كتب : محمد علي محسن
وقف قلب العادل العفيف ، رحل صديقي الجميل بغتة وبينما نحن منشغلون في الحرب الروسية الأوكرانية ، مات حبيب الشعب .
رحماك يا الله ، ألهمنا الصبر ، مُدَّنا بالقوة ، خفِّف عنَّا وقع المصيبة . كانت فرحتي توازي السماء ، حين تواصلت مع ولده ، ومع رفيقه عبد الحكيم الأسد ، فكلاهما طمأنني بنجاح زراعة ثلاثة دعائم لشرايين فؤاد عادل المتعب ، المنهك .
فماذا حدث وكيف انتكست حالته ثانية ؟؟ مازلت مصعوقًا من هول الفاجعة التي أخذت شخصًا أستثنائيًا ، وبكل المقاييس الإنسانية والثقافية والسياسية والإجتماعية .
فمن يجهل الرفيق عادل ؟ ومن لا يعرفه وهو الذي ما اتصل به أحدًا إلَّا وجده مجيبًا ومحتفيًا به وغامرًا إياه بفيض من مشاعر الود والمحبة ، وما طلبت يومًا هاتف شخصية مرموقة إلَّا وأعطاني رقمه وزادني نبذة تعريفية مختصرة .
ناشط سياسي وحقوقي وتربوي ، صحافي ومثقف وضليع في لغة الضاد ، مجتهد وذو علاقات عامة ومميزة ، يزاول هذه المهن والوظائف بشغف ورغبة وبلا أكتراث ببطاقة أو صفة ، فالمهم له هو خدمة النَّاس ، والذود عمَّا يراه صحيحًا وصائبًا .
إنسان يأسرك بتواضعه الجم ، وبأخلاقه الرفيعة الدالة عن نفاسة معدنه ، يصافحك بابتسامة عريضة وأين التقيت به ، يدهشك بذاكرته المتقدة بالحيوية والمعرفة .
نعم ، رجل ذو ذهن نظيف ، وسريرة نقية ، متسامح مع ذاته ومع من يختلف معه ، فلا يضمر لأحد شرًا أو ضغينة ، فهذه مفردات لا وجود لها في قاموسه أو تعامله .
أختط لذاته طريقًا واسلوبًا متفردًا ، كانت وسيلته النقاشات الجادة ، اللقاءات المفتوحة ، منصات التواصل الاجتماعي ، فمن خلالها نشط وأبدع في إيصال الكلمة والخبر والفكرة وبشكل راقٍ وكيّس ومنصف .
عرفته أكثر برأيه الحُر ، وإيمانه بقناعاته السياسية التي لم يتخل عنها لحظة ، وظل ينافح في سبيل تحقيقها في فضاء منغلق ضائق بالفكرة المغايرة .
حين إصابته جلطة قلبية تواصلت مع صديقي الرائع العقيد عبده راجح الشعيبي ، فمدَّني برقم أحد أصدقائه المقربين ، عبد الحكيم الأسد .
قال لي : تواصل معه وسيخبرك بحالة صديقك ؛ وأضاف : عبد الحكيم صاحبنا ، فهو مع اليمن الصغير وليس مثلك انت وعادل صاحبك ، فأنتما مع اليمن الكبير ، قلت له مازحًا : نعم، نحن مع اليمن الكبير ، وأنتم متى تكبروا “.
أشكر كل الرجال الخيرين من أبناء الشعيب وغير الشعيب في المهجر أو الداخل ، فلقد كان دعمهم لعادل أثناء علاجه في المستشفى الخصوصي ، فعلا كريمًا ونبيلًا خفف من وطأة المأساة ، فيجب القول أن الفقيد رحل مطمئنًا وفخورًا بكونه محل اهتمام ورعاية أهله ورفاقه وأصدقائه ، فأيًا كان البعض خذله أو قصر معه ، إلَّا أن المهم هو أنه لم يمت من الإهمال ..
شخصيًا ، أشعر بغصة تخنقني ، بحرقة تؤلمني ، بتأنيب ضمير يمزِّقني ، فلم استطع زيارته أو مساعدته ، أحسست بالعجز وأنني خذلته ، لأول مرة أدرك معنى القول :” العين بصيرة واليد قصيرة “.
وهذا حال الكثير من اصدقائه أو رفاقه ، فالحرب والعبث لم يبقيا لنا شيئًا ، فسطوة الانذال وازدهار الفساد وتجارة العبيد والسلاح ، مجتمعه افقدتنا القدرة على مؤازرة بعضنا البعض ، ولو في البلاء وعند الشدائد .
عزائي انه مات كبيرًا شامخًا ، فما أصعب أن يحفظ الإنسان كبريائه ومبدأه وفي وقت تتهافت فيه الجموع على مائدة اللئام ، زمن تتعاظم في صغائر الخلق وتفنى فيه كرام البشر .
خالص المواساة لوالده عفيف بن عفيف ولابنائه وأهله ومحبيه في قرية الصافئ ، الشعيب ، الضالع ، اليمن ، الخارج ، وعظَّم الله أجركم جميعًا ، ويلهمكم الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
” وداعًا صديقي عادل عفيف بن عفيف الشعيبي ، لك الله أيها العفيف ، دعواتنا أن يرحمك ويغفر لك ويسكنك الفردوس الأعلى ، ويحشرك مع الانبياء والشهداء والصدِّيقين ” .