أمل إقناعها بتعديل موقفها والتخلي عن اتفاقها النفطي مع روسيا، يبدو مستبعدا على نحو كبير، حيث أن واشنطن لا تزال تتمسك بمواقفها المتشددة حيال القيادة السعودية ولاسيما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتشير الأوساط إلى أن مستشاري بايدن يدركون أن استثناء ولي العهد خلال أي زيارة محتملة إلى السعودية لن يكون أمرا جيدا وقد يأتي بنتائج عكسية لاسيما وأن الأمير محمد هو الحاكم الفعلي في المملكة.
وتلفت الأوساط إلى أن الإدارة الديمقراطية تبدو في وضع محرج، وهي لا تستطيع التأثير على موقف المملكة بأسلوبها الحالي الذي ينطوي على الكثير من التعالي والفوقية، وينساق خلف ما يروجه البعض بحق الأمير محمد ولاسيما في علاقة بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وصرح الأمير محمد، في مقابلة مطولة مع صحيفة “أتلانتيك” الأميركية نشرت الخميس الماضي وتداولتها بالكامل وسائل إعلام سعودية مقربة من الحكومة، بأنه لا يهتم بما إذا كان بايدن “يسيء فهم” أي شيء عنه، بما في ذلك ما يتعلق بقضية اغتيال خاشقجي.
وأوضح ولي العهد “هذا الأمر يعود إليه (بايدن)، ومتروك له للتفكير في مصالح الولايات المتحدة، فليفعل ذلك إذن”. وتابع “نحن لدينا علاقة طويلة وتاريخية مع الولايات المتحدة، وبالنسبة إلينا في السعودية هدفنا هو الحفاظ عليها وتعزيزها. لدينا مصالح سياسية ومصالح اقتصادية ومصالح أمنية ومصالح دفاعية ومصالح تجارية، ولدينا العديد من المصالح، ولدينا فرصة كبيرة لتعزيز كل هذه المصالح، وأيضا لدينا فرصة كبيرة لخفضها في عدة مجالات، وإذا سألتنا في السعودية، فنحن نريد تعزيزها في جميع المجالات. وليس لأحد الحق في التدخل في شؤوننا الداخلية، فهذا الأمر يخصنا نحن السعوديين”.
وقال موقع “إكسيوس” إن المواقف التي أعلنها ولي العهد السعودي في مجلة “ذي أتلانتيك” لا تسهل على بايدن إصلاح العلاقات بينهما.
ويرى مراقبون أن هناك نوعا من القصور في فهم المسؤولين الأميركيين للمتغيرات الجارية في العالم والمنطقة الخليجية، التي تتجه للتخلص شيئا فشيئا من القيود الأميركية عبر بناء تحالفات وعلاقات مع قوى متعددة، ومن موقع الند للند.
ويشير المراقبون إلى أن هذا القصور أسقط واشنطن وبعض حلفائها من الأوروبيين في سوء تقدير للأزمة الطاقية الحالية، معتبرين أن تصريحات واشنطن بشأن دراسة فرض حظر للنفط الروسي في ظل الوضع الراهن غير منطقي، وقد يقود إلى المزيد من الانقسام داخل المحور الغربي.
وصرح المستشار الألماني أولاف شولتس بأن بلاده ستواصل الاعتماد على واردات الطاقة من روسيا. وأوضح السياسي الاشتراكي الديمقراطي الاثنين أن “إمداد أوروبا بالطاقة للتدفئة وللتنقل وللإمداد بالكهرباء وللصناعة، لا يمكن تأمينه بطريقة أخرى في الوقت الراهن”.
وأضاف شولتس أن الطاقة الواردة من روسيا لها أهمية أساسية بالنسبة إلى الحياة اليومية للمواطنين، مشيرا إلى أن هذا هو السبب في أن أوروبا استثنت توريدات الطاقة من العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا.
ويعتقد المراقبون أن بايدن لا يبدو متحمسا حتى اللحظة لكسر جدار الفتور في العلاقة مع السعودية، لكنه في النهاية قد يضطر إلى ذلك في حال استمرت أزمة النفط في الصعود، وهذا سيشكل مكسبا كبيرا للأمير محمد.
وذكر موقع “أكسيوس” أن الهجوم الروسي أثر بشكل واضح على التحالفات في العالم، وقد يجبر الولايات المتحدة على إعادة ترتيب أولوياتها، مشيرا إلى قيام مسؤولين في إدارة بايدن بزيارة فنزويلا نهاية الأسبوع الماضي للقاء حكومة الرئيس نيكولاس مادورو.